بحث هذه المدونة الإلكترونية
لوحة أخرى تعتبر من اكثر اللوحات شهرةً في تاريخ الفنّ التشكيلي العالمي. وقد كانت هذه اللوحة موضوعاً للكثير من الدراسات النقدية كما أنها أصبحت مألوفة لكثرة ما ظهرت على أغلفة العديد من الكتب والمجلات والمطبوعات المتنوّعة.ولدت مدام إكس – واسمها الأصلي فيرجيني افنيو - في لويزيانا بالولايات المتحدة في العام 1859 لأبوين من أصول إيطالية. وبعد وفاة الأب هاجرت الأمّ وبناتها إلى باريس.في باريس أصبحت فيرجيني محطّ اهتمام أوساط الطبقة الأرستقراطية الفرنسية وذلك بفضل جمالها الآسر وجاذبيتها الطاغية. ولم تلبث أن تزوّجت من مصرفي فرنسي يدعى بيير غوترو.ويقال إن الحضور المدروس والواثق لمدام غوترو – كما أصبحت تسمّى الآن - كان كافيا لان يوقف الحفلات ويشلّ الحركة في الشوارع والأماكن العامة. وقد قابلها جون سارجنت في باريس عام 1881 وأبدى رغبته في رسمها.سارجنت كانت تحدوه الرغبة في أن يشتهر ويذيع اسمه اكثر، وقد التقت تلك الرغبة مع طموح مدام غوترو في أن تؤكّد ذاتها في عمل فنّي يخلّد اسمها ويحفظ ذكراها في أذهان الناس.في البداية واجه سارجنت صعوبة في اختيار الوضعية المناسبة التي ستظهر عليها السيّدة في البورتريه. وبعد ثلاث سنوات أنجز الفنان البورتريه وعرضه في صالون باريس.وقد اختار الفنان أن يرسم السيّدة جانبياً في فستان من الساتان الأسود المزيّن بالمجوهرات، وكان في ذهنه أن البروفايل يدلّ على التفكير والتأمّل.ورغم أن الناظر لا يرى سوى نصف الوجه فإن الجزء الظاهر يعطي انطباعا بما يكفي عن شخصية صاحبته. والانطباع هو مزيج من التباهي والثقة بالنفس والحياة المرفّهة والباذخة التي كانت تحياها المرأة.وقد اختار سارجنت ألوانا دافئة كالزهري والأحمر الخفيف والبنّي البارد، ومما يلفت الانتباه بشكل خاص شكل الأنف الممتدّ قليلا إلى الأعلى دلالةًً – ربّما – على العنفوان والكبرياء.أثار بورتريه مدام غوترو إثر عرضه في صالون باريس عام 1884 سخط واحتجاج الطبقة الارستقراطية التي رأت فيه إساءة لا تغتفر، ما دفع الفنان إلى سحبه ومن ثمّ مغادرة فرنسا.والسبب هو أن تلك كانت المرّة الأولى التي ُيعرض فيها بورتريه لامرأة تنتمي إلى تلك الطبقة بكتفين عاريين مع ما يحمله ذلك من إيحاءات ايروتيكية.ومع ذلك كان سارجنت يعتبر البورتريه أحد افضل أعماله على الإطلاق. وعندما ابتاع متحف المتروبوليتان اللوحة عام 1916 اقترح سارجنت تغيير اسمها إلى "بورتريه مدام اكس" لنزع السمة الشخصية عنها ولتصبح في ما بعد رمزاً مطلقا لجمال المرأة وغموضها.أما المرأة نفسها فيقال إنها - بعد أن طلّقت من زوجها بعد الضجّة التي أثارتها اللوحة - كانت تتمشّى على شاطئ "كان" في أحد الأيام، وسمعت امرأة تقول لصاحبتها إن شمس مدام غوترو قد آذنت بالغروب بعد أن أفل جمالها وتلاشى سحرها. فما كان منها إلا أن اتّجهت إلى فندقها وأخذت أمتعتها وغادرت سريعا في القطار المتّجه إلى باريس.هناك أغلقت على نفسها باب بيتها وأمضت بقيّة حياتها وحيدةً منعزلة في غرفة شبه مظلمة ومنزوعة المرايا.بالنسبة لمتحف المتروبوليتان، ظلّت هذه اللوحة تتمتّع برعاية واهتمام خاص، فهي اكثر الأعمال الفنية طلبا للإعارة وقد طافت حتى الآن معظم المتاحف والغاليريهات الكبرى في العالم.
عندما ظهرت هذه اللوحة لأول مرّة اعتبرها النقّاد عملا قبيحا وشاذّا.لكنها اليوم تعتبر واحدة من أهمّ الأعمال الفنية التي أنجزت خلال القرن العشرين.وقد ولدت فكرة اللوحة في ذهن هنري ماتيس عندما كان في زيارة لشمال أفريقيا، واراد أن تكون المرأة فيها رمزا لقوّة وعنفوان الأرض التي زارها، كما أراد من خلال اللوحة تحدّي فكرة العارية المثالية التي كان رسمها رائجا في زمانه. وفي ما بعد رسم ماتيس نسخا أخرى من اللوحة بدرجات متفاوتة من التحوير والاختلاف.في بدايات حياته اشتغل ماتيس بالمحاماة وعندما بلغ العشرين من عمره اكتشف ميله للفن التشكيلي. ومنذ ذلك الوقت اصبح الرسم مهنته التي لازمته حتى نهايات حياته.درس الفنان في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، وفي البداية جرّب أساليب فنية شتّى، لكنه كان متأثرا بفان غوخ وسيزان على وجه الخصوص. كما استهوته كثيرا لوحات الفنان البريطاني جوزيف تيرنر.ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت شهرة ماتيس قد بلغت اوجها واصبح فنانا معترفا به عالميا.أهمية "العارية الزرقاء" تكمن في التكنيك الفني المبتكر الذي وظّفه ماتيس في رسمها. وقد كان مقدّرا لها في البداية أن تكون عملا نحتيا، لكن ماتيس قرر تحويلها إلى لوحة.وسمات الأعمال النحتية واضحة في اللوحة من خلال الأشكال والكتل والأبعاد التي تحكم بناءها العام.وهناك ملمح مهمّ في اللوحة يتمثّل في تعمّد ماتيس فصل الأعضاء عن بعضها البعض، وقد فعل ذلك حتى قبل أن تظهر التكعيبية التي كان رموزها يميلون لتصوير الجسم البشري باستخدام أشكال مجرّدة ومجزّأة.في العام 1941 أصيب ماتيس بمرض السرطان وكان لذلك اثر كبير على صحّته وعلى قدرته على الرسم.ومع ذلك، ظلّ يرسم ويجرّب ويبدع إلى أن توفّي في شهر نوفمبر من عام 1954م.
لم يرتبط اسم فنّان تشكيلي بصور الرقص والراقصات مثلما ارتبط اسم ادغار ديغا. وقد كرّس اكثر من نصف أعماله لرسم راقصات الباليه.
وبلغ من شغف ادغار ديغا بتصوير حركات الرقص انه كان يحضر إلى دار اوبرا باريس بانتظام ويراقب دروس وتمارين الرقص وحركات الراقصات على المسرح وخلف الكواليس.
كما كان يشكّل الصلصال والشّمع وينشئ نماذج من الطين في محاولة لفهم حركات الراقصات.
"تمرين في الرقص" هي إحدى افضل وأشهر لوحات ديغا وفيها يصوّر مجموعة من الراقصات وهنّ يؤدّين بروفة في الرقص.
بالإضافة إلى حيوية وتناغم الألوان في اللوحة، ثمّة تركيز خاص على إبراز أشكال الرّؤوس والأذرع من خلال استخدام الخطوط القاتمة.
وفي هذا العمل، كما في جميع أعماله الأخرى، لا يبدو ادغار ديغا مهتمّا بتصوير التعابير على وجوه راقصاته أو إبراز جمالهن، بل كان حريصا على تصوير سحر الباليه فحسب.
ولد ديغا في باريس عام 1834 واظهر ميلا مبكّرا لقراءة الكتب كما كان معجبا برسومات انغـر.
وفي إحدى المراحل ذهب إلى إيطاليا وأقام في روما ثلاث سنوات اطلع خلالها على لوحات عصر النهضة. وعاد إلى باريس عام 1861 ليرسم لوحات تاريخية وبورتريهات لأصدقائه.
في بداياته، كان ادغار ديغا ينفر من الانطباعيين ومع ذلك فضّل أن يتحالف معهم احتجاجا على تقاليد الفنّ الأكاديمي الصارم.
كان من عادة ديغا ألا يرسم في عين المكان، بل كان يدوّن ملاحظاته ومشاهداته على الورق ومن ثم يرسم اعتمادا على ذاكرة بصرية قويّة.
ابتداءً من العام 1870 كان ديغا قد بدأ يعاني من ضعف بصره. وبعد ذلك بعشر سنوات كان قد فقد البصر نهائيا تقريبا. وفي أخريات حياته كان يجوب شوارع باريس على غير هدى وعانى من الفقر والتشرّد إلى أن توفّي في شهر سبتمبر من عام 1917 م.
رغم بساطة هذه اللوحة وطبيعتها الكاريكاتورية الواضحة، فإنها أصبحت منذ ظهورها في نهايات القرن التاسع عشر أحد أشهر الأعمال الفنية العالمية وأكثرها انتشاراً ورواجاً.واللوحة هي عبارة عن بوستر ُكلّف تيوفيل شتاينلين برسمه ليروّج لجولة لأحد أصدقائه الفنّانين نظّمها مقهى مشهور في باريس.وكان المقهى، واسمه القطّ الأسود، ملتقى للفنّانين والشّعراء في ذلك الوقت وفيه كانت ُتقام حفلات موسيقية وعروض لمسرح الظلّ.في اللوحة يطلّ قطّ بشعر مجعّد وعينين صفراوين متوهّجتين وهو جالس أمام خلفية برتقالية اللون.وقد رسم الفنان البوستر في وقت شهد إعادة الاعتبار للقطط بعد أن كانت تُقرن في أوربا بطقوس السحر والشعوذة.ومثل مود لويس ، كان شتاينلين يحبّ القطط كثيرا وقد ظهرت في العديد من رسوماته.ولد الفنان في لوزان بسويسرا عام 1859 ثم انتقل إلى باريس عام 1882 وأصبح جزءاً من مجتمع الفنانين والأدباء في حيّ مونمارتر الشعبي. وكان معاصراً لبيكاسو وموديلياني وماتيس ورينوار.في باريس عمل شتاينلين لأكثر من عشرين عاما مستشاراً ورسّاماً لعشرات المجلات الثقافية في ذلك الوقت. وتتضمّن لوحاته مشاهد لنساء وطبيعة وحيوانات. لكنه كان يركّز بشكل خاصّ على الهموم الاجتماعية والقضايا السياسية مثل العدالة والفقر والحروب والمجاعة.وفي مرحلة من المراحل أنجز رسومات تنتقد بقسوة بعض العلل والآفات الاجتماعية وكان يذيّل تلك الرسومات باسم مستعار لكي يتجنّب غضب الساسة ورجال الدين.توفي شتاينلين عام 1923 وتوجد أعماله اليوم في عدد من المتاحف الفنية الكبرى في العالم مثل متحف الارميتاج في روسيا والناشيونال غاليري في لندن.المعروف أن القط الأسود هو فصيلة من القطط الهجينة التي تتصف بفروها الأسود. وتذهب بعض المعتقدات التي كانت شائعة في العصور الوثنية إلى أن القط الأسود هو بشير فأل وعلامة على الحظ الحسن.لكن في بعض ثقافات العالم يقترن القط الأسود بالشرّ نظرا لارتباطه بطقوس ممارسة السحر.ومنذ نهاية القرن الثامن عشر أصبح رمزا للأفكار والدعوات الفوضوية.في العصر الحديث أصبح القطّ في الثقافة والفنّ يرمز للشِعر وأحيانا للرّغبة.وقد اختار الشاعر والأديب الأمريكي إدغار آلان بو القطّ الأسود عنوانا لإحدى قصصه القصيرة.
تكمن شهرة وأهميـة هذا البورتريه في كونه يصوّر شخصيّة غير عادية وطالما أثارت جدلا واسعاً بين المؤرّخين.فقد لعب هذا الراهب دوراً محورياً في الأحداث التي عصفت بفلورنسا وبالكنيسة الكاثوليكية على وجه الخصوص حوالي منتصف القرن الخامس عشر.كان سافونارولا ثائرا على طغيان الكنيسة وفساد رجال الدين واستبداد الساسة آنذاك.وقد ُعرف عنه احتقاره للأمور الدنيوية وتقديسه للقيم الدينية من خلال خطبه الحماسية القوية التي كان يضمّنها نبوءاتٍ وتهديداتٍ مبطنة للكنيسة في روما وللحكاّم في فلورنسا.ورغم تحذيرات الكنيسة له، فقد استمرّ سافونارولا في حشد الأنصار من حوله وتهييج العامّة ضدّ رجال الدين، وشرع يبشّر باقتراب الثورة الموعودة التي ستجدّد الدين والأخلاق.وبعد انهيار حكم أسرة ميديتشي في فلورنسا في العام 1494، اصبح سافونارولا الحاكم الفعلي للمدينة، فنصّب حكومة ديمقراطية وبدأ في إصلاح الجهاز البيروقراطي وتعهّد بإزالة كافّة مظاهر الفساد من الحكومة والكنيسة.لكن ما كان لذلك أن يمرّ بسهولة، إذ أن إصلاحات الرجل أوغرت عليه صدور أعدائه الأقوياء وخصومه الكثر.وأمام ازدياد نفوذ الراهب وتعاظم تأثيره على الناس، اضطرّت الكنيسة لاستدعائه ومحاكمته ثم اتّهامه بالزندقة. وعلى خطّ موازٍ كانت هناك حملة منظّمة لتدمير سمعته وإبعاد الناس عنه.وفي عام 1498 نفذّت الكنيسة حكم الموت شنقا في سافونارولا وفي اثنين من كبار اتباعه وأمرت بإحراق جثثهم جميعا.الفنان فرا بارتولوميو كان أحد اتباع سافونارولا المقرّبين وقد رسم له هذا البورتريه خلال حياة الأوّل على الأرجح.في البورتريه يبدو سافونارولا في مظهر يغلب عليه الزهد والتقشّف وقد اعتمر عمامة سوداء.الخلفية أيضا اختار لها الفنان لونا اسود، ربّما لإضفاء شئ من الغموض والقداسة والوقار على هيئة الرجل الذي يبدو مستغرقا في التفكير والتأمّل.أما العبارة المنقوشة باللاتينية اسفل اللوحة فتقول: بورتريه النبيّ جيروم المرسل من الله". وجيروم هو الاسم الكنسيّ لسافونارولا، والعبارة تثبت أن اتباع الراهب كانوا يعتبرونه نبيّا فعلا، وهي الصّفة التي استغلتها الكنيسة لوصمه بالزندقة ومن ثم الحكم عليه بالموت.بارتولوميو كان متخصّصا في رسم المواضيع الدينية. وفي هذا تنفيذ لوصيّة سافونارولا الذي استنكر ما اسماه بفساد وانحلال الفن آنذاك مؤكّدا على أهمية أن يكون الفن مرآة لتعاليم الإنجيل فينشر الفضيلة ويعلّم الأمّيين.اليوم وبعد انقضاء خمسة قرون على إعدام غيرولامو سافونارولا، ما يزال المؤرّخون منقسمين حول أهمّية الرّجل وطبيعة وحجم الدور الذي قام به.البعض يقول إن أفكاره كانت الشّرارة التي أدّت في ما بعد إلى ظهور المصلح البروتستانتي مارتن لوثر.وهناك من ينظر إلى سافونارولا باعتباره أحد المدافعين الكبار عن الحقوق المدنية وحريّة الضمير، مؤكّدين على شجاعته وعظم تضحيته في التصدّي لطغيان الكنيسة وفساد الساسة في زمانه.في ما بعد، أعادت الكنيسة الاعتبار إلى سافونارولا فوصفته بالمسيحيّ الصالح الذي احبّ الكنيسة بإخلاص ووقف في وجه المظاهر الوثنيّة التي كانت رائجة في ذلك الحين.
تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم الأعمال التشكيلية في تاريخ الفنّ الغربيّ كلّه، كما أنها إحدى اكثر اللوحات إثارةً للغموض والنقاش والجدل.وبعض النقّاد لا يتردّد في وضعها في منزلة متقدّمة حتى على الموناليزا أو الجيوكندا.ومنذُ أن رسم دييغو فيلاسكيز اللوحة قبل ثلاثة قرون ونصف وهي تتبوّأ موقع الصّدارة في كافة القوائم المخصّصة لافضل الأعمال التشكيلية في العالم.فيلاسكيز نفسه يعتبر أهمّ رسّام إسباني على الاطلاق وأحد أعظم الرسّامين في التاريخ، بل إن مانيه وبيكاسو مثلا يعدّانه الأعظم. وقد كتب بيكاسو عدّة دراسات عن هذه اللوحة ورسم سلسلة من اللوحات التي تعطي "وصيفات الشرف" تفسيرات متباينة.ُعرف عن فيلاسكيز مهارته الفائقة في مزج الألوان وتعامله المبهر مع قيم الضوء والكتلة والفراغ.وقد رسم هذه اللوحة في قصر الكازار في مدريد عام 1656 حيث كان يعمل رسّاماً أوّل في بلاط الملك فيليب السادس ورئيساً لتشريفات القصر.واللوحة تصوّر "انفانتا مارغاريتا" كبرى بنات الملك وهي محاطة بوصيفاتها وكلبها. لكن فيلاسكيز عمد إلى رسم نفسه ايضا في اللوحة، وهو يظهر هنا منهمكاً في الرّسم ومرتدياً ملابس محاربي القرون الوسطى. بيد أن اللوحة التي يفترض أن الفنّان يرسمها مخفية تماماً عن الأنظار.ووسط الجدار الخلفي ثمّة مرآة تعكس صورة الملك والملكة. والى يمين اللوحة في الخلفية بدا الحاجب كما لو انه يهمّ باستقبال زوّار ما.الوصيفتان تظهران في وضع انحناء دليلاً على احترامهما وتقديرهما للأميرة الصغيرة التي ترتدي تنّورة واسعة ومزركشة. ومع ذلك فإن الأميرة ووصيفاتها يبدين كالدّمى أو كالتماثيل الشمعية مقارنةً بالحضور الطاغي والقويّ الذي يفرضه الفنان نفسه على المشهد بأكمله.ولد دييغو فيلاسكيز "أو فيلاثكيث كما ينطق اسمه بالاسبانية" في اشبيليه عام 1599 وعاش سنوات حياته المبكّرة في أوج عصر النهضة في أوربا. في تلك الفترة بالذات كان سيرفانتيس وشكسبير يعكفان على كتابة أعمالهما الإنسانية العظيمة.على المستوى الشخصي، ُعرف عن فيلاسكيز تواضعه الجمّ وتعاطفه الكبير مع فئة الفقراء والمهمّشين.وقد اعتنق منذ بواكير شبابه الأفكار الديمقراطية والإنسانية وتعزّزت تلك الأفكار لديه اكثر عندما دخل دائرة المجتمع الأرستقراطي الذي عرف بتهتّكه وانغماسه في الملذات.وكان فيلاسكيز يقارن حياة الترف والتخلّع تلك بالمعاناة الشديدة التي كان يكابدها العامّة من أفراد الشعب.ويبدو أنّ أحد الاسباب المهمّة في شهرة هذه اللوحة يعود إلى غموضها الذي ما يزال يتحدّى إلى اليوم أكثر النقّاد قدرةً على قراءة الأعمال الفنية وتفسيرها.ترى هل كان فيلاسكيز يبغي من وراء رسم هذه اللوحة جعل الناظر أهمّ من اللوحة وشخوصها، أم أراد أن يقول إن الشخوص ليسوا اكثر من أفراد افتراضيين ولا يوجدون سوى في عقولنا؟ثمّ ما الذي كان يرسمه الفنّان على وجه التحديد؟ هل كان يرسم نفسه أم الملك والملكة المنعكسة صورتهما في المرآة المعلّقة على الحائط؟ولماذا رسم الأميرة والوصيفات في محترفه وبين لوحاته الأخرى ولم يرسمهنّ في إحدى قاعات أو أروقة القصر الفخمة على غرار ما كان يفعل الفنّانون في ذلك الزمان؟وهل أراد فيلاسكيز أن يشير ضمناً إلى حضور ذهني وسيكولوجي للأفراد مقابل حضورهم الفيزيائي أو الجسدي؟كلّ تلك الأسئلة وغيرها ما تزال ُتثار إلى اليوم حول طبيعة ومضمون هذا الأثر الفنّي العظيم الموجود حالياً في متحف ديل برادو بمدريد.
ادوارد هيكس رسّام وواعظ أمريكي، وشهرته كفنان تعتمد في الأساس على هذه اللوحة. وقد رسم منها حوالي المائة طبعة.
هيكس كان شخصا متديّنا بطبيعته، وكان يحبّ الحيوانات والأطفال.
لكن باستثناء هذا لا أحد يعرف الكثير عن حياته أو معتقداته.
البعض يراه مجرّد فنان كولونيالي والبعض الآخر ينظر إليه باعتباره رساما فولكلوريا ساذجا.
كان هيكس يؤمن بالمفاهيم القديمة حول رمزية الحيوان وعلاقته بالشخصية الإنسانية. ومملكة السلام هي آخر لوحة رسمها قبل وفاته. ويعدّها كثير من النقّاد إحدى روائع الفن العالمي.
فكرة اللوحة مستوحاة من إحدى آيات الإنجيل التي تتنبّأ بعودة المسيح وبأن يسود السلام الأرض ويعيش البشر والحيوان جنبا إلى جنب في سلام ووئام.
واللوحة تترجم بدقّة ما ورد في تلك النبوءة، فالذئب يتعايش مع الحمل والنمر يرقد إلى جوار الطفل والغزال مع الأسد والبقرة مع الدبّ الخ.
لكن هيكس اختار أن يضمّن اللوحة حدثا معاصرا، ففي الخلفية إلى اليسار يظهر ويليام بن - مؤسّس ولاية بنسلفينيا وزعيم جماعة الكويكرز المتديّنة التي كان هيكس ينتمي إليها – وهو يوقّع اتفاقية سلام مع الهنود الحمر سكّان أمريكا الأصليين.
وقد كان هيكس يعتقد أن تلك الحادثة هي جزء من تأسيس مملكة السلام على الأرض.
كان هيكس يؤمن بقوّة النور الذي يشعّ داخل الإنسان وكان يحسّ به ويراه في نفسه وفي الآخرين.
كان العالم بالنسبة إليه كتلة من النور، والمخلوقات من بشر وحيوان ممتلئة بهذا النور.
وإحدى لوحاته التي أنجزها في أخريات حياته تصوّر حقلا اخضر تعلوه سماء مغمورة بالضياء.
كانت رسومات هيكس تعالج موضوعات دينية وتاريخية وحيوانات فيما خصّص البعض الاخر لتصوير حياة المزارعين في ولايته بنسلفينيا.
يعتبر بعض النقّاد هذه اللوحة أشهر لوحة فنية في آسيا، كما أنها أصبحت منذ إنجازها قبل أكثر من 180 عاما أيقونة ترمز للفن الياباني في العالم.
أما هوكوساي فهو أحد الأسماء الكبيرة في الفنّ التشكيلي في اليابان. وقد تلقّى تعليمه على يد مواطنه شونشو الذي اكتسب منه مهارات الحفر والرسم على الخشب.
وقد ظلّ هوكوساي يحظى بشهرة في الغرب أكثر من تلك التي حصل عليها في بلده اليابان.
وحوالي منتصف القرن التاسع عشر وصلت أعماله إلى باريس ولقيت احتفاءً كبيرا من الرسّامين الانطباعيين آنذاك أمثال مونيه وديغا وتولوز لوتريك.
في "الموجة الكبيرة" نرى ثلاثة قوارب تتأرجح وسط الأمواج المضطربة. وهناك بشر صغار قد يكونون بحارة أو صيّادين يحاولون مستميتين الإفلات من قبضة الموجة الكبيرة التي تتكسّر لتشكّل ما يشبه المخالب الضخمة التي تطبق على الصّيادين.
ومن بعيد تلوح للناظر قمّة جبل فوجي المقدّس وقد كلّلتها الثلوج.
لكن رغم العاصفة البحرية وثورة الموج، تبدو الشمس مشرقة والجوّ صحوا.
كان هوكوساي فنّانا قويّ الملاحظة. وقد صوّر في لوحاته التي تجاوز عددها الثلاثين ألفاً الطبيعة والبشر واستمدّ مواضيع أعماله من حضارة اليابان الخصبة وتقاليدها العريقة وأساطيرها المدهشة.
لكنه لم يهتم بتصوير الساموراي والنبلاء والجنرالات أو الشوغنز Shoguns ، بل أبدى تركيزا خاصّا على رسم الناس العاديين ومظاهر حياتهم اليومية."الموجة الكبيرة" هي واحدة من سلسلة من ستّ وثلاثين لوحة رسمها الفنان تحت عنوان: ستّة وثلاثون منظرا لجبل فوجي".
واللوحة كما هو واضح تصوّر جبروت الطبيعة وصراعها الأزلي مع الإنسان الذي ينتصر على هشاشته وضعفه بامتلاكه العزيمة والإرادة القويّة.
لكن اللوحة أصبحت اليوم ترمز أيضا إلى طوفان المعرفة وصراع العالم المعاصر مع السّيل الجارف والمنهمر من الأخبار والمعارف والمعلومات التي تستجدّ كلّ ساعة وكلّ دقيقة.
كان هوكوساي يميل إلى حبّ الطبيعة. والكثير من رسوماته تتضمّن صورا لطيور وحيوانات وأعشاب وأشجار وأزهار.
لكنه كان مفتونا أكثر بحبّ البحر. وكان يصوّر الماء في حالة حركة. وبخلاف معاصريه من الرسّامين، لم يكن مغرما بتصوير حياة الأعيان والأغنياء، بل كان يفضّل رسم صيّادي السمك في حياتهم اليومية البسيطة، رغم حقيقة انه ما كان يجرؤ فنان في ذلك الوقت على رسم هذه الطبقة التي كان ينظر إليها المجتمع الياباني آنذاك نظرة دونية واحتقار.
ثمّة من يقول إن "الموجة الكبيرة" لوحة غربية رُسمت بعيني فنّان ياباني. إذ لم يُعرف عن الفنانين اليابانيين في ذلك الوقت اهتمامهم بتصوير الطبيعة كما لم يكونوا يهتمون بالمنظور أو رسم الأشخاص.
وهناك من النقاد من يرى أن الرسّامين اليابانيين استفادوا من لوحات الريف الهولندية فكيّفوها وأعطوها نكهة وطابعا يابانيا.
ومع ذلك، فمنذ منتصف القرن قبل الماضي كانت الأعمال التشكيلية اليابانية قد غزت عواصم الفنّ والثقافة الغربية ووجد فيها فنانون مثل جون ويسلر وفان غوخ ما أثار اهتمامهم فاقتبسوا في أعمالهم بعضا من أساليبها وتقنياتها المميّزة.
خلال حياته، كان هوكوساي شخصا غريب الأطوار وذا نزوات كثيرة. فقد كان يرسم لوحات كثيرة غير انه كان يتلف ما رسمه، ربّما سعيا وراء المزيد من الإجادة والكمال. كما قام بتغيير بيته أكثر من تسعين مرّة واتخذ له أكثر من عشرين اسما مختلفا طوال حياته.
ويُحكى انه عندما حضرته الوفاة، وكان في سنّ التسعين، تمنّى لو منحته السماء خمس سنوات إضافية كي يرسم أفضل وأجمل.
رسم ادفارد مونك هذه اللوحة في برلين في العام 1894 وأصبحت منذ ذلك الحين إحدى أكثر اللوحات الفنية إثارةً وغموضاً في تاريخ الفنّ الغربي.وقد استحضر الفنّان في اللوحة رؤيته الغامضة عن الخوف والرغبة من خلال صورة المرأة التي كان يرى فيها رمزا للانوثة والموت معا. واللوحة هي بمعنى ما تجسيد للطبيعة الغامضة للحياة ومعجزة الوجود المليئة بالمشاعر والانفعالات المتناقضة.والعذراء تمثّل محطّة بين الرمزية التي كانت رائجة في أواخر القرن التاسع عشر وبين فنّ الحداثة الذي ظهر مع بدايات القرن العشرين.في اللوحة نرى امرأة شابة وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة باهتة، وهي هنا تكشف عن بعض جسدها، فيما اعتمرت قبعة حمراء ولفّت ذراعيها خلف ظهرها.عينا المرأة تبدوان مغمضتين بينما يميل جسدها ناحية الضوء الذي يكشف عن المزيد من الملامح والقسمات.المشهد يعطي الناظر إحساسا بالتجريد والعزلة، وهو يصوّر المراحل الثلاث للمرأة كما رسمها مونك في العديد من لوحاته، وهي الشباب والبراءة كما يعبّر عنهما الوجه، والحياة والعاطفة كما يعبّر عنهما الجسد، ثم الشيخوخة والموت كما ترمز لهما العينان الذابلتان والهالة الحمراء حول الرأس.ربّما أثّرت في ذهنية مونك وفي طبيعة اختياره لمواضيع لوحاته حقيقة أنه عاش في بلد يغلب على مناخها الصقيع والظلام الذي يخيّم على النرويج واسكندينافيا عامّةً معظم فترات السنة. وربّما لهذا السبب كانت لوحاته تعالج مواضيع مثل العزلة والكآبة والموت. ومونك واحد من فنّانين وكتّاب أوربيين كثر تمتلئ أعمالهم بالمضامين الرمزية والتساؤلات الحائرة عن مصير الانسان ومعنى الحياة وكنه الوجود.عاش مونك المتوفّى عام 1944 حياة مليئة بالحزن والقلق وعانى من نوبات المرض العقلي. وقد توفّيت والدته وهو بعدُ في سنّ مبكرة، ثم ما لبثت أن لحقت بها شقيقته الكبرى. وقد كان لهاتين الحادثتين، بالاضافة إلى علاقاته الفاشلة مع النساء، أثر مهمّ في تكوين شخصيته ونظرته إلى الحياة.وأخيرا، ارتبطت لوحة العذراء بواحدة من أشهر عمليات السطو الفنّي، ففي أغسطس من عام 2004 دخل ثلاثة رجال مسلّحين إلى متحف مونك في اوسلو وقاموا في وضح النهار بسرقة اللوحة بالاضافة إلى لوحة مونك الاشهر الصـرخـة .ومنذ شهرين تمكّن رجال الشرطة من القبض على اللصوص واستنقاذ اللوحتين اللتين عادتا أخيرا إلى مكانهما الاصلي بعد أن تمّ ترميمهما وإصلاح الاضرار التي لحقت بهما جرّاء عملية السطو تلك.
لوحة أخرى يعتبرها الكثير من النقّاد واحدةً من التحف الفنّية العالمية.وقد ولدت فكرة هذا العمل عندما أوعز البابا يوليوس الثاني إلى الفنّان رافائيل برسم لوحة تكون محفّزا للنقاش الفكري ورمزا لأهميّة الثقافة، لكي يعلّقها البابا في مكتبته الخاصة.واللوحة تصوّر ما ُيفترض أنه ندوة فكرية جرت أحداثها في مدرسة أثينا باليونان القديمة حوالي سنة 380 قبل الميلاد.رافائيل حاول أن يجعل اللوحة تجسيدا للحقيقة المكتسبة من خلال العقل، وهو لم يختر للوحة شخصيات مجازية أو أسطورية كما درج على ذلك الفنّانون في زمانه، بل فضّل أن تضمّ اللوحة شخصيات حقيقية لمفكّرين وفلاسفة مشهورين وضعهم داخل إطار معماري كلاسيكي تتّسم تفاصيله بالفخامة والمهابة والجلال.وكل الشخصيات التي صوّرها رافائيل في "مدرسة أثينا" تشكّل اليوم ركائز ودعامات مهمّة في الفكر الغربي المعاصر.وبفضل قدرته الوصفية الفائقة، عمد الفنان إلى توزيع الشخصيات على مساحة اللوحة بشكل متساو.فليس هناك رمز معيّن يلتفّ حوله الباقون ويحيطونه بعلامات الاحترام والتبجيل.بل الجميع هنا متساوون وهم منشغلون، بلا استثناء، بالحركة الدائبة والتفاعل وتبادل النقاش في ما بينهم.في هذا العمل جمع رافائيل ممثّلين لكافّة فروع المعرفة من هندسة ورياضيات وفلك وأدب وموسيقى وفلسفة وخلافه.واختار كلا من أفلاطون وأرسطو، اللذين يظهران في وسط المشهد وهما منهمكان في الحوار، ليكونا محكّمين للنقاشات في الندوة.في مقدّمة اللوحة الى اليمين نرى اقليدس وهو يشرح نظريّته لتلاميذه، وفوقه مباشرة يظهر زرادشت ممسكا بكرة أرضيّة مجسّمة، بينما يبدو ديوجين في الوسط متمدّدا على الدرج.وإلى اليسار وغير بعيد عن ديوجين يظهر هيراكليتوس الفيلسوف المتشائم مستندا إلى قالب من الرخام ومسجّلا ملاحظاته على الورق.وهيراكليتوس هنا يأخذ ملامح مايكل انجيلو، وهي إشارة أراد رافائيل من ورائها تكريم انجيلو والإشادة بعمله الذي كان قد أنجزه للتوّ في سقف كنيسة سيستين.ولم ينس رافائيل أن يرسم نفسه أيضا إذ يبدو واقفا في أقصى يمين اللوحة وقد اعتمر قبّعة سوداء.وإلى اليسار يظهر فيثاغوراس وهو يدوّن ملاحظاته في كرّاس، وغير بعيد منه نرى بن رشد وهو ينصت باهتمام إلى ما يجري.وفوق قليلا تظهر امرأة يقال إنها هيباشيا وهي أشهر شاعرة وخطيبة وفلكية وعالمة رياضيات من النساء، وقد برز اسمها وذاعت شهرتها زمن مكتبة الاسكندرية.في اللوحة أيضا يظهر سقراط وزينوفون وابيكوروس "أو ابيقور بالعربية" وبطليموس وسواهم.فور إتمام رافائيل "مدرسة أثينا" حقّقت اللوحة نجاحا مدوّيا وقوبلت بحماس بالغ. وأصبحت منذ ذلك الحين صورة مجازية ترمز لحرّية الفكر وتقديس العقل وأهمية الحوار.
في لوحاته يحاول رينيه ماغريت أن يفتح للناظر نافذةً يطلّ من خلالها على الجانب المظلم من العقل.كان الفنّان ينظر إلى العالم باعتباره معينا لا ينضب من الأسرار والرؤى الشفّافة. ولهذا السبب لم يكن يشعر بحاجة إلى أن يستمدّ من الكوابيس والسحر والهلوسات مواضيع لأعماله.وكان يرى أيضا أن مجرّد النظر إلى اللوحة يكفي للاستمتاع بها، دونما حاجة للوقوع في فخّ التنظيرات الجامحة والتفسيرات المبتسرة.وبرأي ماغريت أن الحياة ليست سوى لغز كبير وأن من المتعذّر كسره أو فكّ طلاسمه. وكان يعتقد أن طبيعة الإنسان تدفعه لئلا يرى إلا ما يريد أن يراه أو ما يبحث عنه. ومن ثم فإن إدراكنا مرتبط إلى درجة كبيرة بطبيعة توقعاتنا.كانت والدة ماغريت امرأة غير سعيدة في حياتها، وقد حاولت الانتحار مرارا.وفي عام 1912، وكان عمر رينيه لا يتجاوز الثالثة عشرة، غادرت أمّه منزلهم ليلا وعندما بلغت أحد الجسور ألقت بنفسها في مياه النهر.عندما انتشلت جثّتها بعد أيام، كان جسدها عاريا ووجهها مغطّى بطرف فستانها الذي كانت ترتديه ليلة خروجها من المنزل للمرّة الأخيرة.وقد رأى ماغريت جثّة والدته عند استعادتها من الماء، ولم تبرح تلك الصورة المزعجة ذاكرته حتّى وفاته.وبعد مرور سنوات على الحادثة، أي في العام 1928، رسم الفنّان مجموعة من اللوحات التي يظهر فيها أشخاص ُغطّيت وجوههم ورؤوسهم بقطع من القماش.في هذه اللوحة نرى شخصين يقفان متلاصقين وجها لوجه، وفي نسخة أخرى من اللوحة يظهر الشخصان وهما يقبّلان بعضهما بعضا. والقاسم المشترك بين اللوحتين هو أن الشخوص فيهما بلا ملامح، فقد ُغطّيت رؤوسهم بقطع من القماش الذي يحجب ملامح وجوههم عن الناظر.ورغم حميمية المشهد وتلقائيته، فقد أصبح رمزا للعزلة والانسحاق والموت.غير أن غموض اللوحة دفع الكثيرين، ولغايات مختلفة وأحيانا متناقضة، إلى تحميلها بمضامين أخلاقية معاصرة.فدعاة المثلية الجنسية، على سبيل المثال، يوظفون اللوحة للتعبير عمّا يصفونه بعداء المجتمع تجاههم وتجاهله "لحقوقهم".والمنظّمات المعنية بمكافحة الايدز تستخدم نفس اللوحة للتحذير من أضرار الممارسات المثلية وأخطارها الكثيرة.في حين لا يرى بعض نقّاد الفن في اللوحة أكثر من كونها تجسيدا بسيطا ومباشرا للمقولة الشائعة "الحبّ أعمى".كان معروفا عن ماغريت براعته في تقنية مزج الصور، وكان يردّد دائما أن الكلمات بلا معنى، وأننا نحن من نخلع عليها المعاني التي نريد وبطريقة متعسّفة أحيانا.وبعض النقاد ممّن درسوا لوحاته قالوا بأنها انعكاس لرغبة الفنان في التعبير عن اعتراضه على رتابة وعبثية الحياة. والبعض الآخر رأوا فيها ما يمكن اعتباره حيلة هروبية ونكوصا عن مواجهة الواقع. والبعض الثالث تحدّث عن دأب ماغريت ومثابرته في توظيف فنّه من اجل كشف بعض المناطق المظلمة والمعقّدة في الطبيعة الإنسانية.وهناك فريق آخر من النقاد ممّن لا يخفون افتتانهم بجمال مناظره وجاذبيتها رغم كون بعضها مربكا ومستفزّا.
في هذه اللوحة الجميلة يحاول غوستاف كاييبوت تصوير مزاج الناس في أحد أيّام باريس الممطرة، تماما كما كان يفعل معاصروه من كبار الفنّانين الانطباعيين مثل مونيه ورينوار وديغا وغيرهم.اللوحة تظهر ساحة واسعة للمشاة، وفي مقدّمة المشهد إلى اليمين يظهر رجل وامرأة يرتديان ملابس عصرية وهما يمشيان على الرصيف وقد أمسك كلّ منهما بمظلة تقيه المطر المنهمر.في العام 1851 قرّرت حكومة نابليون الثالث تحويل شوارع باريس القديمة والرثّة إلى منظومة متكاملة من الشوارع والطرقات الواسعة والحديثة.ونتيجةً لاعمال التجديد والترميم تلك، تحوّلت باريس إلى عاصمة عالمية ومركز تجاري حيويّ. واللوحة تصوّر جانبا من جادّة سينت لازار التي نالت القسط الأوفر من عمليات التطوير وإعادة البناء.وقد أنجز مانيه ولوتريك ومونيه بعض اشهر لوحاتهم الفنية في هذا المكان.كاييبوت كان ينتمي إلى عائلة ثريّة كانت تمتلك هي الأخرى عقارات في هذه المنطقة وتعمل في تجارة الأقمشة والأراضي.كان الفنان في الأساس مهندسا معماريا، غير أنه كان يعشق الرسم، وقد وظّف الدروس التي تلقّاها في الهندسة وطوّعها ليطبّقها على لوحاته.البناء العام للوحة يعتمد على منظور رياضي، كما أن طابعها لا يخلو من بعض سمات الفنّ الأكاديمي.ويبدو واضحا أن الفنان تعمّد تشويه حجم المباني وكذلك الأبعاد والمسافات التي تفصل في ما بينها بغية خلق فضاء أكثر رحابة كي يعكس التحديث الذي طرأ على المكان.ُعرضت هذه اللوحة لاوّل مرّة في معرض الرسّامين الانطباعيين عام 1877، ونالت اهتماما وتقديرا كبيرين رغم ما قاله بعض النقاد آنذاك عن غرابة نظامها الهندسي وبعض تفاصيل بنائها العام.كان الرسّامون الانطباعيون، ومنهم كاييبوت، يركّزون في أعمالهم على محاولة الإمساك باللحظة الراهنة في حركة الناس والغيم والمطر وغيرها من عناصر الطبيعة التي كانوا يهتمّون برسمها مثل الأنهار والأشجار والحدائق.ورث كاييبوت عن والده ثروة ضخمة، وقد أنفق جزءا كبيرا منها على دعم أصدقائه من الفنّانين الانطباعيين حيث كان يشتري لوحاتهم بأسعار سخيّة ويتكفّل بالإنفاق على المعارض التي تبرز نتاجاتهم وأعمالهم الفنية.قبيل وفاته عام 1894، أوصى كاييبوت بأن تنتقل مجموعته من الرسوم الانطباعية إلى ملكية الدولة على أن ُتعرض أولا في متحفي اللوكسمبور المخصّص لاعمال الفنّانين الأحياء وفي اللوفر.
تعتبر هذه اللوحة من أكثر الأعمال الفنية رواجاً وانتشاراً داخل الولايات المتّحدة وخارجها.وقد أصبحت منذ إنجازها في بدايات القرن الماضي إحدى اللوحات الرسمية التي تزيّن مباني الحكومة ومقرّات المسئولين في أمريكا.واللوحة مستمدّة أساسا من صورة فوتوغرافية التقطها المصوّر الأمريكي إريك إنستروم في الاستديو الخاص به في ولاية مينيسوتا قبل حوالي تسعين عاما.وفي مرحلة لاحقة عهد إنستروم إلى ابنته رودا، وهي فنانة تشكيلية، بمهمّة تحويل الصورة الفوتوغرافية إلى عمل تشكيلي.وتكاد تكون اللوحة نسخة طبق الأصل من الصورة. والفارق الوحيد هو أن الألوان أضيفت إلى اللوحة فيما كانت الصورة الأصلية باللونين الأبيض والأسود فقط.الرّجل العجوز الذي يظهر في اللوحة إسمه تشارلز ويلدن وكان قد زار استديو إنستروم بالصدفة. كان ويلدن شخصا فقيرا ولم يكن له من مصدر للرزق سوى ما كان يجمعه من مال بسيط لقاء بيعه لوازم تنظيف الأحذية.وقد طلب إنستروم من العجوز أن يلتقط له صورة فوتوغرافية بعد أن استوقفته ملامح الأخير التي تنطق بالتقوى والبساطة والورع.واختار المصوّر أن يضع إلى جانب العجوز كتاباً وآنية حساء وسكّيناً وقطعة خبز ونظّارةً طبية.في اللوحة يظهر العجوز وقد أمال جسمه إلى الأمام قليلا وأسند يديه إلى رأسه علامة الخشوع، بينما راح يتلو صلاة شكر خاصّة.هذه الصورة أصبحت منذ التقاطها في العام 1918 أيقونة فنيّة ترمز إلى الفضيلة والورع والتواضع وقد ُطبعت منها ملايين النسخ لتعلّق في البيوت والمتاجر والمصانع وفصول الدراسة. كما اختيرت لتكون اللوحة الرسمية لولاية مينيسوتا.وحتى بعد أن تحوّلت الصورة إلى لوحة فنية فقد استمرّ الطلب عليها ينمو ويزداد باطّراد.التفاصيل في اللوحة بسيطة واعتيادية، لكنها تنطوي على فكرة عميقة المغزى والدلالة.وربّما كانت الرسالة الكامنة في اللوحة/الصورة هي أنه برغم شعور الإنسان أحيانا بالوحدة والفقر وضنك العيش، فإنه ما يزال هناك الكثير من نعم الله التي يستحق عليها الشّكر والثناء.
كان أوجين ديلاكروا أكثر رسّام ارتبط اسمه بالحركة الرومانسية في الفنّ والأدب.وقد اقتفى الفنّان خطى الشاعر بايرون إلى اليونان، فصوّر بخياله مشاهد عنيفة ومؤثّرة من حرب الإستقلال اليونانية التي شارك فيها الشاعر الرومانسي الإنجليزي الأشهر.هذه اللوحة ربّما تكون أشهر أعمال ديلاكروا وأكثرها احتفاءً، وقد أصبحت رمزا للثورة والحرّية. وفيها يصوّر الفنان انتفاضة الشعب الفرنسي عام 1830 ضدّ حكم عائلة دي بوربون على أمل استعادة النظام الجمهوري الذي نشأ مباشرةً بعد اندلاع الثورة الفرنسية الأولى في العام 1789 م.الشخصية المحورية في اللوحة هي رمز الحرّية نفسه. وقد رسمه ديلاكروا على هيئة امرأة فارعة الطول وحافية القدمين وقد انزلق رداؤها عن صدرها في خضمّ المعمعة وانشغالها بحشد الناس من حولها استعدادا للمعركة النهائية التي ستقود إلى الحرّية والخلاص.تبدو المرأة هنا وهي ترفع العلم بيد وتمسك بالاخرى بندقية وقد أشاحت بنظرها جهة اليمين كما لو أنها غير آبهة بأكداس الجثث أمامها ولا بما يجري حولها من جموح وغضب.ومن بين سحب الدخان في الخلفية تظهر أبراج كنيسة نوتردام التي رسخ اسمها في الأذهان بعد رواية فيكتور هوغو لتصبح في ما بعد رمزا للرومانسية الفرنسية.ولم ينس ديلاكروا أن يرسم نفسه في اللوحة إذ يبدو في يسار اللوحة مرتديا قبّعة طويلة وممسكا ببندقية.كانت عادة الفنّانين والشعراء منذ القدم أن يرمزوا للحرّية والعدالة بنساء جميلات. وقد كرّس الفرنسيون هذا التقليد باختيارهم "ماريان" رمزا للحرّية الفرنسية.واختيار ديلاكروا لامرأة عارية الصدر كرمز للحرّية قد يكون أراد من خلاله الإشارة إلى أن الثورة تنطوي على "إغراء وفتنة"، وإلى أن العنف الذي يصاحبها هو جزء لا يتجزّأ من الإيمان بالتغيير الجذري وحكم الجماهير.الثوّار المنتفضون فشلوا في إعادة الجمهورية آنذاك، لكنهم استطاعوا إنهاء الحكم الملكي المطلق واستبداله بملكية نيابية.ومضمون هذه اللوحة، العنيف إلى حدّ ما، قد لا يعبّر عن النتيجة التي آلت إليها الثورة في النهاية، إذ انتهت بظهور نخبة بورجوازية عاقلة استلمت الحكم وأعادته تدريجيا إلى الشعب."الحرّية تقود الشعب" قد تكون تجسيدا للحّرية التي تخالطها الفوضى، ومن المرجّح أن يكون ديلاكروا قصد أن يكون المشهد بعموم تفاصيله وشخصياته تعبيرا عن معنى الثورة في بعدها الرمزي والفلسفي، أي ذلك المزيج من الجموح والشهوة والجريمة والعنف.
كان أرشيمبولدو فنّانا مشهوراً جدّاً في زمانه.لكن بعد موته في العام 1593 سرعان ما فقد الناس اهتمامهم بفنّه واختفت معظم لوحاته.ومع بدايات القرن التاسع عشر ُبعث اسمه من جديد ووجد النقّاد في أعماله الكثير مما يوجب الإهتمام والإشادة.على أن إحدى أشهر لوحاته وأكثرها انتشاراً إلى اليوم هي لوحته المسمّاة "الشتاء"، وهي واحدة من أربع لوحات تتناول رؤية الفنّان للفصول الأربعة.في "الشتاء" نرى رأس رجل على هيئة شجرة ضخمة مليئة بالنتوءات. ملامح الرجل تبدو متجهّمة والأوراق شاحبة والأغصان جرداء. وهناك ليمونتان متدلّيتان من جهة العنق وكأنهما تؤدّيان وظيفة مشبكي المعطف.كان أرشيمبولدو شخصا بارعا وواسع الخيال. ومن الواضح أنه لم يكن منجذباً كثيراً لطريقة فنّاني عصر النهضة في تمثيل الطبيعة في لوحاتهم، وفضّل أن يتجاوز السائد والمألوف من خلال الإتيان بلوحات تتّسم بالتجريد والفانتازيا.في بدايات حياته عمل أرشيمبولدو مع والده، الفنّان هو الآخر، في زخرفة كاثيدرائية ميلانو. ثمّ هاجر بعد ذلك إلى فيينّا حيث عمل رسّاما في البلاط الإمبراطوري لبعض الوقت.ولم يلبث أن ذهب إلى براغ حيث حظي برعاية الإمبراطورين ماكسيميليان الثاني ورودلف وكرّس مكانته كرسّام متميّز وناجح.وقد قضى في خدمة رودلف إحدى عشرة سنة لقي خلالها الكثير من التكريم والإهتمام.في تلك الفترة رسم أرشيمبولدو العديد من البورتريهات لافراد العائلة الإمبراطورية كما كلّفه رودلف بالإشراف على المسرح وغير ذلك من المهام.أعمال أرشيمبولدو التجديدية والمبتكرة كانت محلّ إعجاب الكثير من الملوك والشخصيات البارزة في زمانه ونال عليها أرفع الأوسمة والجوائز.اليوم ينظر الكثير من النقّاد إلى أرشيمبولدو باعتباره فنّانا سبق عصره بقرنين على الأقلّ، ويعدّه البعض أحد فنّاني السوريالية الأوائل حتى قبل أن تتبلور ملامح هذه الحركة وتأخذ شكلها النهائي في بدايات القرن العشرين.
لا ُيعرف عن حياة جـون وليام غـودوورد سوى النزر اليسير. لكنّ طبيعة لوحاته تشير إلى أنه كان أحد رسّامي الكلاسيكية الجديدة في انجلترا.يغلب على أعمال الفنّان الطابع الزخرفي والاهتمام بالتفاصيل الجمالية. وقد كان متخصّصا في تصوير مظاهر من الحياة الرومانية واليونانية القديمة بأسلوب لا يخلو من مسحة شاعرية واضحة.في هذه اللوحة نرى امرأة جالسة على أريكة من رخام ومرتديةً ملابس إغريقية وهي في حال تأمّل صامت.والطرف الأيسر من المقعد الرخامي ينتهي بتمثال لرجل تشبه ملامحه ملامح الشاعر هوميروس بلحيته الكثّة وشعره المجعّد.طريقة تمثيل الرخام وكذلك الألوان الحيّة والمتناغمة في اللوحة، ملمحان ينبئان عن مهارة فنية فائقة.والمشهد في عمومه نموذج للواقعية المفرطة التي يتّسم بها الفنّ النيوكلاسيكي، حيث لا اختلاف كبيراً بين اللوحة والصورة الفوتوغرافية.في جميع لوحات غودوورد تقريبا نرى صوراً لنساء ذوات شعر فاحم ويرتدين ملابس شفافة ويجلسن في بيئة قريبة من بيئة البحر المتوسّط.ولأن لوحاته لا تخلو من ثيمات ثابتة كالتّماثيل الرخامية والآثار القديمة، فقد كان غودوورد ُيصنّف ضمن فنّاني ما ُعرف بالمدرسة الرّخامية.عاش الرسّام حياة بائسة وغير مستقرّة، إذ لم يتزوّج أبداً وتعرّض لسوء معاملة والده المستبدّ وأمّه الحانقة اللذين لم يكونا راضيين عن مزاولته للرّسم.وفي بدايات القرن الماضي هاجر غودوورد إلى إيطاليا حيث مكث هناك بضع سنوات.عندما عاد إلى لندن في العام 1921 كانت الأذواق الفنية قد تغيّرت ولم يعد النقّاد يهتمون به أو بلوحاته. وتزامن ذلك مع تراجع شعبيّة الفنّ الكلاسيكي. كلّ هذه الظروف انعكست سلبا على غودوورد وأسلمته للعزلة والشعور بالاكتئاب.وفي السنة التالية أقدم على الانتحار خنقا داخل غرفة غاز.ولا توجد لـ غودوورد اليوم أيّ صورة فوتوغرافية بعد أن أتلفت عائلته جميع صوره.في السنوات الأخيرة عاد اسم جـون وليام غودوورد إلى الواجهة وتضاعفت أسعار لوحاته بفضل الاهتمام الذي تحظى به الأعمال الفنية الكلاسيكية من قبل المتاحف والمزادات الفنية وهواة اقتناء تلك الأعمال من الأفراد.
مثل زميله ومعاصره آندي وارهول ، كان روي ليكتنشتاين يستمدّ مواضيع أعماله الفنيّة من تفاصيل النمط الإستهلاكي ومن مفردات الثقافة الشعبية التي كانت رائجة في الولايات المتحدة خلال ستّينات القرن الماضي.كان ليكتنشتاين يراقب الأفلام السينمائية ومسلسلات التلفزيون والإعلانات التجارية ويقرأ ما ُينشر في الصحف والمجلات من قصص ورسومات كاريكاتيرية، ثم يحوّل اللقطات إلى أفكار وانفعالات يعبّر عنها برسومات رمزية أو تجريدية.ولد الفنّان بنيويورك في العام 1923 لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى وأبدى ميلا للرّسم وهو بعدُ في سنّ مبكّرة. وفي ما بعد عمل أستاذا في جامعة ولاية اوهايو لبعض الوقت.كان ليكتنشتاين يركّز في رسوماته على استخدام الألوان الأحمر والأزرق والأصفر وأحيانا الأخضر. وكان يستعيض عن ظلال الألوان باستخدام النقاط المكثّفة، ولطالما تحدّث عن تأثّره بكلّ من مونيه، وبيكاسو في مرحلتيه الزرقاء والزهريّة.لوحة "فتاة باكية" هي نموذج ممتاز لطريقة وأسلوب ليكتنشتاين في الرّسم.واللوحة تصوّر فتاة دامعة العينين وعلى وجهها علامات الخوف، بينما راحت تقضم أظافرها من فرط شعورها بالتوتّر والصدمة.تفاصيل اللوحة وطريقة الفنّان في رسم الخطوط وتوزيع الألوان تذكّرنا بالرسومات الكاريكاتيرية. لكن التعابير الانفعالية هنا قويّة ودراماتيكية. و ليكتنشتاين كان يهتمّ كثيراً بتصوير انفعالات ونزوات الناس في حياتهم اليومية.ولهذا السبب ُيصنّف روي ليكتنشتاين على أنه أحد الممثّلين الكبار لما أصبح ُيعرف بالفنّ الشعبي.
ظلّت شخصية مريم المجدلية موضوعا مفضّلا في الفنّ وفي الثقافة الغربية بشكل عام.وخلال القرون الوسطى، كان ُينظر إلى هذه المرأة بكثير من القداسة والإجلال باعتبار أنها كانت الشخص الأكثر قربا من المسيح وأوّل من رآه من الناس بعد أن ُرفع.وتذكر بعض المصادر المسيحية أن مريم المجدلية كانت تغسل قدمي المسيح بشعرها في إشارة إلى عمق العلاقة التي كانت تربطها به.ولفترة طويلة، كانت المجدلية ُتمثّل في الفن باعتبارها تابعاً مخلصاً للمسيح، لكن في ما بعد توارت تلك الصفة شيئا فشيئا لتحلّ مكانها صورة المرأة الخاطئة التي أنقذتها تعاليم المسيح من وحل الرذيلة.وقد ُكتب عن هذه المرأة الكثير من الأشعار والأغاني وُروي عنها العديد من القصص والأساطير واعُتبرت دموعها مقدّسة.كما تأسّست كنائس وأديرة كثيرة بأسماء نساء سبق وأن وقعن في الخطيئة ثم تسمّين باسم المجدلية بعد أن أعلنّ توبتهن.وهناك فكرة راجت كثيراً في بعض الأوقات عن زواج المسيح من مريم المجدلية بعد توبتها، لكن الفكرة لم ُيعبّر عنها تشكيلياً.ويذهب بعض الكتّاب والمؤرخين إلى أن الشخص ذا الملامح الأنثوية الذي يظهر إلى جوار المسيح في لوحة دافنشي العشـاء الأخيـر هو مريم المجدلية وليس يوحنّا كما هو شائع.ومن بين اشهر الفنانين الذين صوّروا المجدلية في لوحاتهم تيشيان و إل غريكـو وكارافاجيو.لكن تظلّ لوحة جورج دو لا تور "المجدلية التائبة" أشهر بل وربّما أفضل عمل تشكيلي يصوّر هذه الشخصية.واللوحة هي واحدة من سلسلة من اللوحات التي خصّصها الفنان لنفس الموضوع.وقد رسم دو لا تور المجدلية على هيئة امرأة ذات شعر أسود طويل تجلس قرب طاولة في غرفة مظلمة إلا من خيوط ضوء واهنة تنبعث من شمعة ُغمرت في كأس.وعلى الطاولة نرى صليباً ضخماً ونسخة من الكتاب المقدّس وسوطاً.المرأة المرتدية قميصاً أبيض وتنّورة حمراء تضع يدها على وجهها المحجوب جزئياً عن الناظر، وتحتضن جمجمة بينما راحت تحدّق في ضوء الشمعة الذي يغمر صدرها وساقيها العاريتين والجمجمة.على أن أهم عناصر هذا المشهد هي الشمعة ووجه المرأة والجمجمة البشرية التي تستقرّ في حضنها.وقد رأى بعض النقاد في الشمعة صورة مجازية للصحوة الروحية وفي الجمجمة رمزاً لحالة الموت التي ينتهي إليها مصير الإنسان في النهاية.في "المجدلية التائبة" تكثيف سايكولوجي وروحي هائل، والإحساس الذي يوحي به المشهد هو مزيج من التأمّل والسكينة والحزن. وكان فنّانو عصر الباروك، ومنهم دو لا تور، يهتمّون برسم مظاهر الحياة المتقشّفة، وتغلب على أعمالهم أجواء التأمّل والصمت.تأثّر دو لا تور بـ كارافاجيو وانتهج أسلوبه الواقعي في الرسم. وفي كافة أعماله، نلمس تركيز الفنّان على استعراض مهارته في إبراز التباين الدراماتيكي بين الضوء والعتمة وبطريقة لا تخلو أحيانا من لمسة شاعرية واضحة.كان دو لا تور رسّاماً ناجحاً كثيراً في زمانه، لكن بعد وفاته في العام 1652 تراجعت شعبيّته كثيراً نظرا لتحوّل الناس عن المدرسة الواقعية.لكن مع بدايات القرن الماضي، عاد الاهتمام مجدّداً بأعماله وأعاد النقّاد والجمهور اكتشاف لوحاته التي تنطق بالكثير من التميّز وعمق الموهبة.
لا تخلو ثقافة من ثقافات العالم من حكايات الحوريّات أو الجنّيات التي يتمّ استدعاؤها من عالم الخيال والغموض لرسم صورة مصغّرة عن الحياة وللتأكيد على قيم تربوية أو أخلاقية معيّنة.والاعتقاد بوجود الحوريّات أمر شائع في مختلف الثقافات العالمية. ومن أشهر من كتبوا عنها شكسبير ومن الأدباء المعاصرين الكاتب الدانماركي هانز كريستيان اندرسن . كما تحفل ألف ليلة وليلة بقصص الجنّيات وعرائس البحر. وفي الأساطير الإغريقية والمصرية والهندية والصينية الكثير من الإشارات والقصص عن هذه المخلوقات الخرافية.ومن بين الرسّامين الذين اهتمّوا بتصوير الحوريات هانز زاتشكا المولود في فيينّا بالنمسا العام 1859 م.وتحتشد لوحات هذا الفنّان بصور لجنّيات وملائكة وبحار ومروج وغابات وغدران.والكثير من لوحات زاتشكا مألوفة حيث تظهر كثيرا على البطاقات البريدية التي تستخدم لتبادل التهاني بالمناسبات الدينية والاجتماعية.بعض الأساطير القديمة تتحدّث عن الحوريّات باعتبارهنّ جنسا وسيطا ما بين الملاك والإنسان، ولذا فهن يعشن في عالم أبدي موازٍ لعالم البشر في منتصف المسافة بين الدنيا والعالم الآخر.وتذكر أساطير أخرى أن الحوريّات يعشن فوق تلال عالية بعيدة أو في جزيرة مسحورة في أعالي البحار أو في أعماق المحيطات.في هذه اللوحة نرى عذراء شابّة تقف على شاطئ إحدى البحيرات وهي تودّع ملاكا صغيرا معتليا صدفة بحر ضخمة تجرّها إوزّة.هنا استخدم الفنان ألوانا شاحبة قوامها الأخضر والأبيض وتدرّجاتهما وظلالهما المختلفة لكي يؤكّد على رقّة وبراءة الموضوع ولاضفاء مسحة من القداسة والفانتازية على عموم المشهد.ويبدو أن قصص الحوريات كانت رائجة كثيرا زمن هانز زاتشكا، وربّما لهذا السبب كانت لوحاته تستمدّ موضوعاتها من قصص الجنيات وغيرها من المخلوقات الأسطورية.وحسب بعض الثقافات الأوربية، فإن الحوريّات يوجدن في الطبيعة ويأخذن شكل شجرة أو بحيرة أو زهرة ولهنّ قدرات سحرية خارقة وارتباط وثيق بدنيا البشر وشئونهم من زواج وحبّ وميلاد وموت وخلافه.في بعض الفترات، كانت قصص الحوريّات موضوعا مفضّلا للكثير من الأدباء والشعراء والرسّامين والموسيقيّين، بالنظر إلى أنها تقدّم صورة بريئة عن العالم وتعكس جوانب من شخصية الإنسان وتعزّز إحساسه بنفسه وبالطبيعة من حوله.المعروف أن القرون الوسطى شهدت ذروة اهتمام الناس بقصص الحوريّات والسحرة والجان مع اشتداد حملة مطاردة وقتل الساحرات في أوربّا آنذاك.وقد استهوت هذه القصص عددا من الشعراء والفنّانين الفيكتوريين الذين اتّخذوا منها مواضيع لاعمالهم.لا يعرف عن الفنان هانز زاتشكا سوى أنّه تلقّى تعليمه في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينّا وعمل لبعض الوقت مع والده في زخرفة وتزيين الكنائس.اليوم يبدي جامعو الأعمال الفنية اهتماما متزايدا باقتناء وشراء لوحاته.
تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم أعمال بيير رينوار. وقد رسمها أثناء رحلة له مع بعض أصدقائه بالقارب على ضفاف السين.في هذه اللوحة نرى أصدقاء رينوار من الرجال والنساء الذين ينتمون إلى خلفيات ومهن مختلفة وهم مجتمعون داخل مقهى شهير في ضاحية شاتو الباريسية.وبين هؤلاء صحفيون وممثّلات وعارضات أزياء. كما تظهر في اللوحة "الين" ذات العشرين عاما والتي أصبحت في ما بعد صديقة لرينوار ثم زوجة له.موضوع "عشاء في رحلة بالقارب" لا يختلف كثيرا عن مواضيع لوحات رينوار الأخرى. كان رينوار يرسم رجالا ونساء يعيشون حياة بسيطة ويمتّعون أنفسهم ويستمتعون بالحياة بطريقة مرحة وتلقائية. وأماكنه المفضّلة كانت الطبيعة ، و صالات الرّقص حيث كان يصوّر الشبّان والفتيات وهم يسترخون ويتحدّثون ويراقص بعضهم بعضا.لكن مؤسّسة الفنّ الرسمية في فرنسا آنذاك لم تكن تستسيغ مثل تلك المشاهد، وكانت تلحّ على الفنّانين برسم مناظر تاريخية أو دينية أو أسطورية تظهر صورا لآلهة وملوك وملكات وأبطال من الأزمنة القديمة.ومع ذلك تحدّى رينوار هذا العرف ورسم ما كان يعتبره صورا من الحياة الحديثة في ذلك الوقت بأسلوبه المبتكر والمضيء.أكثر ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة الرائعة هي تلقائية الموضوع وحيوية شخوصه وألوانه المترفة، إذ يغلب الزهري والوردي وظلالهما على عموم المشهد. وممّا يفتن العين بشكل خاص في هذه اللوحة الطريقة البارعة التي اتّبعها رينوار في رسم الطاولة ذات القماش الثلجي وكذلك الزجاجات البلّلورية اللامعة والكؤوس الفضّية المتوهّجة المصفوفة على المائدة.كان رينوار في حياته إنسانا عصبيا وقلقا رغم عشقه الكبير للحياة ومن الواضح أنه لم يكن يرتاح كثيرا لشخصيات الطبقة الراقية. ومواضيع لوحاته بشكل عام كانت قريبة من حياة الطبقة الوسطى. ومن بين كافّة الرسّامين الانطباعيين كان رينوار ينحدر من خلفية اجتماعية متواضعة، فقد كان والده خيّاطا يعول سبعة أطفال كان "بيير أوغست" سادسهم.لوحات رينوار المرحة ومشاهده المتفائلة المليئة بالضوء والموسيقى والوجوه النضرة التي رسمها في السنوات الاخيرة من حياته لا تعكس المعاناة التي تحمّلها الفنّان في ذلك الوقت جرّاء إصابته بالتهاب المفاصل، وهو المرض الذي أدّى في النهاية إلى إصابة يديه بالشلل ومن ثم توقّفه عن الرّسم بشكل تامّ بعد ذلك.
حسب بعض المصادر التاريخية، كانت سيسيليا غاليراني امرأة بارعة الجمال في زمانها، وكانت تقرض الشعر وتعزف الموسيقى وتقيم حوارات فكرية مع الفلاسفة ورجال الدين.وقد ذاعت شهرة هذه المرأة بعد أن اصبحت خليلة للدوق لودفيكو ديل مورو الذي استطاعت أن توقعه في حبّها وأن تكسب ثقته بذكائها وجمالها الأخّاذ.ايل مورو نفسه كان شخصا مثقّفا وطموحا، ولعله اكتسب اسمه الأخير - ومعناه "المغربي" - بسبب بشرته السمراء وملامحه العربية.كان ليوناردو يعمل في بلاط ايل مورو كرسّام وكمشرف على المراسم والاحتفالات. لكنه كان يباشر في نفس الوقت وظائف أخرى ذات علاقة بالطبّ والهندسة والتشريح والرياضيات.هذه اللوحة رسمها ليوناردو لسيسيليا أثناء عمله في بلاط زوجها، وفيها تظهر ممسكةً بحيوان صغير من ذوات الفراء، وكان هذا الحيوان شعارا للدوق وكان يرمز بنفس الوقت للطهر والنقاء.أكثر ما يلفت النظر في هذا البورتريه الجميل التعابير الساحرة على وجه المرأة وكذلك حركة استدارتها من منطقة الظل إلى الضوء وهي هنا تبدو كما لو أنها تتفاعل مع شخص لا نراه في اللوحة.كانت سيسيليا غاليراني امرأة شديدة الذكاء وقد استطاعت على الدوام أن تحافظ على مكانتها في قلب رجل كان ممسكا بالكثير من مفاتيح السلطة والنفوذ كما استطاعت بسحر شخصيتها وذكائها أن تكسب احترام وتقدير الحاشية ورجال القصر.في ذلك الوقت، أي في القرن الرابع عشر، كانت بعض المهن تمر بتحوّلات مهمّة وبات المجتمع يعترف بالنبوغ والذكاء والتميّز الثقافي والفكري لبعض ممارسي المهن التي كان ينظر إليها باعتبارها "وضيعة". وأصبح الناس يتقبّلون فكرة أن تتحوّل الخليلة أو المحظية إلى سيّدة في البلاط وأن يتحوّل الرّسام من مجرّد كونه عاملا حرفيا يعيش على الهامش إلى شخص متفوّق ومبدع.ليونارد نفسه كان يمرّ بشيء من ذلك التحوّل أثناء خدمته في بلاط ايل مورو. وبالتأكيد كانت له أسبابه عندما رسم سيسيليا غاليراني، ربّما لانه كان يرى في صعودها الاجتماعي والفكري مرآة تعكس ما بدأ يحسّ به هو نفسه من صعود نجمه وازدياد حظوته في بلاط الدوق.هذه اللوحة كانت قد لحق بها الكثير من التلف نتيجة تقادم الزمن وأساليب الترميم الرديئة. وفي إحدى المرّات أخضعت لفحص بالكمبيوتر أظهر وجود ما يشبه الباب أو النافذة في الخلفيّة. ويبدو أن دافنشي اقتنع أخيرا بحذف ذلك الجزء والاكتفاء بخلفية داكنة.
كان البيرت رايدر احد أكثر الرسّامين أصالةً في أمريكا خلال القرن التاسع عشر. وقد تلقّى تعليما أوّليا في الفنّ على يد رسّام البورتريه وليام مارشال ثم التحق بالأكاديمية الوطنية لفنّ التصميم. ويغلب على رسوماته الطابع التجريدي، الأمر الذي دفع بعض مؤرّخي الفنّ إلى اعتباره فنّانا حداثيا. ويقال إن لوحاته مهّدت لظهور الاتجاهات التعبيرية والرمزية والتجريدية في الفنّ الحديث. ودائما ما كان يبدي شغفا شديدا بالآداب والفنون عامّة. وأكثر لوحاته تستمدّ موضوعاتها من الإنجيل والميثولوجيا ومن الأعمال الأدبية لـ شكسبير وبايرون وتينيسون وإدغار الان بو ومن موسيقى فاغنر. وقد بلغ من شغفه بالأدب انه كثيرا ما كان يكتب قصائد شعر لترافق لوحاته. في هذه اللوحة رسم رايدر الموت على هيئة هيكل عظمي بشري يحمل منجلا ويمتطي صهوة حصان في مضمار للسباق. التفاصيل في اللوحة تعطي إحساسا بالانقباض والكآبة. فالسماء حالكة مكفهرّة ومضمار السباق نفسه يبدو بلا نهاية. وليس هناك في المشهد كلّه أيّ أثر للحياة. حتى الشجرة الوحيدة هنا تبدو ميّتة جرداء. وفي الأسفل تظهر أفعى طويلة وهي تتحرّك على امتداد ذلك الجزء من اللوحة.وقد استلهم الفنّان موضوع اللوحة من قصّة رجل من نيويورك أقدم على الانتحار بعد أن فقد جميع ممتلكاته إثر خسارته في الرهان على حصان خلال أحد السباقات.وعندما علم رايدر بما جرى للرجل، وكان يعرفه، شرع في رسم اللوحة التي عمل عليها لسنوات وعدّل فيها وغيّر كثيرا.ربّما تكون الأفعى في اللوحة رمزا للإغراء والموت، والمضمار الأجرد صورة مجازية عن عبثية الحياة وقسوتها.الفنّان اختار اللونين الأصفر الخفيف والرمادي وظلالهما لتكثيف الجوّ السوداوي للمشهد. كان رايدر شخصا واسع الخيال ميّالا للعزلة مع شيء من التصوّف وبعض الرومانسية. وقد شغله طويلا التفكير في علاقة الإنسان بالقوى الغيبية وبعناصر الطبيعة وعُرف عنه حبّه لرسم المشاهد الليلية للبحر التي تعطي إحساسا بالكآبة الممزوجة بشيء من الحلم والشاعرية.كما عُرف بتديّنه الشديد وزهده في الأمور الدنيوية. فلم يتزوّج أبدا وكان دائما يقول إن الفنّان لا يحتاج، بالإضافة إلى عدّة الرسم، لأكثر من سطح منزل ينام فوقه وكسرة خبز يعيش عليها والله يتكفّل بالباقي. وقد زار رايدر أثناء حياته العديد من البلدان، منها ايطاليا واسبانيا والمغرب وفرنسا وايطاليا وبريطانيا. غير أن تلك الأسفار لم تؤثّر كثيرا في فنّه. قصّة الجواد الشاحب والفارس الذي يرمز للموت لها أصل ديني. إذ يذكر الإنجيل أن رجلا يمتطي حصانا شاحبا سيظهر في الأرض قبل حلول الساعة فينشر الأوبئة والأمراض الخطيرة وأن الموت سيطبق على البشر، عدا الذين يختارون الربّ هاديا ومرشدا. وفي النهاية سيتدخّل الإله لمنع اجتثاث البشر من الأرض قبل أن ينزل المسيح من بين الغمام ليعلن قيام مملكة الربّ الأبدية. وهناك من يربط قصّة الجواد الشاحب بأحداث معاصرة. بينما يذهب آخرون إلى القول إنها حدثت فعلا في عصور غابرة. وقد صوّر هذه القصّة رسّامون كُثُر أهمّهم فيكتور فاسنيتسوف وألبريخت ديورر. الجواد الشاحب الذي يذكّر بالموت أصبح أيضا موضوعا للعديد من الروايات والأعمال الأدبية. كما حوّلته الثقافة الحديثة إلى مادّة للأغاني والألعاب الاليكترونية. توفي البيرت رايدر عام 1915 في منزل احد أصدقائه الذي كان يقوم على رعايته وذلك إثر مرض لازمه طويلا. وبعد موته اُكملت بعض لوحاته الناقصة كما تمّ إدخال تعديلات على بعضها الآخر بحيث بدت مختلفة عن هيئتها التي رُسمت بها في الأصل. وقد ازدادت شهرته بعد رحيله وزاد الطلب على اقتناء لوحاته التي يوجد بعضها الآن في المتاحف والغاليريهات الرئيسية في أمريكا الشمالية.
لعبة رمبراندت المفضّلة كانت الضوء والظلّ. وقد كان شغوفا، على نحو خاص، بتصوير المشاعر الداخلية للناس من خلال الجوّ العام والملامح الشخصية.وأحد الثيمات التي تظهر كثيرا في لوحات هذا الفنّان العظيم هو منظر الفيلسوف المستغرق في التأمّل والعزلة.في هذه اللوحة رسم رمبراندت النبيّ العبراني ارميا الذي تذكر كتب التاريخ أنه تنبّأ بتدمير أورشليم عاصمة مملكة يهوذا.وقد تحقّقت نبوءته عندما احتلّ البابليّون بقيادة نبوخذنصّر عاصمة مملكة اليهود الجنوبية في العام 586 قبل الميلاد ثم قاموا بتدمير المدينة والهيكل وقتل أعداد كبيرة من الناس ونفي العديد من وجهاء المدينة وسكّانها أسرى وسبايا إلى بابل.كان ارميا يحذّر قومه اليهود من أن يحلّ بهم العذاب الوشيك نتيجة انغماسهم في الذنوب والمعاصي وبعدهم عن الله وعبادتهم الأصنام.وعندما تواترت أنباء اقتراب الغزو البابلي تزعّم ارميا الفريق الذي كان يدعو إلى عدم مقاومة قوّات نبوخذنصّر التي كانت متفوّقة عددا وعدّة، وذلك حفاظا على أرواح الناس وتجنّبا لما هو أسوأ.وكان ارميا يرفض فكرة كانت رائجة في زمانه وهي أن اورشليم والهيكل يتمتّعان بقوى سحرية خفيّة نظرا لقداستهما، وأن الله – لهذا السبب - قادر على أن يحميهما من الهدم والانتهاك.لكن الملك والكهّان وجزءا كبيرا من الشعب صمّموا على المقاومة واعتبروا موقف ارميا وأتباعه انهزاميا ووصموهم بالخيانة العظمى. ثم وضع رهن الاعتقال وبقي هناك إلى أن دمّر البابليّون المدينة بالكامل.قضى ارميا بقيّة حياته باكيا أسفا على دمار اورشليم واستعباد شعبه، وألّف في ما بعد كتابا عن تلك الحادثة أسماه "سفر الأحزان".في العصر الذي عاش فيه ارميا كان العبرانيون منقسمين إلى مملكتين: إسرائيل في الجنوب ويهوذا في الشمال. وكانت المملكتان مجرّد حجرين صغيرين على رقعة صراعات الامبراطوريات الكبرى التي كانت تتنافس في ما بينها آنذاك من أجل المزيد من التوسّع والنفوذ.في هذه اللوحة نرى ارميا مسندا رأسه إلى يده علامة الحزن الشديد، بينما يتّكئ مرفقه على مؤلف ضخم ُكتب عليه بأحرف صغيرة: الإنجيل.وهناك في خلفية المشهد بناء أسطواني الشكل يرجّح أنه معبد سليمان. المكان شبه مظلم إلا من الوهج المنبعث من مباني المدينة المحترقة والذي يغمر وجه الرجل الغارق في الحزن.واضح أن ارميا اختار أن يلوذ بهذه المنطقة الصخرية المنعزلة كي ينفّس عن أحزانه فيما المدينة تحترق خلفه. وهو هنا لا يبدي أيّ إحساس بالذهول أو الصدمة ربّما لأنه سبق وأن رأى نفس هذا المشهد مرّات عديدة في المنام.الألوان الداكنة التي استخدمها رمبراندت بكثافة في رسم عناصر وتفاصيل هذه اللوحة تعزّز الشعور بفداحة الكارثة وعمق المعاناة والألم الدفين المرتسم على ملامح الرجل.
بعض نقّاد الفن التشكيلي يصفون هذا الأثر الفني بأنه عبارة عن قطعة جميلة من الشعر. واللوحة هي واحدة من سلسلة من أربع لوحات صوّر فيها توماس كول رحلة الإنسان عبر نهر الحياة، أي منذ ولادته وطفولته إلى أن يصبح شابّا فَرَجُلا فكَهْلا.في اللوحة الأولى يظهر نهر ينبع من كهف في أسفل جبل. وفي النهر هناك قارب يحمل شخصا في هيئة ملاك حارس وإلى جانبه طفل ضاحك.وفي اللوحة الثانية "التي تظهر هنا" نرى الطفل وقد أصبح شابا يسيطر على قدره ويتحدّى الأخطار المحدقة به فيما يحاول جهده بلوغ ما يشبه القلعة الهوائية التي ترمز لأحلام الشباب في المجد والشهرة.وعلى ضفّتي النهر تناثرت الورود والخضرة بينما راحت الشمس ترسل أشعّتها المشرقة لتغسل الجبال والخضرة من حولها بالوهج الأصفر.ومع اقتراب المسافر من هدفه، ينحرف النهر المضطرب عن مساره ويحمله إلى الصورة التالية حيث الطبيعة الجامحة والأشرار والشياطين الذين يهدّدون وجوده. وفي اللوحة الأخيرة نرى منظرا لنهر مظلم مع قارب يظهر فيه الرجل وقد أصبح عجوزا.ووسط الاضطراب والظلمة يرى الناظر فتحة في الغمام تظهر من ورائها مدينة عظيمة ذات جلال وبهاء في إشارة – ربّما – إلى الجنّة.موضوع اللوحة يرتبط على نحو وثيق بالعقيدة المسيحية وفكرتها عن الحياة والموت والبعث. فالصلاة وحدها، كما يرى كول، هي من ينقذ المسافر من مصير مظلم، وبذا تنتهي الرحلة في نهر الحياة بوعد بالخلاص الأبدي.وكلّ لوحات الفنان الأخرى، تقريبا، تحاول تصوير دأب الإنسان وسعيه الحثيث والدائم للبحث عن المعرفة الروحية التي تجلب له الخلاص في النهاية.توماس كول يعتبر أحد أبرز رسّامي الطبيعة الأمريكيين في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد كان مياّلا منذ بداياته إلى رسم مناظر للطبيعة تحمل معاني ومضامين روحية وأخلاقية. وكان يتوقّع أن تحقّق سلسلة لوحاته الأربع عن رحلة الحياة نجاحا غير عادي. وبالفعل تلقّاها النقّاد والناس بالكثير من الحفاوة والتقدير.بالإضافة إلى مزاولته للرسم، كان كول يكتب المقالات ويؤلّف نثرا وشعرا. وفي فترة من حياته سافر إلى انجلترا التي درس فيها أعمال تيـرنر و كونسـتابل ، ثم إلى فرنسا وإيطاليا حيث مكث في روما وفلورنسا حوالي العامين قبل أن يعود إلى نيويورك.توفّي توماس كول في العام 1848 وعمره لا يتجاوز السابعة والأربعين. وفي السنوات التي سبقت وفاته أصبح شخصا متديّنا وتقيّا. وكان لأعماله تأثير كبير على الرسم في أمريكا وسار على خطاه الكثيرون من الفنّانين الشباب.
هذه اللوحة ربّما تنتمي إلى ذلك النوع من اللوحات التي لا تنجذب لها العين بسهولة، فجوّها يبعث على الكآبة وملامح شخوصها قاسية بل ودميمة إلى حدّ ما. وبالنسبة لفان غوخ نفسه، لم تكن الحياة جميلة ولا سهلة، إذ كان يرى الكثير من العيوب ومظاهر الدّمامة من حوله، وقد أظهر بعض تلك العيوب في لوحاته.كان فان غوخ يشعر بالتعاطف مع أصحاب المهن الدنيا والبسيطة كالصُنّاع والفلاحين. وكان هو نفسه يعيش آنذاك حياة الكفاف إذ كان يسكن بيتا قديما وينام على سرير مهلهل ويجاهد في أن يعيش حياته يوما بيوم. في هذه اللوحة رسم فان غوخ عائلة من الفلاحين يجلس أفرادها حول مائدة ويأكلون البطاطس على ضوء مصباح شاحب.وقد حرص الفنّان على أن يرسم ملامحهم بهذا الشكل ليعكس من خلاله طبيعة حياتهم وواقعهم البائس.وأكثر ما يجذب الانتباه في تفاصيل هذه اللوحة مصباح الزيت المعلّق في السقف والطريقة البارعة التي وزّع بها الفنان الضوء في زوايا وأرجاء الغرفة.ثم هناك المرأة التي تصبّ القهوة ومنظر الطاولة بأطرافها المهترئة والمتآكلة.وهناك أيضا صحن البطاطس الكبير والأصابع الممتدّة نحوه والتي تبدو كالعظام لفرط هزالها وضعفها. إنها - من وجهة نظر فان غوخ - نفس الأصابع العارية التي يحفر بها هؤلاء الفلاحون البسطاء أرضهم ليكسبوا لقمة عيشهم بجدّ وتعب وأمانة.في بدايات حياته، كان فان غوخ يتطلّع لان يرسم لوحة متفرّدة تدفع به إلى الواجهة وتكون شاهدا على موهبته في أعين النقّاد وعند عامّة الناس.ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت هذه اللوحة التي يعتبرها النقّاد اليوم واحدةً من أعظم لوحات فان غوخ، رغم أن اللوحة لم تحقّق ذلك النجاح الكبير خلال حياته.
عمل فنّي آخر يعدّه النقاد أحد أفضل الأعمال النحتية وأكثرها احتفاءً منذ إنجازه قبل أكثر من خمسة قرون.في هذا التمثال يحاول مايكل انجيلو تصوير العذراء وهي تحمل جثمان ابنها في اللحظات التي أعقبت صلبه.وقد أنجز الفنان التمثال من كتلة واحدة من الرخام واستغرق العمل فيه حوالي سنتين.فكرة هذا العمل ارتبطت بالكاردينال جان دي بيليريس مندوب فرنسا في روما الذي كلّف مايكل انجيلو بنحت التمثال كي ُيعرض في جنازته.لكن في مرحلة تالية، أي حوالي منتصف القرن الثامن عشر، تم نقل التمثال إلى حيث هو اليوم، أي إلى مدخل كاثدرائية سانت بطرس.قبل هذا العمل، لم يكن مايكل انجيلو معروفا كثيرا، وعندما كلّف بتشييد التمثال كان عمره لا يتجاوز العشرين عاما. ومع ذلك اعتبر التمثال بعد إنجازه تحفة فنية نادرة تنمّ عن عبقرية واقتدار كبيرين. ومن بين كافة أعماله النحتية، اختار مايكل انجيلو أن يحفر اسمه على التمثال.وخلافا للمنحوتات الأخرى التي تناولت نفس الموضوع وكانت تنطلق من فكرة تصوير الألم وربطه بفكرة الخلاص، عمد مايكل انجيلو إلى تصوير العذراء في هيئة سيّدة شابّة وعلى محيّاها علامات الخشوع والسكينة بينما تحتضن في وقار جثة ابنها الميّت.مما يجذب الانتباه في هذا التمثال وجه العذراء ذو الملامح الملائكية، والرداء الطويل الذي ترتديه ويكاد يغطّي كامل بناء اللوحة. أيضا يلاحظ هنا أن الفنان قام باختزال جسد المسيح وتصغيره مقارنةً بجسد أمه، نظرا لصعوبة تمثيل جسد رجل بالكامل خاصةً عندما يكون محمولا بين ذراعي امرأة.من الملاحظات الأخرى أيضا أن مايكل انجيلو لم يركّز كثيرا على إظهار آثار الصلب، باستثناء بعض العلامات البسيطة الظاهرة على اليد اليمنى والقدمين. ويلاحظ أيضا وعلى وجه الخصوص براعة مايكل انجيلو في تصوير الأوردة والعضلات والأربطة التي تتخلّل الجسد العاري.مايكل انجيلو لم يصوّر العذراء هنا بهيئة امرأة عجوز كسيرة الخاطر تندب حظها وتبكي فلذة كبدها، وإنما صوّرها بملامح شابة. وهذه النقطة كانت مثارا للكثير من التكهّنات. فمن قائل إن شباب العذراء يمكن أن يكون رمزا لطهرها وعفّتها، وهناك من يقول إن ذلك عائد إلى تأثّر مايكل انجيلو بمضمون كتاب "الكوميديا الإلهية" لدانتي والذي يشير فيه إلى أن العذراء هي ابنة المسيح مثل سائر البشر، بمثل ما أنها أمّه أيضا".أثناء نقل التمثال في إحدى السنوات لغرض ترميمه، تعرّضت أربع من أصابع العذراء للكسر وقد أمكن إصلاحها بعد ذلك.لكن أخطر حادث تعرّض له التمثال كان في العام 1972 عندما دخل رجل مختلّ عقليا إلى كنيسة سانت بطرس وهاجم العذراء بمطرقة كان يحملها وهو يصيح: أنا المسيح، أنا المسيح"!وقد خضع التمثال بعد ذلك الهجوم لسلسلة من عمليات الترميم المكثفة أعيد بعدها إلى وضعه السابق كما أحيط من وقتها بلوح سميك من الزجاج المضادّ للرصاص.وأخيرا، أطلق مايكل انجيلو على التمثال اسم "بييتا"، وهي كلمة لاتينية تدلّ على التقوى الممزوجة بالشعور بالحزن والشفقة. وأصبحت المفردة بعد ذلك تشير إلى كلّ عمل فنّي يعالج حادثة الصلب وحزن العذراء على ابنها.
لوحة شهيرة أخرى للفنان فـان ايـك يسجّل فيها واقعة زواج حدثت في ايطاليا في العام 1434م.الزوج هو جيوفاني ارنولفيني سليل عائلة غنيّة من التجّار والمصرفيين. والزوجة جيوفانا سينامي التي تنحدر هي الأخرى من عائلة تشتغل بالتجارة.في اللوحة يقف العروسان في غرفة النوم التي غمرها ضوء الشمس ووجهاهما قبالة الناظر، بينما يمسك العريس بيد عروسه.والعروس تبدو هنا كما لو أنها حامل وذلك بسبب الفستان الفضفاض الذي كان موضة دارجة في ايطاليا في القرن الخامس عشر.الفنان فان ايك كان يلقّب في زمانه بملك الرسّامين لكثرة ما رسم صورا للملوك والأمراء والعائلات الارستقراطية.وهو في هذا العمل لا يرسم فحسب بل يقوم بدور الشاهد على الزواج. وقد كتب في أسفل اللوحة باللاتينية: "يان فان ايك كان حاضرا".أوّل ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة هو ألوانها المضيئة وامتلاؤها بالصور والرموز والتفاصيل.فهناك شمعة مضاءة في الطرف الأيسر من الثريّا الفخمة المتدلية من السقف، رغم أن الوقت يبدو نهارا.وفي الخلفية على طرف السرير يبدو تمثال صغير لقدّيسة. لكن أكثر ما يجذب العين في هذه اللوحة البديعة هو صورة المرآة الخشبية ذات الأضلاع المثبّتة في خلفية الغرفة. وقد ُرسمت بطريقة تدلّ على مهارة فائقة ودقّة قلّ نظيرها.كما رسم الفنّان على إطار المرآة الخارجي عشر منمنمات ترمز كلّ منها إلى مشهد في حياة المسيح.وفي منتصف المرآة، تظهر صورة منعكسة للفنّان مصحوبا برجل آخر قد يكون هو الشاهد الرّسمي على الزواج.وعلى الأرضية وقف كلب صغير عند طرف فستان العروس، رمزا للإخلاص والوفاء.وحول الشباّك إلى اليسار وأسفل منه قليلا تناثرت حبّات من البرتقال أو لعله تفاح، قد تكون رمزا للخصوبة أو سقوط الإنسان من الجنّة.وعلى الأرض أيضا هناك فردتا حذاء، ومؤكّد أن الفنان لم يضعهما هنا عبثا، وربّما يكون المعنى الكامن وراء خلع الحذائين التأكيد على طهارة وقدسيّة الزواج.كان فان ايك مهتمّا كثيرا بتأثيرات الضوء والظل كما تظهرها الكثير من أعماله. وفي هذه اللوحة بالذات تبدو هذه السمة واضحة في الطريقة التي رسم بها الثريّا النحاسية اللامعة.لكن لماذا تقام مراسم الزواج في غرفة نوم وليس في كنيسة كما جرت العادة؟!اغلب الظنّ أن ذلك عائد لحقيقة أن المتحدّرين من الفلاندرز، مثل ارنولفيني وفان ايك نفسه، كانوا يعتقدون أن الزواج يستمدّ شرعيّته من رضا الزوجين فحسب وليس بالضرورة من حضور قسّ أو رجل دين. لذا كانوا يفضّلون إقامة الزواج بعيدا عن الكنيسة وبحضور بعض أصدقائهم الذين يقومون بمهمّة الشهود.إن كل عنصر في هذه اللوحة الجميلة مشحون بالمعنى والرمز ويعكس الطبيعة الدينية للمناسبة.لكنّ كلّ هذه التفاصيل تعتبر ثانوية مقارنةً بالمرآة التي تمثّل نقطة ارتكاز المشهد كله.
رسم رمبراندت هذه اللوحة البديعة بناءً على طلب شخص أرادها أن تكون تذكارا لحفل زواجه.ومع مرور الأيام اكتسبت اللوحة الكثير من الرواج وأصبحت عنوانا للحميميّة وللعاطفة القويّة التي تربط بين رجل وامرأة.وقد بلغ من شعبية هذه اللوحة أن فان غوخ أعلن ذات مرّة انه مستعدّ للتنازل عن عشر سنوات من عمره مقابل أن يقف أمام هذه اللوحة لمدّة عشرة أيام كي يتملى جمالها ويتمعّن في تفاصيلها وألوانها.في اللوحة يظهر رجل وهو يربّت على صدر وكتف عروسه الشابّة، في لمسة تفيض بالإحساس بالحماية والعاطفة المتأجّجة.في المشهد ليس هناك تواصل بين المرأة والرجل من خلال النظر، ربّما لان عقليهما وقلبيهما متّصلان بحميمية وكأنّهما جسد واحد دونما حاجة حتى إلى الكلام.بعض مؤرّخي الفنّ تحدّثوا عن أسباب انجذاب رمبراندت لرسم لوحات تتضمّن عناصر يهودية.وقد أرجع بعضهم ذلك إلى أن الفنان كان متعاطفا مع اليهود بسبب الاضطهاد الذي تعرّضوا له.لكن هناك من يقول إن الفنان إنّما كان يرسم أصدقاءه وجيرانه. وقد قضى رمبراندت جانبا من حياته في الحيّ اليهودي بأمستردام حيث كان يقابل فنانين وتجّارا وأعيانا كانوا ينتمون لطائفة السفارديم، وقد رسم لبعض هؤلاء بورتريهات.الرجل والمرأة يقفان هنا في غرفة مظلمة، كما أن الخلفية هي الأخرى مظلمة وليس فيها ما يمكن أن يصرف اهتمام الناظر بعيدا عن المنظر الأصلي، باستثناء النباتات الموضوعة في آنية جهة اليمين.رسم رمبراندت الأيدي بطريقة ناعمة كما أن طريقته في رسم ألوان الثياب والنسيج تضفي على المشهد رونقا ودفئا.رغم أن رمبراندت كان صديقا مقرّبا من الفيلسوف اليهودي سبينوزا، ورغم انه ُعرف بانجذابه للتصوّف اليهودي، فإن بعض النقّاد يشكّكون في صحّة ووجاهة إطلاق أسماء يهودية على بعض لوحاته، ويتساءلون ما إذا كان الأمر مبرّرا فعلا.بل إن هناك من النقّاد من يتساءل ما إذا كان العروسان الظاهران في اللوحة يهوديّين حقا.
لوحات بوتيرو تذكّر إلى حدّ كبير بروايات مواطنه الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز التي يمتزج فيها الواقع بالخيال وتحتشد بقصص السحر والأساطير الشائعة بكثرة في ثقافات أمريكا اللاتينية.ويمكن بسهولة التعرّف على لوحات ومنحوتات بوتيرو بسبب المبالغة التي يستخدمها في تمثيل أعضاء شخوصه والطابع الكاريكاتيري الذي يغلب على لوحاته حيث الأشكال الدائرية والأعضاء المنتفخة.ولد بوتيرو في العام 1932 في مدينة ميديين التي ما يزال طابع فنّ الباروك غالبا على كنائسها. وفي مرحلة تالية سافر إلى أوربّا ليدرس أعمال كبار الرسّامين. وقد تلقى في مدريد دروسا في أكاديمية الفن وأنجز أعمالا تترسّم خطى فاليسكيز وغويا. كما ذهب إلى إيطاليا ليدرس أساليب فنّانيها العظام.في هذه اللوحة يصوّر بوتيرو مشهدا من مقهى ليلي تحتشد أجواؤه بالموسيقى والرقص.وهناك سبعة موسيقيين ضخام بالإضافة إلى راقصين اصغر قليلا. وعلى الأرض تناثرت حبّات من الفاكهة.وكما في معظم لوحات بوتيرو، يبدو الأشخاص هنا كما لو أنهم يتأهّبون لالتقاط الصور..والكثير من مواضيع لوحات بوتيرو عبارة عن ترجمة لقصص وأساطير اختزنها عقله منذ الطفولة.إن الفنان يحتفي بالحياة على طريقته الخاصة. لكن خلف روح الهزل والسخرية التي تطبع رسوماته، ثمّة دائما فكرة سياسية أو مضمون فلسفي أو اجتماعي ما.في العديد من لوحات بوتيرو نرى صورا لرؤساء وجنود ورجال دين. وهو كثيرا ما ينتقد العسكر والبورجوازيين ورموز السلطة.ويلاحظ حضور العناصر الكولومبية بقوة في لوحات بوتيرو، خاصة العلم وألوانه المتعددة.وقد حوّل بوتيرو بعض لوحاته إلى أعمال نحتية ضخمة يمكن رؤية بعضها في ميادين العديد من عواصم العالم.في بدايات عام 2004 تبرّع بوتيرو بمجموعة من عشرين لوحة صوّر فيها جوانب مختلفة من العنف الطويل الذي شهدته بلاده، وأهدى تلك الرسومات إلى متحف كولومبيا الوطني.ومؤخّرا رسم بوتيرو خمسين لوحة أخرى كرّسها لأحداث سجن أبو غريب وقد عبّر الفنان في تلك الرسومات عن شعوره بالصدمة والغضب جرّاء تعذيب السجناء هناك وانتهاك حقوقهم.
كانت كاثرين تنحدر من عائلة من النبلاء، وقد رأت في المنام ذات ليلة أنها تزوجّت المسيح.وكان الإمبراطور الروماني ماكسينتيوس يرغب في الزواج من المرأة، لكن كان عليه أوّلا أن يقنعها بترك المسيحية.وعندما فشل في مساعيه أرسل إليها خمسين فيلسوفا وعالما ليحاولوا استمالتها وإقناعها بالنزول عند رأيه. غير أن المرأة تمكّنت من تحويل هؤلاء جميعا إلى المسيحية، بحسب ما تذكره المصادر الإنجيلية.قبض الإمبراطور على العلماء وحكم عليهم بالإعدام حرقا ثم أمر بأن تعذّب المرأة وذلك بأن تربط إلى عجلة ذات أضلاع مسنّنة.لكن العجلة سرعان ما تدمّرت بفعل صاعقة رعدية ولم تصَب المرأة نفسها بأذى. لكن كاثرين أعدمت بعد ذلك بقطع رأسها بالسيف.ولم يمض وقت طويل حتى تحوّلت هذه المرأة إلى قدّيسة وأصبح لها أتباع ومريدون كما شيّد لها في القرن السادس الميلادي دير يحمل اسمها على قمّة جبل طور سيناء حيث يعتقد بأن الملائكة قامت بنقل رفاتها إلى هناك.وقد امتدحها الوعّاظ وتغنّى بها الشعراء في قصائدهم كما سمّيت الكثير من الكنائس على اسمها، ولا تخلو كنيسة أو دير من تمثال أو أيقونة تصوّرها.تم تمثيل كاثرين راهبة الاسكندرية في العديد من اللوحات والتماثيل الفنية وكان يظهر إلى جوارها عجلة أو سيف، أو خاتم يرمز إلى واقعة زواجها الغامض من المسيح.وأحيانا ما تصوّر وهي تمسك بكتاب أو تضع على رأسها تاجا في إشارة إلى خلفيّتها الملوكية.في اللوحة يتّضح مدى تأثّر رافائيل بأسلوب ليوناردو دافنشي الذي كان بارعا في تصوير وضعية الوقوف مع انثناء الجسد بطريقة لا تخلو من المهابة والجلال.والمرأة تبدو هنا وهي تسند جنبها الأيسر إلى رمزها "العجلة" بينما أراحت يدها اليمنى على صدرها وأرسلت عينيها باتجاه السماء البعيدة المغمورة بالضياء.ومن الواضح أن المنظر الطبيعي الذي يبدو في خلفية المشهد قد نفّذ بكثير من البراعة والإتقان وهو يذكّر إلى حدّ كبير بمناظر دافنشي ذات الطبيعة الحالمة والفانتازية.ومن السّمات الأخرى في اللوحة غنى المشهد بالحركة المتناغمة للألوان. ويبدو أن رافائيل لم يكن يركّز كثيرا على إثارة الانفعالات حول الموضوع بل كان يحاول بلوغ أفضل توازن للألوان والتعابير والعناصر الجمالية الأخرى في اللوحة.يقول بعض المؤرخين إن كاثرين (ومعنى الاسم: المرأة الطاهرة) قد تكون مجرّد شخصية خيالية اخترعتها مخيّلة الناس مدفوعين برغبتهم في أن يتمثلوا نموذجا بشريا يجسّد معاني التضحية والطهر والثبات على المبدأ.وبعض الفلاسفة يعتبرون سينت كاثرين النموذج المناظر في العقلية القروسطية لـ "هيباشيا" الفيلسوفة والعالمة الوثنية الشهيرة التي عاشت هي أيضا في الاسكندرية في ذلك الوقت ولاقت نفس مصير كاثرين العاثر عندما قام بذبحها وتمزيق جسدها غوغاء مسيحيّون غاضبون بعد اتهامها بالهرطقة.ومثل هيباشيا، يقال إن كاثرين كانت امرأة مثقّفة في الفلسفة واللاهوت وكانت تتمتّع بجمال أخّاذ وقد أعدمت بوحشية لأنها جاهرت بما تؤمن به.في العام 1969 أزالت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية اسم كاثرين من قائمة القدّيسين على أساس عدم كفاية الأدلة التي تؤكّد وجودها.لكن قبل خمس سنوات وإذعانا لضغوط واحتجاجات المؤمنين من أنصارها، اضطرّت سلطات الفاتيكان إلى إعادة إدراج اسمها في تلك القائمة.
في لوحاته الكثيرة لم يكن ايشر يعبّر عن انفعالات أو مواقف معيّنة، بل كان يحاول استقصاء الحقائق وسبر غور الأشياء على طريقته الخاصّة وبدافع من فضوله المعرفي.
كما لم يكن من نوعية الفنّانين الذين يضمّنون لوحاتهم رسائل سياسية أو أخلاقية أو انفعالية معيّنة.
كان كلّ همّه منصبّا على رسم الألغاز البصرية والغامضة.
في هذه اللوحة نرى قطعة من الورق مثبّتة بدبابيس من أطرافها. ومن الورقة تنبثق يدان ترسم كلّ منهما خطوط عروة اليد الأخرى.
وقد ُرسمت اليدان بطريقة تنمّ عن براعة فائقة كما هو واضح.
لكن لا احد يعلم على وجه التحديد ماذا كان في ذهن الفنان وهو يرسم اللوحة أو ما الذي قصده من ورائها.
ويبدو أن أكثر الناس احتفاءً بأعمال ايـشـر هم علماء الرياضيات الذين يستمتعون بطريقة استخدامه للمجسّمات ذات الأسطح الكثيرة وإبرازه للتشوّهات الهندسية.
كان ايشر يفهم كثيرا في الرياضيات مع انه لم يدرسها دراسة منهجية أو أكاديمية وإنما من خلال الحدس والتجريب البصري.
وفي الكثير من لوحاته يحاول تصوير العلاقة بين الأشكال والأشخاص والفراغ، وتحتشد رسوماته بالأشكال الهندسية المختلفة من دوائر ومكعّبات ومثلثات وأشكال حلزونية.
في إحدى لوحاته نرى طوابير من الناس تصعد وتنزل عبر سلالم في فراغ لا نهائي، وفي أخرى مشهد فانتازي لبناء تمّ تشويه منظوره لتتداخل فيه السلالم بالقاعات والأعمدة وقد امتلأ ببشر وحيوانات ومخلوقات وأشياء غريبة ومتناقضة.
وطوال حياته التي ناهزت السبعين عاما، كان ايشر كثيرا ما يتكلم عن كيفية انجازه للوحاته لكنه لم يكن يتحدّث عن المعنى الذي يقصده أو الفكرة التي يريد إيصالها.