لشدّة واقعية هذه اللوحة ووضوح ودقّة تفاصيلها، قد يظنّها الناظر لأوّل وهلة صورة فوتوغرافية.
وهذه النقطة ربّما تثير بعض الإشكالات والتساؤلات. لكن لا بدّ أولا من قراءة اللوحة والمرور سريعا على بعض تفاصيلها.
في اللوحة نرى شقيقتين تجلسان في شرفة منزلهما المطلّ على منظر حضري.
الكبرى تمسك بنسخة من ديوان حافظ الشيرازي بينما راحت الصغرى تحدّق فيها بانتظار ما ستقرؤه من شعر.
وباستثناء السماء الممتدّة التي يختلط فيها الغبار بالغيم، لا توجد في الخلفية الكثير من التفاصيل ما عدا بعض الأشجار والبنايات التي تلوح من بعيد.
وقد يكون الفنان أراد من وراء الاقتصاد في رسم الخلفية تركيز انتباه الناظر إلى الموضوع الأساسي؛ أي الفتاتين والجوّ الذي يوحي به الحوار في ما بينهما بشأن الكتاب.
المشهد فيه إحساس حالم وقدر غير قليل من الرومانسية. والتعابير البادية على ملامح الفتاتين هي مزيج من الحزن والترقّب.
بالنسبة للإيرانيين، فإن حافظ الشيرازي ليس مجرّد شاعر فحسب، بل هو جزء لا يتجزّأ من الروح الإيرانية نفسها. وربّما لا يضاهيه شهرة وذيوعا سوى عمر الخيّام.
وقد بلغ من شعبية حافظ وتعلّق الناس بأشعاره أنهم يسمّونه ترجمان الأشواق ولسان الغيب، في إشارة إلى قدرته على التنبّؤ بالمستقبل وكشف الحُجُب واستشراف المجهول.
ولا يخلو بيت في إيران من نسخة من ديوانه. وقد اعتاد الناس في مناسباتهم الاجتماعية والروحية على استنطاق الديوان لمساعدتهم في معرفة ما سيحمله لهم المستقبل من أحداث سارّة أو محزنة. ويحدث أن يفتح الشخص صفحة من الكتاب بطريقة عشوائية ثم يقرأ ما هو مكتوب فيها بصوت مسموع. وبذا يستطيع، بمساعدة الشروحات والهوامش المرفقة، قراءة طالعه ومعرفة ما يخبّئه له المستقبل.
ولأن أمور الحبّ والزواج، والمسائل العاطفية عموما، تشغل بال المرأة أكثر من الرجل عادة، فإن النساء هنّ الأكثر إقبالا على قراءة تنبّؤات حافظ وتصديقها باعتبارها معجزات وكرامات.
من الأشياء اللافتة في اللوحة ارتداء الفتاة الكبرى ملابس تقليدية محافظة إلى حدّ ما. كما أنها تلبس خاتم الخطوبة، وهذا تفصيل لا يخلو من دلالة. وثمّة احتمال بأن ما يشغلها أمر قد يكون له علاقة بالمسائل العاطفية من حبّ وزواج وخلافه.
ومن حيث الهيئة، تبدو الفتاة الصغرى أكثر انطلاقا وتحرّرا بدليل بنطلون الجينز الأزرق الذي ترتديه والذي برع الفنان في تصوير تفاصيله وخيوطه الدقيقة.
والحقيقة أن كلّ ما في هذه اللوحة واقعي بامتياز. وهي تذكّر إلى حدّ كبير بلوحات فيرمير و بوغورو .
الألوان الباردة والمتناسقة هي أحد ملامح الجمال والجاذبية في اللوحة. كما أن أسلوب الفنان في رسم السجّاد والملابس ووضعية الفتاتين وملامحهما التي لا تخلو من طهرانية، كل ذلك يخلع على المشهد إحساسا بالبراءة والقداسة. وممّا يعزّز هذا الإحساس طريقة وقوف الفتاة الكبرى وانحناءتها الصامتة والمتأمّلة التي اختار لها الرسّام خلفية كاملة من السماء والغيم.
ولا بدّ للناظر إلى هذه اللوحة أن يتخيّل أن الفنان، وهو يرسم، كان يحاول النفاذ إلى العالم الداخلي والخاص لفتاتين تعمر قلبيهما الكثير من الأحلام والتطلّعات. وقد نجح في تصوير مزاجيهما وروحيهما الشابّة من خلال هذا المنظر الأثيري البديع الذي يمتزج فيه الحلم والبراءة بالجمال المتسامي والمثالي.
في الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام برسومات إيمان مالكي وانتشرت لوحاته على نطاق واسع وأصبح اسما معروفا في الأوساط الفنية العالمية. ومؤخّرا نال جائزة بوغورو الفرنسية بالنظر إلى التشابه الكبير بين أسلوب الرسّامَين الإيراني والفرنسي.
الجدير بالذكر أن مالكي تتلمذ على يد الفنان الكبير مرتضى كاتوزيان كما درس في كلية الفنون بطهران ومنذ صغره كان يبدي اهتماما واضحا بالرسم.
ومالكي يعتبر الأخير في سلسلة أسماء الرسّامين الإيرانيين الذين نالوا شهرة عالمية، مثل محمود فرشجيان وفريدون رسولي وكاتوزيان وسواهم.
أسلوب مالكي أعاد إلى الواجهة جدلا قديما حول "أصالة" الأعمال التشكيلية الشديدة الواقعية.
فبعض النقّاد يرى أنها تفتقر إلى الروح والتلقائية وأن لا فرق بينها وبين التصوير الفوتوغرافي الذي ينقل الواقع كما هو وبطريقة كربونية.
كما يرى هؤلاء بأن ما يسمّى "تأثير الكاميرا" يكبّل الفنان ويشلّ مخيّلته ويحرمه من التحليق في فضاء الخلق والإبداع الحقيقي.
لكن هناك فريقا آخر يرى بأن الرسومات التشكيلية الواقعية تتوفّر هي أيضا على الكثير من عناصر الإبداع والمتعة، وأن اللجوء إلى الكاميرا أحيانا لا يعدّ أمرا سيئا. "فيرمير" فعل هذا من قبل وأنتج أعمالا لا يختلف الناس اليوم حول تميّزها وغناها من حيث الشكل والمضمون.
وأيّا ما كان الأمر، يمكن القول إن ألوان مالكي الناعمة ومناظره الحالمة وملامح شخوصه القريبة من القلب تشكّل متعة حقيقية للعين. وإحدى سمات الفنّ الناجح هو انه يوفّر المتعة ويبعث في نفس ووجدان المتلقي إحساسا بالارتياح والبهجة والطمأنينة.
وهذه النقطة ربّما تثير بعض الإشكالات والتساؤلات. لكن لا بدّ أولا من قراءة اللوحة والمرور سريعا على بعض تفاصيلها.
في اللوحة نرى شقيقتين تجلسان في شرفة منزلهما المطلّ على منظر حضري.
الكبرى تمسك بنسخة من ديوان حافظ الشيرازي بينما راحت الصغرى تحدّق فيها بانتظار ما ستقرؤه من شعر.
وباستثناء السماء الممتدّة التي يختلط فيها الغبار بالغيم، لا توجد في الخلفية الكثير من التفاصيل ما عدا بعض الأشجار والبنايات التي تلوح من بعيد.
وقد يكون الفنان أراد من وراء الاقتصاد في رسم الخلفية تركيز انتباه الناظر إلى الموضوع الأساسي؛ أي الفتاتين والجوّ الذي يوحي به الحوار في ما بينهما بشأن الكتاب.
المشهد فيه إحساس حالم وقدر غير قليل من الرومانسية. والتعابير البادية على ملامح الفتاتين هي مزيج من الحزن والترقّب.
بالنسبة للإيرانيين، فإن حافظ الشيرازي ليس مجرّد شاعر فحسب، بل هو جزء لا يتجزّأ من الروح الإيرانية نفسها. وربّما لا يضاهيه شهرة وذيوعا سوى عمر الخيّام.
وقد بلغ من شعبية حافظ وتعلّق الناس بأشعاره أنهم يسمّونه ترجمان الأشواق ولسان الغيب، في إشارة إلى قدرته على التنبّؤ بالمستقبل وكشف الحُجُب واستشراف المجهول.
ولا يخلو بيت في إيران من نسخة من ديوانه. وقد اعتاد الناس في مناسباتهم الاجتماعية والروحية على استنطاق الديوان لمساعدتهم في معرفة ما سيحمله لهم المستقبل من أحداث سارّة أو محزنة. ويحدث أن يفتح الشخص صفحة من الكتاب بطريقة عشوائية ثم يقرأ ما هو مكتوب فيها بصوت مسموع. وبذا يستطيع، بمساعدة الشروحات والهوامش المرفقة، قراءة طالعه ومعرفة ما يخبّئه له المستقبل.
ولأن أمور الحبّ والزواج، والمسائل العاطفية عموما، تشغل بال المرأة أكثر من الرجل عادة، فإن النساء هنّ الأكثر إقبالا على قراءة تنبّؤات حافظ وتصديقها باعتبارها معجزات وكرامات.
من الأشياء اللافتة في اللوحة ارتداء الفتاة الكبرى ملابس تقليدية محافظة إلى حدّ ما. كما أنها تلبس خاتم الخطوبة، وهذا تفصيل لا يخلو من دلالة. وثمّة احتمال بأن ما يشغلها أمر قد يكون له علاقة بالمسائل العاطفية من حبّ وزواج وخلافه.
ومن حيث الهيئة، تبدو الفتاة الصغرى أكثر انطلاقا وتحرّرا بدليل بنطلون الجينز الأزرق الذي ترتديه والذي برع الفنان في تصوير تفاصيله وخيوطه الدقيقة.
والحقيقة أن كلّ ما في هذه اللوحة واقعي بامتياز. وهي تذكّر إلى حدّ كبير بلوحات فيرمير و بوغورو .
الألوان الباردة والمتناسقة هي أحد ملامح الجمال والجاذبية في اللوحة. كما أن أسلوب الفنان في رسم السجّاد والملابس ووضعية الفتاتين وملامحهما التي لا تخلو من طهرانية، كل ذلك يخلع على المشهد إحساسا بالبراءة والقداسة. وممّا يعزّز هذا الإحساس طريقة وقوف الفتاة الكبرى وانحناءتها الصامتة والمتأمّلة التي اختار لها الرسّام خلفية كاملة من السماء والغيم.
ولا بدّ للناظر إلى هذه اللوحة أن يتخيّل أن الفنان، وهو يرسم، كان يحاول النفاذ إلى العالم الداخلي والخاص لفتاتين تعمر قلبيهما الكثير من الأحلام والتطلّعات. وقد نجح في تصوير مزاجيهما وروحيهما الشابّة من خلال هذا المنظر الأثيري البديع الذي يمتزج فيه الحلم والبراءة بالجمال المتسامي والمثالي.
في الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام برسومات إيمان مالكي وانتشرت لوحاته على نطاق واسع وأصبح اسما معروفا في الأوساط الفنية العالمية. ومؤخّرا نال جائزة بوغورو الفرنسية بالنظر إلى التشابه الكبير بين أسلوب الرسّامَين الإيراني والفرنسي.
الجدير بالذكر أن مالكي تتلمذ على يد الفنان الكبير مرتضى كاتوزيان كما درس في كلية الفنون بطهران ومنذ صغره كان يبدي اهتماما واضحا بالرسم.
ومالكي يعتبر الأخير في سلسلة أسماء الرسّامين الإيرانيين الذين نالوا شهرة عالمية، مثل محمود فرشجيان وفريدون رسولي وكاتوزيان وسواهم.
أسلوب مالكي أعاد إلى الواجهة جدلا قديما حول "أصالة" الأعمال التشكيلية الشديدة الواقعية.
فبعض النقّاد يرى أنها تفتقر إلى الروح والتلقائية وأن لا فرق بينها وبين التصوير الفوتوغرافي الذي ينقل الواقع كما هو وبطريقة كربونية.
كما يرى هؤلاء بأن ما يسمّى "تأثير الكاميرا" يكبّل الفنان ويشلّ مخيّلته ويحرمه من التحليق في فضاء الخلق والإبداع الحقيقي.
لكن هناك فريقا آخر يرى بأن الرسومات التشكيلية الواقعية تتوفّر هي أيضا على الكثير من عناصر الإبداع والمتعة، وأن اللجوء إلى الكاميرا أحيانا لا يعدّ أمرا سيئا. "فيرمير" فعل هذا من قبل وأنتج أعمالا لا يختلف الناس اليوم حول تميّزها وغناها من حيث الشكل والمضمون.
وأيّا ما كان الأمر، يمكن القول إن ألوان مالكي الناعمة ومناظره الحالمة وملامح شخوصه القريبة من القلب تشكّل متعة حقيقية للعين. وإحدى سمات الفنّ الناجح هو انه يوفّر المتعة ويبعث في نفس ووجدان المتلقي إحساسا بالارتياح والبهجة والطمأنينة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق