السبت، 19 يونيو 2010

جـامـع الكُـتُـب للفنّان الإيطالي جوزيـبي أرشيمبـولــدو

كان ارشيمبولدو أحد أكثر رسّامي عصر النهضة أصالة وابتكارا. بل يقال انه أوّل من ابتدع الرسم التكعيبي. حدث هذا قبل أكثر من ثلاثة قرون من ظهور بيكاسو والحركة التكعيبية.
وقد أحبّه السورياليون وأعجبوا بصوره الفانتازية وأشكاله الهندسية وبمهارته الفائقة في التوليف. بينما رأى فيه آخرون فنانا رمزيا يمكن اعتبار أعماله امتدادا للأفكار الإنسانية التي راجت في نهايات عصر النهضة الايطالي.
اشتهر ارشيمبولدو ببورتريهاته عن الفصول الأربعة التي صوّر كلا منها على هيئة إنسان تتشكّل ملامحه من الفواكه والخضار التي تقترن بكلّ فصل من فصول السنة.
غير أن أشهر لوحاته وأكثرها شعبية هو هذا البورتريه الذي رسمه لمؤرّخ وطبيب نمساوي اسمه وولفغانغ لاتزيوس.
كان لاتزيوس عالما مشهورا وقد عُرف بقربه من بلاط عائلة هابسبيرغ. ويقال انه بلغ من حبّ هذا الرجل للكتب انه كان يستطيع الحصول على أيّ كتاب أو وثيقة أو مخطوط يريده بأيّ ثمن وبأيّ طريقة.
وبورتريه ارشيمبولدو عن لاتزيوس هو الوحيد من بين بورتريهاته الذي يخلو من عناصر الطبيعة.
والبورتريه عبارة عن كومة من الكتب رُتّبت بطريقة معيّنة بحيث تؤلّف في النهاية شكل وملامح إنسان. فالقبّعة مرسومة على شكل كتاب مفتوح، والرأس عبارة عن مجموعة من الكتب الموضوعة فوق بعضها أفقيا. والأنف هو الآخر يأخذ هيئة كتاب واللحية رُسمت على شكل مكنسة الريش التي تُستخدم عادة في نفض الغبار عن الكتب. والذراع تحوّل إلى كتاب كبير ابيض والأصابع إلى علامات للكتاب.
رسم ارشيمبولدو البورتريه أثناء عمله كرسّام في بلاط الإمبراطور ماكسيميليان الثاني.
وقد أعجب الإمبراطور كثيرا بهذه الصورة وعلّقها في قصره. ثم استعارها منه ابنه رودولف الذي قام بعرضها، مع غيرها من أعمال الرسّام، في قصرهم في براغ. وفي ما بعد انتقلت اللوحة إلى ملكية أبنائهم وأحفادهم.
وهناك من ينظر إلى اللوحة باعتبارها رسما كاريكاتيريا يسخر من المثقفين وجامعي الكتب الذين يسرفون في شراء واقتناء الكتب، ليس لقراءتها، وإنما من اجل المباهاة والتفاخر.
لكن ربّما كان الرسّام يلمّح من خلال الصورة إلى الازدهار الكبير الذي شهده عصر النهضة في مجال تأليف ونشر الكتب.
في ذلك الوقت أصبح أمناء المكتبات هم التجسيد الحقيقي للحكمة والمعرفة الإنسانية بعد أن كان القدّيسون ورجال الدين يختصّون أنفسهم بصفة العالم المثالي.
كان ارشيمبولدو رسّاما سابقا لعصره. وسلسلة لوحاته ذات الشعبية الكبيرة عن الفصول والعناصر التي يأخذ كلّ منها شكل إنسان من الفواكه والثمار كانت ابتكارا لم يسبقه إليه احد.
وثمّة احتمال بأنه أراد من وراء تلك اللوحات أن تكون رمزا لتوحّد الإنسان مع الطبيعة أو محاولة من الرسّام لأنسنة الطبيعة أو ربّما تطبيع الإنسان.
وهناك لوحة مشهورة أخرى لـ ارشيمبولدو اسمها المحامي، أو الافوكاتو بالايطالية، يظهر فيها شخص بفم سمكة وبوجه تتشكّل ملامحه من اسماك ودواجن ميّتة، بينما تتمدّد على أعلى وأسفل صدره الوثائق والكتب القانونية.
بعض النقاد يشيرون إلى أن ارشيمبولدو قد يكون استلهم أسلوبه المبتكر في الرسم من أشكال الأطعمة التي كانت معروفة في أواخر عصر النهضة. فقد كانت قصور النبلاء تزخر بأنواع الأطعمة والمأكولات والفواكه التي يتمّ ترتيبها، وأحيانا نحتها، كي تحاكي قصص الأساطير القديمة.
ويُحتمل أن تكون لوحاته امتدادا لأحد التقاليد التي سادت في ذلك العصر. إذ كان أرباب المهن يحيطون أنفسهم بأشياء وعناصر تدلّ على طبيعة مهنهم أو حرفهم التي يبرعون فيها.
في العام 1648 تعرّضت الكثير من لوحات ارشيمبولدو للدمار إثر غزو الجيش السويدي لـ براغ. لكن هذه اللوحة نجت من التلف عندما استولى عليها السويديون كغنيمة حرب.
وما تزال موجودة إلى اليوم في المتحف الوطني بـ استوكهولم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق