الخميس، 24 يونيو 2010

نســاء الجـزائـــر للفنان الفرنسي أوجيـن ديـلاكـــروا

في العام 1832 سافر أوجين ديلاكروا إلى اسبانيا وشمال أفريقيا في مهمّة ديبلوماسية.
وكان لتلك الرحلة اثر كبير في اختيار الفنان مواضيع لوحاته التي ستظهر في ما بعد، والتي سجّل فيها جوانب من ملاحظاته ومشاهداته الشخصية في تلك البلاد.
وحطّت به الرحال أخيرا في المغرب. حدث ذلك بعد فترة قصيرة من استيلاء فرنسا على الجزائر.
وفي المغرب تمكّن ديلاكروا من أن يشقّ طريقه إلى مجتمعات النساء وعالم الحريم الغامض.
في البداية لم تكن تلك المهمّة سهلة، بالنظر إلى التقاليد المحافظة والعادات الصارمة التي تلزم النساء بتغطية أجسادهن.
وعندما شاهد ديلاكروا عالم الحريم لأوّل مرة أسكره المنظر وأحسّ بالدهشة والافتتان. إذ كان يعتقد دائما أن ثقافة شمال أفريقيا وأسلوب حياة أهلها بما تنطوي عليه من حيوية و "إكزوتية" في منتصف القرن التاسع عشر، كانت صورة مصغّرة عن الحياة زمن الإغريق والرومان.
وبعد سنتين من ذلك التاريخ أنجز الفنان هذه اللوحة التي يعتبرها كثيرون إيذانا ببدء الحركة الاستشراقية في الثقافة والفن.
في "نساء الجزائر" نرى ثلاث نساء يجلسن على أرضية غرفة، بالإضافة إلى امرأة سوداء، لعلها خادمة.
وأكثر ما يلفت الانتباه في المشهد هو منظر المرأة الجالسة إلى أقصى اليسار مستندةً إلى أريكة، إذ تبدو ذات ملامح جميلة بنظراتها الحالمة وفستانها ذي الألوان الباردة والمتناغمة.
أما المرأتان الجالستان إلى يمين اللوحة فتبدوان كما لو أنهما تتبادلان حديثا شخصيا، فيما تمسك إحداهن بالارغيلة – وهو منظر نراه كثيرا في اللوحات التي تصوّر غانيات – بينما أدارت الخادمة السوداء ظهرها كـي تنظر إلى سيّدتها "في الوسط" وهي تهمّ بالخروج من الغرفة.
ولعلّ أهمّ ملمح في هذه اللوحة هو حركة الألوان والأشكـال فيها وتلقائية شخوصها وتفاصيلها.
"نساء الجزائر" اعتبرت دائما تحفة فنية من اللون والضـوء والتفاصيل الدقيقة الأخرى التي برع ديلاكروا في رسمها لينقل إلينا عبرها صورة من صور الحريم في بيئتهن الدافئة والمثيرة للغرائز.
بالإضافة إلى هذه اللوحة، رسم الفنان حوالي مائة لوحة أخـرى صوّر فيها جوانب مختلفة عن الحياة في شمال أفريقيا. وتمتلئ لوحاته المغاربية بمشاهد لخيول عربية وبشر يصارعون حيوانـات مفترسة ومعارك بين القبائل في الجبال.
كانت "نساء الجزائر" احد مصادر الهام الانطباعيين كما قام بيكاسـو بتقليدها. وحديثا ألفت الكاتبة الجزائرية آسيا جبّار كتـابـا مثيرا للجدل عن المرأة والثقافة واللغة استوحت عنوانه وغلافه من اللوحة، في إشارة إلى أن الظلم الذي تتعرّض له المرأة ما يزال قائما منذ زمن الاستعمار وعصر الحريم.
ديلاكروا كان احد أشهر رسّامي القرن التاسع عشر. ولم يكن يرسم فقط، بل اشتغل بالأدب والسياسة والديبلوماسية.
وكان من اقرب أصدقائه الموسيقي البولندي فريدريك شوبان والأديبة جورج صاند وعازف الفيولين الايطالي الشهير نيكولا باغانيني، وقد رسم للثلاثة بورتريهات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق