الخميس، 24 يونيو 2010

أرنـب بـرّي صغيـر للفنان الألماني البـريخـت ديورر

لا بدّ وان الكثيرين منا ألفوا رؤية هذه اللوحة، إذ لا تخلو منها كتب المطالعة المدرسية القديمة والحديثة. كما أنها تتبوّأ دائما المراكز الأولى في قوائم اللوحات الفنية الأكثر مبيعا، خاصة تلك اللوحات التي تقتنى لأغراض الديكور والزينة المنزلية.
واللوحة تنتمي إلى ذلك النوع من الأعمال الفنّية التي قد لا تلفت الاهتمام ولا ترتاح لها العين لأوّل وهلة. لكن النظر إلى تفاصيلها بشيء من التمعّن والتركيز سرعان ما يكشف لنا بعضا من ملامح الجمال والتفرّد فيها.
الملاحظة الأولى بشان اللوحة هي أنها تقدّم رسما واقعيا ومفصّلا يصل إلى درجة الكمال لأرنب برّي في وضع متحفّز. ويبدو الحيوان الصغير كما لو انه يحاذر الوقوع في قبضة عدوّ متربّص ينوي مهاجمته.
وإذا كانت لوحات مود لويس تعتبر أفضل ما رُسم عن عالم القطط، فإنه يمكن القول إن هذه اللوحة تصوّر أشهر حيوان في تاريخ الفنّ التشكيلي العالمي كله.
وثمّة احتمال بأن يكون البريخت ديورر رسم اللوحة لمجرّد المتعة الفنّية فحسب. ومع ذلك فإن كلّ شعرة وكلّ جزء وكل تعبير فيها يعدّ مؤشّرا على أن اللوحة أنجزت بحساسية وتمكّن عاليين، لدرجة انه يخيّل للناظر أن الحيوان قد عاد إلى الحياة وأصبح كائنا من لحم ودم. كما أن اللوحة تؤشّر أيضا إلى مدى قوّة ملاحظة الرسّام والدفء الإنساني الذي تختزنه مشاعره.
وقد ظهرت اللوحة لأوّل مرّة ضمن مجموعة رسومات بالألوان المائية أنجزها ديورر لتزيّن كتابا ألفه كونراد سيلتيس وضمّنه خمسين قصيدة حبّ يتغنّى فيها بالطبيعة وبعلاقة الإنسان بالحيوانات وبالكائنات إجمالا.
ويلاحظ أن ديورر لم ينسَ أن يوقّّّع اللوحة ويسجّل عليها تاريخ رسمه لها كما كان يفعل مع جميع لوحاته.
كان ديورر من أوائل الرسّامين الذين كانوا يؤمنون بأن الحيوان يمكن أن يكون موضوعا لأعمال فنية ذات شأن. وفي العصور التي جاءت بعده تلاشى الاهتمام برسم الحيوانات ثم عاد مجدّدا بحلول القرن الثامن عشر عندما رسم جورج ستبس لوحته الشهيرة ويسل جاكيت .
وقد كان النقاد في الماضي يعتبرون أن رسم الحيوان يمكن أن يوفّر دليلا على مهارة الرسّام وبراعته الفنية، غير أن ذلك لا يقدّم فنا عظيما يمكن أن يعبّر عن رؤى ومواقف أو عن إبداع حقيقي.
لكن ديورر اثبت من خلال هذه اللوحة بطلان تلك النظرية، حيث أصبحت اللوحة في ما بعد أحد أشهر الأعمال الفنية العالمية وأكثرها رواجا واستنساخا ومبيعا وتقليدا.
ويرى بعض النقاد أن ديورر كان آخر فنّاني العصور الوسطى لكنه بنفس الوقت كان أوّل فنّان حداثي، بالنظر إلى تجاوزه غيره وخروجه على التقاليد الفنية التي كانت سائدة في زمانه.
وقد عاش الفنان في عصر بدأ الناس فيه يهتمّون بتقديس العقل والاهتمام بالأمور الدنيوية على حساب الدين واعتبارات الإيمان.
في ما بعد، اتّسع الاهتمام بالرسومات التوضيحية التي تزيّن كتب الأطفال والقصص والأساطير الخيالية، ومن أشهر من تخصّصوا في هذا النوع من الرسم ادمون دولاك الذي رسم ألف ليلة وليلة و رباعيات الخيـّام ، وآرثر راكهام الذي رسم سندريللا، وغوستاف دوري الذي رسم الكوميديا الإلهية، بالإضافة إلى أسماء مشهورة أخرى مثل نورمان روكويل و ماكسفيلد باريش .
وأخيرا، هناك من يقول انه إذا كان هناك عمل فنّي منفرد سجّل البدايات الأولى للثورة العلمية فربّما يكون هذه اللوحة التي سُخّر فيها الفن لخدمة التجريب وحبّ الاكتشاف والملاحظة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق