الاثنين، 21 يونيو 2010

المـأســاة للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو

اتسمت مرحلة بيكاسو الزرقاء بغلبة اللون الأزرق على لوحاته. وأصبح الأزرق، بفضل توظيف بيكاسو له، رمزا للوحشة والحزن والخواء وأحيانا للتأمّل الصامت.
كان الفنان يمزج اللون والمزاج معا بنمط معيّن من الشخصيات التي كان يتعاطف معها، كالمتسوّلين والمنبوذين والمشرّدين والسكارى ولاعبي السيرك والباعة المتجوّلين وبائعات الهوى وغيرهم من الفئات الاجتماعية المسحوقة والمهمّشة.
ولوحات بيكاسو في المرحلة الزرقاء تعتبر من أجمل ما رسم، رغم كونها مجلّلة بالمعاناة والخيبة والحزن.
في "المأساة" يرسم بيكاسو ثلاثة أشخاص، رجل وامرأة وطفل، وهم يقفون على شاطئ البحر. اللون الأزرق، هنا أيضا، يحدّد طبيعة المزاج والمشاعر.
الأشخاص الثلاثة قد يكونون أفراد عائلة واحدة، رغم أن هذا ليس مؤكّدا. غير أن من الواضح أن المنظر يعكس شعورا بالحزن وربّما الفجيعة.
من الأشياء اللافتة في اللوحة أن الفنان بالغ في رسم نسب الشخوص وجعلهم يغطون كامل مساحة اللوحة تقريبا.
الطفل يبدو وكأنه الشخصية المركزية في هذه اللوحة. يده الممتدّة إلى الرجل ونظراته التائهة تعطي إحساسا بحاجته للتعاطف والسلوان. وقد تكون حركة يديه تعبيرا عن حاجته للدفء الإنساني.
في اللوحة، ثمّة إحساس واضح بالفقد. لكن طبيعة المأساة ليست واضحة. قد تكون مرضا، موتا، جوعا، أو كارثة طبيعية ما. لكن لا شيء مؤكّد.
الرجل يبدو منسحبا وغير مكترث بما يجري. تعابيره توحي بأنه يريد إبعاد نفسه عن لمسة الطفل ونظرات المرأة.
ويُحتمل أن يكون ردّ فعل الرجل غير المبالي انعكاسا لشعوره بالذنب أو تأنيب الضمير.
المرأة تعطي ظهرها للناظر ولا يظهر منها سوى جانب واحد من وجهها. كما أن نظرها مركّز إلى أسفل.
هل في هذا ما يشير إلى أنها تلوم الرجل وتعتبره مسئولا عما حدث؟
من الواضح أن الثلاثة فقراء، إذ يبدون حفاة الأقدام ويرتجفون من البرد كما أنهم غارقون في الحزن.
لا يبدو واضحا لماذا رسم بيكاسو اللوحة وما الذي كان يقصده من ورائها.
هل "المأساة" هي الإحساس بالوحدة والحزن الذي يجعل كلّ واحد من الثلاثة يشعر بأنه منفصل عن الآخرين ومستغرق في همّه الخاص؟
بعض النقاد يشيرون إلى أن "المأساة" رُسمت فوق لوحة أخرى وأن في تفاصيل اللوحة ما يوحي بأن بيكاسو استبدل باللوحة لوحة أخرى مخبّأة تحت سطحها.
المعروف أن الرمزيين سبقوا بيكاسو في استخدام لون واحد لخلق مزاج أو انفعال معيّن. ويسلر ومونيه وسيزان أيضا رسموا لوحات ذات لون واحد.
ومثل هذه الصور كانت تروق كثيرا للشعراء الرمزيين مثل بول فاليري الذي كان شاعر بيكاسو المفضّل.
"المأساة" تبدو لوحة كئيبة وحزينة. وهناك من يعتبرها دراسة بصرية مثيرة عن الحزن.
بيكاسو نفسه كان يعتقد أن الفنّ هو الابن الشرعي للحزن وأن المعاناة شيء أساسي في الحياة.
وعندما كان في أوائل العشرينات من عمره، كان بيكاسو شخصا فقيرا ومكافحا. ويقال انه بسبب الفقر كان يحرق لوحاته ليتدفّأ بنارها.
ويبدو أن هذا سرّ تماهيه وتعاطفه الشديد مع المنبوذين والتعساء الذين كان يرسمهم.
لوحات المرحلة الزرقاء تتضمّن الكثير من المشاعر الإنسانية. وهي ترمز لحالة بيكاسو التعيسة آنذاك. وربّما أراد أن يقرن حال الفنان بحال الشخص المنبوذ، باعتبار مكانة الفنان المتدنّية اجتماعيا في ذلك الوقت.
وقد يكون اللون الأزرق قدّم لـ بيكاسو العزاء والراحة وحماه من بعض الانفعالات التي لم يكن قادرا على كبحها أو التعامل معها وسمح له بأن يحزن فنيّا وأن يتعافى من حزنه بعد ذلك.
بدأت مرحلة بيكاسو الزرقاء بموت اقرب أصدقائه الذي حاول التقرّب من إحدى الفتيات وعندما صدّته قتلها وقتل نفسه. وقال بيكاسو في ما بعد: كان التفكير في ذلك الصديق هو ما دفعني لكي أرسم بالأزرق".
الجدير بالذكر أن "المأساة" وظفت في احد الإعلانات التي تحذّر من مخاطر مرض نقص المناعة المكتسبة أو "الايدز".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق