الخميس، 24 يونيو 2010

ارنـولفيـنـي وزوجـتـه للفنّان الهولندي يـان فـان ايــك


لوحة شهيرة أخرى للفنان فـان ايـك يسجّل فيها واقعة زواج حدثت في ايطاليا في العام 1434م.
الزوج هو جيوفاني ارنولفيني سليل عائلة غنيّة من التجّار والمصرفيين. والزوجة جيوفانا سينامي التي تنحدر هي الأخرى من عائلة تشتغل بالتجارة.
في اللوحة يقف العروسان في غرفة النوم التي غمرها ضوء الشمس ووجهاهما قبالة الناظر، بينما يمسك العريس بيد عروسه.
والعروس تبدو هنا كما لو أنها حامل وذلك بسبب الفستان الفضفاض الذي كان موضة دارجة في ايطاليا في القرن الخامس عشر.
الفنان فان ايك كان يلقّب في زمانه بملك الرسّامين لكثرة ما رسم صورا للملوك والأمراء والعائلات الارستقراطية.
وهو في هذا العمل لا يرسم فحسب بل يقوم بدور الشاهد على الزواج. وقد كتب في أسفل اللوحة باللاتينية: "يان فان ايك كان حاضرا".
أوّل ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة هو ألوانها المضيئة وامتلاؤها بالصور والرموز والتفاصيل.
فهناك شمعة مضاءة في الطرف الأيسر من الثريّا الفخمة المتدلية من السقف، رغم أن الوقت يبدو نهارا.
وفي الخلفية على طرف السرير يبدو تمثال صغير لقدّيسة. لكن أكثر ما يجذب العين في هذه اللوحة البديعة هو صورة المرآة الخشبية ذات الأضلاع المثبّتة في خلفية الغرفة. وقد ُرسمت بطريقة تدلّ على مهارة فائقة ودقّة قلّ نظيرها.
كما رسم الفنّان على إطار المرآة الخارجي عشر منمنمات ترمز كلّ منها إلى مشهد في حياة المسيح.
وفي منتصف المرآة، تظهر صورة منعكسة للفنّان مصحوبا برجل آخر قد يكون هو الشاهد الرّسمي على الزواج.
وعلى الأرضية وقف كلب صغير عند طرف فستان العروس، رمزا للإخلاص والوفاء.
وحول الشباّك إلى اليسار وأسفل منه قليلا تناثرت حبّات من البرتقال أو لعله تفاح، قد تكون رمزا للخصوبة أو سقوط الإنسان من الجنّة.
وعلى الأرض أيضا هناك فردتا حذاء، ومؤكّد أن الفنان لم يضعهما هنا عبثا، وربّما يكون المعنى الكامن وراء خلع الحذائين التأكيد على طهارة وقدسيّة الزواج.
كان فان ايك مهتمّا كثيرا بتأثيرات الضوء والظل كما تظهرها الكثير من أعماله. وفي هذه اللوحة بالذات تبدو هذه السمة واضحة في الطريقة التي رسم بها الثريّا النحاسية اللامعة.
لكن لماذا تقام مراسم الزواج في غرفة نوم وليس في كنيسة كما جرت العادة؟!
اغلب الظنّ أن ذلك عائد لحقيقة أن المتحدّرين من الفلاندرز، مثل ارنولفيني وفان ايك نفسه، كانوا يعتقدون أن الزواج يستمدّ شرعيّته من رضا الزوجين فحسب وليس بالضرورة من حضور قسّ أو رجل دين. لذا كانوا يفضّلون إقامة الزواج بعيدا عن الكنيسة وبحضور بعض أصدقائهم الذين يقومون بمهمّة الشهود.
إن كل عنصر في هذه اللوحة الجميلة مشحون بالمعنى والرمز ويعكس الطبيعة الدينية للمناسبة.
لكنّ كلّ هذه التفاصيل تعتبر ثانوية مقارنةً بالمرآة التي تمثّل نقطة ارتكاز المشهد كله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق