الخميس، 24 يونيو 2010

المجـدليـة التـائبــة للفنان الفرنسي جـورج دو لا تــور


ظلّت شخصية مريم المجدلية موضوعا مفضّلا في الفنّ وفي الثقافة الغربية بشكل عام.
وخلال القرون الوسطى، كان ُينظر إلى هذه المرأة بكثير من القداسة والإجلال باعتبار أنها كانت الشخص الأكثر قربا من المسيح وأوّل من رآه من الناس بعد أن ُرفع.
وتذكر بعض المصادر المسيحية أن مريم المجدلية كانت تغسل قدمي المسيح بشعرها في إشارة إلى عمق العلاقة التي كانت تربطها به.
ولفترة طويلة، كانت المجدلية ُتمثّل في الفن باعتبارها تابعاً مخلصاً للمسيح، لكن في ما بعد توارت تلك الصفة شيئا فشيئا لتحلّ مكانها صورة المرأة الخاطئة التي أنقذتها تعاليم المسيح من وحل الرذيلة.
وقد ُكتب عن هذه المرأة الكثير من الأشعار والأغاني وُروي عنها العديد من القصص والأساطير واعُتبرت دموعها مقدّسة.
كما تأسّست كنائس وأديرة كثيرة بأسماء نساء سبق وأن وقعن في الخطيئة ثم تسمّين باسم المجدلية بعد أن أعلنّ توبتهن.
وهناك فكرة راجت كثيراً في بعض الأوقات عن زواج المسيح من مريم المجدلية بعد توبتها، لكن الفكرة لم ُيعبّر عنها تشكيلياً.
ويذهب بعض الكتّاب والمؤرخين إلى أن الشخص ذا الملامح الأنثوية الذي يظهر إلى جوار المسيح في لوحة دافنشي العشـاء الأخيـر هو مريم المجدلية وليس يوحنّا كما هو شائع.
ومن بين اشهر الفنانين الذين صوّروا المجدلية في لوحاتهم تيشيان و إل غريكـو وكارافاجيو.
لكن تظلّ لوحة جورج دو لا تور "المجدلية التائبة" أشهر بل وربّما أفضل عمل تشكيلي يصوّر هذه الشخصية.
واللوحة هي واحدة من سلسلة من اللوحات التي خصّصها الفنان لنفس الموضوع.
وقد رسم دو لا تور المجدلية على هيئة امرأة ذات شعر أسود طويل تجلس قرب طاولة في غرفة مظلمة إلا من خيوط ضوء واهنة تنبعث من شمعة ُغمرت في كأس.
وعلى الطاولة نرى صليباً ضخماً ونسخة من الكتاب المقدّس وسوطاً.
المرأة المرتدية قميصاً أبيض وتنّورة حمراء تضع يدها على وجهها المحجوب جزئياً عن الناظر، وتحتضن جمجمة بينما راحت تحدّق في ضوء الشمعة الذي يغمر صدرها وساقيها العاريتين والجمجمة.
على أن أهم عناصر هذا المشهد هي الشمعة ووجه المرأة والجمجمة البشرية التي تستقرّ في حضنها.
وقد رأى بعض النقاد في الشمعة صورة مجازية للصحوة الروحية وفي الجمجمة رمزاً لحالة الموت التي ينتهي إليها مصير الإنسان في النهاية.
في "المجدلية التائبة" تكثيف سايكولوجي وروحي هائل، والإحساس الذي يوحي به المشهد هو مزيج من التأمّل والسكينة والحزن. وكان فنّانو عصر الباروك، ومنهم دو لا تور، يهتمّون برسم مظاهر الحياة المتقشّفة، وتغلب على أعمالهم أجواء التأمّل والصمت.
تأثّر دو لا تور بـ كارافاجيو وانتهج أسلوبه الواقعي في الرسم. وفي كافة أعماله، نلمس تركيز الفنّان على استعراض مهارته في إبراز التباين الدراماتيكي بين الضوء والعتمة وبطريقة لا تخلو أحيانا من لمسة شاعرية واضحة.
كان دو لا تور رسّاماً ناجحاً كثيراً في زمانه، لكن بعد وفاته في العام 1652 تراجعت شعبيّته كثيراً نظرا لتحوّل الناس عن المدرسة الواقعية.
لكن مع بدايات القرن الماضي، عاد الاهتمام مجدّداً بأعماله وأعاد النقّاد والجمهور اكتشاف لوحاته التي تنطق بالكثير من التميّز وعمق الموهبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق