بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 يونيو 2010

بورتـريه للفنـانـة بقبّعـة من القـشّ للفنانة الفرنسية فيــجيــه لابــران

ولدت فيجيـه لابـران في باريس وتتلمذت على يد والدها الفنان. وبفضل ما كانت تتمتّع به من ثقافة وحضور وجمال، اصبح لها نفوذ كبير داخل أروقة السياسة في فرنسا الملكية خلال القرن التاسع عشر، رغم أنها كانت تنتمي في الأساس للطبقة الوسطى.
برزت لابران خصوصا في رسم البورتريه وحققت الكثير من الشهرة والغنى. وفي العام 1778 تعرّفت على الملكة ماري انطوانيت التي قرّبتها منها وعيّنتها رسّامة للبلاط.
وفي 1783 أصبحت الفنانة عضوا في الأكاديمية الملكية التي كانت عضويتها حتى ذلك الحين مقتصرة على الفنانين من الرجال.
كانت لابران فنانة غزيرة الإنتاج فقد رسمت عشرات البورتريهات للملكة وأفراد عائلتها وللنبلاء الأوربيين ولها شخصيا.
لكن في العام 1789 اضطرّت لمغادرة فرنسا بسبب قيام الثورة وعلاقتها الوثيقة بماري انطوانيت. وقد وصمتها الثورة بالعمالة لـ "النظام البائد" وسارع زوجها إلى تطليقها لحماية ممتلكاته من المصادرة. وخلال سنوات النفي سافرت إلى ايطاليا والمانيا والنمسا وحققت هناك المزيد من الحضور والشهرة. وفي 1802 سمح لها الحكم الجديد بالعودة إلى البلاد بعد الضغوط والمطالبات التي تقدم بها زملاؤها.
كانت لابران امرأة جميلة وذكية وموهوبة. وقد عاشت 87 سنة قضت 20 منها مع صديقتها المقرّبة ماري انطوانيت.
وبورتريهاتها تتميز بأناقتها اللافتة وبغنى ألوانها ودقة تفاصيلها التي لا تخلو من رومانسية.
في هذا البورتريه الجميل الذي رسمته لنفسها، تبدو فيجيه لابران امرأة حقيقية وفنانة أصيلة. وهي هنا تقف بثقة، ممسكة بعدّة الرسم والالوان، ومرتدية زيا حديثا وقبّعة من القشّ.
في اللوحة لا بودرة ولا مكياج ولا شعر مرتّب بعناية. وهو نفس الأسلوب التي أخذته لابران معها إلى البلاط الملكي. حتى في البورتريهات التي رسمتها لماري انطوانيت، تبدو الملكة في هيئة بسيطة، وهي سمة تتناقض كليا مع ما كان ُيشاع عن الملكة من بذخ وإسراف. وقبّعة القش البسيطة التي ترتديها الفنانة لا تدلّ بالضرورة على الفقر، بدليل ظهور القرطين النفيسين اللذين تضعهما في أذنيها.
ومثل ماري انطوانيت التي كانت تروج الشائعات عن مغامراتها العاطفية ومجونها، كانت فيجيه لابران هي الأخرى موضوعا للكثير من الشائعات، إذ يقال بأنها كانت تنام مع الرجال الذين كانت ترسمهم.
عاشت لابران في عصر كانت تغلب عليه الأفكار القائلة بذكورية الفن، ومع ذلك استطاعت أن تتحدّى تلك المفاهيم وان تؤسّس لنفسها وجودا مستقلا، واصبحت في ما بعد اشهر فنانة امرأة رسمت البورتريه. وفي العصور اللاحقة اصبح اسم فيجيه لابران يظهر جنبا إلى جنب مع أسماء كبار الفنانين من الرجال الذين برزوا في رسم البورتريه من أمثال رمبراندت و غينسبورو و سارجنت وسواهم.
بورتريه فيجيه لابران هو اليوم من ضمن مقتنيات الناشيونال غاليري بلندن.


بورتريه للفنان في سن السادسة والعشرين للفنان الألماني البـريخـت ديورر

كان البريخت ديورر فنانا وشاعرا ورحالة. وإن كانت شهرته كفنّان هي الغالبة.
ورغم انه رسم العديد من اللوحات، فإن هذا البورتريه الذي رسمه لنفسه في العام 1498 هو أحد اشهر أعماله واكثرها انتشارا ودلالةً على تميّزه الفني.
ويرى بعض النقاد أن ديورر هو أهمّ فناني عصر النهضة الشمالية. وقد مكّنه العيش في نورمبيرغ، أي في منتصف المسافة بين هولندا وايطاليا، من العثور على الإلهام الذي كان ينشده في أعمال رموز مركزي الفنّ الأوربي الكبيرين في ذلك الوقت.
ولم يكتفِ الفنان بتقليد أعمال الفنانين الكبار، بل حاول دائما ابتكار أساليب فنية جديدة.
على أن أهمّ سمة في فنّ ديورر هو تنوّع مهاراته الفنية. فبالإضافة إلى الرسم، كان نقاشا ونحّاتا بارعا على الخشب.
في هذا البورتريه، يقف الفنّان بطريقة مستقيمة وواثقة، مميلا يده اليمنى إلى الطاولة. وهو هنا يرتدي قفّازين وسترة أنيقة بنّية اللون بحوافّ سوداء، وتحتها قميص مطرّز. وقد ثبّت الفنان فوق رأسه قبّعة ذات خطوط بنية وسوداء ملامسةً أعلى اللوحة. بينما راح الضوء يتسرّب إلى الغرفة تاركا وهجا على وجه الفنان وشعره المتموّج الطويل.
والى جواره هناك نافذة تطلّ على منظر طبيعي في جبال الألب. وفي هذا تذكير برحلاته الكثيرة إلى روما والبندقية وغيرهما من حواضر شمال وغرب أوربا.
أما الوجه فمرسوم بأسلوب واقعي وبراعة واضحة. وملامحه هنا وطريقة وقوفه تذكّر إلى حدّ كبير باللوحات التي تصوّر المسيح. وربّما أراد الفنان أن يقول إن موهبته مستمدّة من الله الذي خلق المسيح والإنسان على هيئته.
قبيل وفاته عن 57 عاما، رسم ديورر لوحته "رجل الأحزان"، وفيها يظهر المسيح بملامح وجه الفنان وبجسده الذي أصابه الضعف والبلى بفعل الشيخوخة وتقدّم العمر.


صبــي و غليــون للفنان الإسباني بابلـو بيكـاســو


أهميّة هذه اللوحة تكمن في أنها اللوحة الأغلى مبيعا في العالم حتى الآن. فقد ابتاعها في العام الماضي زبون مجهول بمبلغ 104 ملايين دولار في مزاد سوذبي بنيويورك.
وقد كسرت هذه اللوحة الرقم القياسي السابق الذي سجّلته لوحة فان غوخ الشهيرة دكتور غاشيه التي اشتراها مليونير ياباني بمبلغ 82 مليونا ونصف المليون في العام 1990.
"صبي و غليون" تنتمي للمرحلة الوردية وقد رسمها بيكاسو في عام 1905 وعمره 24 عاما. واللوحة تصوّر صبيّا باريسيا كان يتردّد على مرسم بيكاسو في مونمارتر. وفيها يبدو الصبي مرتديا ملابس زرقاء ومطوّقا رأسه بباقة من الورد وممسكا بيده اليسرى غليونا.
وكان جون ويتني سفير الولايات المتحدة في بريطانيا قد اشترى اللوحة في عام 1950 بمبلغ 30 ألف دولار فقط.
يقول بعض النقاد إن اللوحة ترمز للغموض وجمال الشباب الذي أهّلها لان تكون إحدى اكثر لوحات بيكاسو تقديرا واحتفاءً. فيما يميل البعض الآخر إلى القول بأن السعر الذي بيعت به اللوحة له علاقة باسم الفنان اكثر من كونه اعترافا بجدارة اللوحة أو أهميتها التاريخية. إذ أن لبيكاسو لوحات اكثر أهمية لكنها لم تحقق حتى نصف هذا السعر عند بيعها.
وثمة من يجادل بأن اللوحة تحتوي على عناصر جمالية واضحة رغم أنها لا تنتمي للأسلوب التكعيبي الذي ابتكره بيكاسو وبرع فيه وحفظ له مكانة مميّزة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي.
بيكاسو له أربع لوحات هي من بين أغلى عشر لوحات في العالم، ويليه مباشرة فان غوخ بثلاث.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المتاحف الفنية الكبرى تبدي اهتماما وحرصا ملحوظين على اقتناء وشراء اشهر اللوحات الفنية، وأكثر المتاحف تفضّل الاحتفاظ بتلك اللوحات لأجل غير مسمّى.


مولــد فيـنــوس للفنان الفرنسي الكسنـدر كابـانيــل

ظلت أسطورة فينوس موضوعا مفضلا للعديد من الفنانين عبر العصور المتعاقبة.
ومن اشهر الأعمال التي صوّرت الأسطورة هذه اللوحة لـ الكسندر كابانيل والتي ُعرضت لاوّل مرّة في صالون باريس العام 1863 واهّلت الفنان لنيل الميدالية الذهبية.
في ذلك الوقت، لم يكن الجمهور الفرنسي قد صحا بعد من الصدمة التي سبّبتها لوحة اوليمبيا لـ مانيه، بنظراتها الجريئة وجسدها المكشوف.
لكن رغم ذلك، فقد اعتُبرت فينوس كابانيل مثالا للايروتيكية المقبولة. فهي، مقارنةً بلوحة مانيه، مثالية إلى حدّ ما وخالية من العيوب ومن شعر الجسد، كما أنها تبدو لا مبالية جنسيا وبلا شخصية إلى حدّ كبير.
هذا القدر المحسوب من الحسّية التي ضمّنها كابانيل لوحته، وكذلك البعد التاريخي والأسطوري للقصّة، كانا عاملين اسهما في تقريب اللوحة من الطبقات الاجتماعية العليا.
ومن الواضح أن كابانيل التزم بالعناصر التفصيلية الرئيسية لـ فينوس كما وردت في الأسطورة. فالآلهة تبدو متمدّدة على موج البحر الذي ُيفترض أنها ولدت منه. وفوقها تحوم كوكبة من ملائكة الحبّ "كيوبيد". وهي تفصح عن سحرها ومفاتنها، ولكن حسب قواعد العرف الايروتيكي السائد حينئذ.
دخل كابانيل صالون باريس وعمره لا يتجاوز العشرين، وبعد سنتين فاز بالمركز الثاني في جائزة روما ومكّنه ذلك من اخذ دروس إضافية في الفنّ الكلاسيكي.
وعندما عرض لوحته، كان الفنان قد حظي بشهرة واسعة وحصد العديد من الجوائز.
لوحة مولد فينوس تشكّل مثالا ِحرَفيا ورائعا لأسلوب عصر النهضة والقرن التاسع عشر.
وقد بادر نابليون الثالث فور عرض اللوحة إلى شرائها وضمّها إلى مجموعته الشخصية. وفي نفس تلك السنة ُعيّن كابانيل أستاذا في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، كما كلفه نابليون الثالث ولودفيغ الثاني ملك بافاريا برسم أعمال فنية لحسابهما.
رسم كابانيل مولد فينوس بعد عشر سنوات من إنجاز انغر للوحته المحظية الكبرى .
ورغم الاختلاف الواضح بين اللوحتين فإن العامل المشترك بينهما ربّما يكون تعمّد الفنانين إظهار الملامح الجمالية من خلال إطالة الأعضاء والعنق لابراز انسيابية الخطوط.
كان كابانيل خصما قويّا للانطباعيين، وخاصّة مانيه، وكان موقفه ذاك يتماهى مع موقف المؤسّسة الأكاديمية التي كانت تعارض الاتجاهات التجديدية في الفنّ، رغم أن ذلك الموقف أدّى في النهاية إلى تقليص نفوذ المؤسّسة وتهميش دورها.
أما الانطباعيون فكان كابانيل يمثل بالنسبة لهم رمزا للفنّ الأكاديمي الذي كانوا يحتقرونه ويتهمونه بالجمود والماضوية.
ورغم أن لكابانيل لوحات عديدة أخرى تعالج مفردات الحياة العامة والأحداث التاريخية، فإن الخبراء والنقاد ظلوا يتجاهلونها.
وإذا كان هناك اليوم من يتذكّر الكسندر كابانيل، فإن ذلك بسبب هذه اللوحة بالذات.


تمثـال كيـوبيـد و سايـكـي للنحّات الإيطالي انتونيـو كانـوفــا

كان انتونيو كانوفا نحّاتا ورسّاما كبيرا. وفي عصره كانت النزعة السائدة هي إحياء التراث الأسطوري القديم وإعادة إنتاجه من جديد على هيئة أعمال تشكيلية ونحتية.
وفي تلك الفترة التقى كانوفا في نابولي الكولونيل الاسكتلندي جون كامبل الذي عُرف باهتمامه بالفنون وبخاصّة النحت.
وقد كلّف كامبل كانوفا نحت تمثال يكون رمزا لانتصار الحبّ ويعكس بعض السمات والخصائص الإنسانية.
واتفق الاثنان على موضوع التمثال الذي استقر الرأي في النهاية على أن يكون تجسيدا لحكاية أسطورية ورد ذكرها لأوّل مرّة في أحد كتب الأديب اليوناني القديم أبوليوس.
وكانت نتيجة ذلك الاتفاق هذا التمثال الذي أصبح في ما بعد أحد أفضل وأشهر الأعمال النحتية في العالم.
كان كيوبيد "أو ايروس" هو إله الحب والرغبة عند الرومان. بينما كانت سايكي رمزا للروح التي تأخذ هيئة امرأة فائقة الجمال.
تقول الأسطورة إن كيوبيد كان يزور سايكي في الليل فقط وانه كان قد منعها من النظر إلى وجهه. وفي إحدى الليالي وبدافع الفضول، حملت بيدها مصباحا وتسلّلت إلى الغرفة التي كان ينام فيها محاولة اختلاس نظرة إلى وجهه.
وكانت تتوّقع أن ترى شخصا قبيح الخلقة. لكنها رأت مخلوقا راعها جماله الأخّاذ ووسامته الفائقة. وما فعلته سايكي استحقت عليه غضب افرودايت آلهة الجمال التي حكمت عليها بالنوم الأبدي الذي لم يخلّصها منه سوى عناق كيوبيد لها.
و كانوفا يصوّر في التمثال لحظة العناق تلك بأسلوب شاعري جميل. حيث يظهر كيوبيد وهو يطوّق سايكي بذراعيه بعد أن منحها قبلة الحبّ التي أنعشتها وأعادت إليها الوعي، بينما تضع هي في كفّه فراشة رمزا للصفاء والحبّ.
كان عمر كانوفا عندما بدأ العمل في التمثال لا يتجاوز الثلاثين. وما أن انتهى منه بعد ستّ سنوات حتى كان الفرنسيون قد احتلّوا روما وقرّروا نقل التمثال إلى باريس.
يتميّز هذا التمثال بخطوطه الإيقاعية الناعمة وبتناغم وديناميكية حركة الشخصيّتين وباللمسات الزخرفية الرقيقة التي أضافها النحّات إلى التمثال.
هناك أيضا طريقة الفنان البارعة في تمثيل النظرات المتبادلة والإيماءات التي تبدو مترابطة ومتناغمة.
والحقيقة أن كلّ تفصيل في هذا التمثال البديع يشير إلى براعة وإتقان منقطعي النظير. وقد أصبح في ما بعد مصدر الهام للعديد من الفنانين كما استُنسخ طيلة القرن التاسع عشر.
بعد أن اشتهر التمثال خارج ايطاليا وفرنسا، طلب الأمير الروسي نيكولا يوسوبوف من كانوفا عمل نسخة أخرى معدّلة منه. وهي اليوم موجودة في متحف الارميتاج في سانت بيترسبيرغ.
وتحت تأثير إعجاب الروس بموهبة كانوفا عرضوا عليه مرارا الذهاب إلى موسكو والإقامة فيها بشكل دائم. لكنه رفض كل تلك العروض والإغراءات وفضّل البقاء في ايطاليا.
بعد سنوات، أي بعد زوال حكم نابليون، اُرسل كانوفا إلى باريس للشروع في إعادة الكنوز الفنية التي نهبها الفرنسيون من ايطاليا.
لكن لم يكن بالمستطاع نقل التمثال وإعادته إلى ايطاليا خوفا من أن يتعرّض للتلف أثناء الطريق. وقد انتقل في وقت لاحق من عهدة الحكومة الفرنسية إلى متحف اللوفر حيث ظلّ فيه إلى اليوم.
ولد انتونيو كانوفا في فينيسيا لعائلة فقيرة. وفقد والديه وهو ما يزال طفلا ثم انتقل للعيش في كنف جده. ومنذ صباه كان يظهر ميلا للنحت. وقد خدمه الحظّ كثيرا عندما تعرّف على احد أعيان فينيسيا الذي عهد به إلى اثنين من أشهر النحّاتين في ذلك الوقت للعمل على تدريبه وصقل موهبته.
وفي السنوات الأخيرة من حياته أحيط بالكثير من الرعاية والتكريم وعد احد النبلاء كما قلّد عددا غير قليل من الأوسمة والجوائز اعترافا بمكانته وعبقريته.
ومن أشهر أعماله النحتية الأخرى "فينوس وأدونيس" و"هكتور وأياكس" و"الفضائل الثلاث" وسواها.
الجدير بالذكر أن أسطورة كيوبيد وسايكي ظلّت منذ القدم مصدر إلهام للكثير من الشعراء والأدباء والفلاسفة.
وهناك أعمال فنية تشكيلية ونحتية عديدة مستمدّة من هذه الأسطورة، لعلّ أشهرها لوحة الفنان الفرنسي فرانسوا جيرار بنفس الاسم.

بورتريه للفنانة في سيارة البوغاتي الخضراء للفنانة البولندية تمـارا دي لـيمبـتسـكـا

تمارا دي ليمبتسكا هي أحد الرموز الكبيرة لما ُعرف بـ "الفن الديكوري Art Deco"، وهو أسلوب في الرسم يمزج بين التكعيبية والمستقبلية، وقد وصل ذروته في باريس في ما بين عامي 1925 و 1935 .
ولدت دي ليمبتسكا في روسيا لعائلة بولندية موسرة، وبعد طلاق أبويها عاشت في كنف جدّتها التي وفّرت لها، هي الأخرى، حياة مرفّهة ومريحة.
وبعد نشوب الحرب بين الألمان والروس في 1914، وقعت دي ليمبتسكا في حبّ محام بولندي اسمه تاديوش لمبتسكي، وبعد زواجهما هاجرا إلى فرنسا.
في باريس درست دي ليمبتسكا الفن الديكوري واصبحت خلال فترة قصيرة رسامة بورتريه ُيشار لها بالبنان.
كان الفن الديكوري جزءا من الحياة الباريسية المتميّزة بالغرابة والإثارة والأضواء. وهذا أدى بالتالي إلى رفع حظوظ الفنانة على المستويين الاجتماعي والفني.
وقد رسمت دي ليمبتسكا بورتريهات لكتاب وفنانين وعلماء ونبلاء، ومع الأيام اتسعت شهرتها واصابت الكثير من النجومية والثروة.
وقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية هاجرت الفنانة من باريس إلى امريكا، وذهبت إلى هوليوود لتصبح الفنانة المفضلة عند نجوم ونجمات هوليوود.
في أمريكا تركّز الاهتمام اكثر على شخصية دي ليمبتسكا التي تشبه ملامحها ملامح الممثلة غريتا غاربو ، وكانت حفلاتها الصاخبة ونزواتها الغريبة حديث أوساط المجتمع هناك بينما لم تنل لوحاتها كبير اهتمام يذكر.
وفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ومع ظهور موجة التعبير التجريدي وتقدّم دي ليمبتسكا في العمر، توقّفت عن الرسم وانحسرت عنها الأضواء ولم يعد أحد يذكرها سوى بالكاد.
لكن مع عودة الاهتمام مجدّدا بالفن الديكوري ورسم الأشخاص، أعيد اكتشاف تمارا ليمبتسكا من قبل أوساط الفنانين والنقاد.
أعمال دي ليمبتسكا هي مزيج من البذخ والتخلّع والتمرّد، وتلك كانت سمات المجتمع الباريسي في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. وفي لوحاتها تركيز على الزخرفة اكثر من الجوهر أو المضمون. ومن أهم ملامح أسلوبها الفني براعتها في رسم الأشكال الناعمة والمستديرة والخطوط المعمارية التي تعكس الجانب الحضري للمجتمع واستخدامها القوي للألوان والأشكال ذات الحوافّ الحادة، واظهارها أطراف النساء على هيئة أشكال أنبوبية أو أسطوانية.
ويمكن اعتبار لوحاتها، بشكل عام، بمثابة احتجاج ضدّ النظرة الدونية التي كانت ُتعامل بها الأنثى في زمانها.
هذا البورتريه الذي رسمته تمارا دي ليمبتسكا لنفسها يعتبر اشهر أعمال الفنانة وأكثرها استنساخا وظهورا في العديد من المجلات والكتب، وفيه تظهر بهيئة المرأة المتحرّرة التي تقود سيارتها بكبرياء وتحدّ وثقة. وقد ظهر البورتريه لاول مرّة على غلاف إحدى مجلات الموضة التي كلفت الفنانة برسمه، ليصبح في ما بعد ايقونة ترمز لتحرّر النساء واستقلالهن.
في عام 1978 وبعد رحيل زوجها الثاني، انتقلت دي ليمبتسكا من أمريكا لتعيش بشكل دائم في المكسيك. وهناك أحسّت باليأس والإحباط جرّاء تقدّمها في السّن وغروب جمالها واصبحت تفضّل مصاحبة الفتيان اليافعين وكانت دائمة الخصام والتحدّي حتى النهاية.
وفي مارس من العام 1980 توفيت دي ليمبتسكا بينما كانت نائمة في بيتها، وكانت ابنتها الوحيدة إلى جوارها. وُنفّذت وصيّتها في أن ُتحرق جثتها وُينثر رمادها فوق قمة بركان بوبوكاتيبتل في المكسيك.


يوم أحد في جزيـرة لاغـران جـات للفنان الفرنسي جـورج بيـير ســورا

تعتبر هذا اللوحة إحدى اكثر الأعمال الفنية العالمية شهرةً وتميّزا منذ أن رسمها جورج سورا في العام 1886، إلى أن انتهى بها المطاف أخيرا في معهد شيكاغو للفن.
كان عمر سورا عندما أنجز اللوحة خمسة وعشرين عاما، ولم يعش بعد ذلك اكثر من سبع سنوات.
وقد اتبع الفنان في رسم اللوحة تكنيكا فنيا مبتكرا، فالأشخاص منعزلون عن بعضهم البعض نفسيا، وعلى امتداد مساحة اللوحة يظهر عمّال ونساء ورجال وأطفال وحيوانات وجنود بالزي الرسمي. وليس في اللوحة ما يشي بملامح الأشخاص أو انطباعاتهم. فكل ما نراه هو أشكالهم التي يبدو كما لو أنها تجمّدت في مشهد ُقطع فجأة.
سورا مزج في اللوحة بين العلم والفن، واستخدم الأشخاص ككتل لبناء اللوحة. والمشهد بعمومه يوحي بالعزلة، فالناس منعزلون عن بعضهم وعن جمال الطبيعة من حولهم. ولا يبدو الفنان مكترثا كثيرا بالارتباط الانفعالي والعاطفي بين شخوص لوحته، إذ كل واحد مشغول بنفسه. كما أن توظيف الفنان للنقط اللونية المبعثرة يكرّس الإحساس بالعزلة والاغتراب.
وأجواء اللوحة ليست بعيدة عن حياة الفنان نفسه، فقد كان سورا شخصا كتوما ومتأملا ومنعزلا.
كان جورج سورا ينتمي للطبقة الباريسية المتوسطة ويتمتّع بالوسامة والثراء كما تلقى تعليما ممتازا مكّنه من إظهار موهبته الفنية في سنّ مبّكرة.
وكان في طليعة الفنانين الذين انتهجوا الأسلوب النقطي ، وقد عرف عنه اهتمامه الكبير بالتفاصيل وبالعلاقة بين الضوء الطبيعي وتفاصيل اللوحة.
كان لجورج سورا نظريته الخاصة في الفن وكان معنيا كثيرا بالتركيز وقوّة الملاحظة تاركا للمتلقي حرية تكوين انطباعاته الخاصة عن العمل الفني.
وكان يرى أن الرسم النقطي ينتج ألوانا اكثر سطوعا مما ينتجه الرّسم من خلال ضربات الفرشاة الواسعة.
وقد قضى سورا سنتين في رسم هذه اللوحة بدأها بدراسة ارض الحديقة ووضعيات الأشخاص في اشكالهم وليس في شخصياتهم، إذ لم يكن مهتمّا كثيرا بانفعالات الأشخاص بقدر اهتمامه بأناقة وتناغم هيئاتهم.
في هذه اللوحة التي نفّذها جورج سورا بشاعرية فائقة، يبدو العالم وكأنه توقّف فجأة ليكشف عن لحظة صفاء وسلام.
ولا يقلل من شاعرية المشهد حقيقة أن كلّ مجموعة فيه منشغلة بنفسها وتتحرّك ضمن فضائها الخاص.


بورتريه جينيفـرا دي بيـنشـي للفنان الإيطــالي ليــونــاردو دافـنـشـي

كانت جينيفرا دي بينشي سليلة عائلة نبيلة من فلورنسا.
وقد يكون البورتريه ُرسم للفتاة بمناسبة زواجها من لويجي نيكوليني في العام 1474م.
وثمة إشارات كثيرة تؤكد بأن ليوناردو دافنشي رسم اللوحة بناءً على أمر من سفير البندقية في فلورنسا وهو صديق كان مقرّبا من المرأة ومعجبا بها.
وقد عمد ليوناردو إلى استخدام يده بالإضافة إلى الفرشاة لمزج الألوان بطريقة تنتج حوافّ ناعمة ورقيقة.
وفي البورتريه تظهر براعة الفنان في إضفاء جمال سماوي على ملامح المرأة. وهي هنا تنظر بكبرياء مشوب بقدر غير قليل من التكتّم والغموض على خلفية من أشجار معتمة وأجواء ضبابية.
ولعل ابرز سمات هذا البورتريه هي طريقة الفنان في تمثيل الشعر المجعّد والبشرة الشاحبة، وهما سمتان كان دافنشي بارعا، على وجه الخصوص، في تمثيلهما في أعماله.
ومثلما تقدّم، ولدت جينيفرا لعائلة ارستقراطية من فلورنسا وتزوّجت من نيكوليني وهي بعدُ في سنّ السادسة عشرة. ويعتقد على نطاق واسع أن البورتريه الأصلي كان أطول مما يبدو في الصورة، إذ جرى في مرحلة لاحقة قصّ الجزء السفلي من اللوحة الذي يظهر وضعية يدي المرأة.
وقد بدأ تقليد رسم صور تحتفي بإناث من فلورنسا ينتمين في الغالب للأوساط الأرستقراطية في أواخر القرن الخامس عشر. لكن هذا البورتريه حظي دائما باهتمام خاص لان دافنشي ابتعد فيه عن النمط التقليدي لرسم البورتريه، إذ استخدم جانبي اللوحة الأمامي والخلفي معا، فرسم على الأمامي صورة المرأة، بينما رسم على الجزء الخلفي أشكالا دائرية كتب داخل أحدها عبارة باللاتينية تقول: الجمال يقدّس الفضيلة".
خلال تلك الحقبة بالذات لم يعد البورتريه مقتصرا على رسم الحكّام والنبلاء وعائلاتهم، بل شمل أيضا رسم نساء ورجال ينتمون إلى فئة التجّار والطبقات الوسطى بشكل عام.
ليوناردو دافنشي نفسه كان ينحدر من عائلة متواضعة النسب، إذ كان ابنا غير شرعي لمحام من مدينة فنشي الصغيرة في مقاطعة توسكان. لكن ليوناردو لم يلبث أن برز إلى المقدّمة بسرعة واحتلّ مكانة مرموقة وبارزة.
ويبدو أن هذا الفنان العظيم لم يتأثّر كثيرا باعتبارات نشأته الأولى. إذ ساعده على تجاوزها انه كان يتمتّع بجمال ذكوري لافت وصوت جذّاب وقوام فارع، بالإضافة طبعا لما أثبته في ما بعد من تميّز وبراعة في الرسم والرياضيات والفلك والهندسة. وكلّ هذه المزايا وغيرها هي التي جعلته يتعامل مع موضوعاته في الرسم بإحساس مرهف وشاعرية فائقة.
أما جينيفرا دي بينشي فلم تكن مجرّد زوجة جميلة فحسب، بل كانت جزءا من عائلة موسرة ومتعلمة. وكان لها نفوذ ثقافي اكبر من ذاك الذي كان للرجل الذي تزوّجته في العام 1974م.
فقد كانت أديبة وشاعرة، رغم أن أحدا لا يعرف اليوم شيئا عن أعمالها الأدبية.
لكن جمالها الأخّاذ كان موضوعا للعديد من قصائد الشعر التي كتبت في ذلك الزمان متخذة من المرأة رمزا للفضيلة والحبّ الأفلاطوني.


عـــيـــن للفنان الهولندي موريتـس ايشـر

يعتبر موريتس ايشر أحد ابرز فناني الغرافيكس في العالم، وله العديد من الأعمال الفنية التي تتناول ُبنىً وأشكالا يستحيل تصوّرها أحيانا، مثل الصعود والهبوط والنسبية وعالم التحوّلات والانتقال من عالم لاخر.
هذه الأعمال حفظت لايشر مكانة عالمية باعتباره أحد ابرع فناني الغرافيكس والخدع البصرية على نحو خاص.
ولد ايشر في هولندا وقضى بها معظم فترة شبابه. وكما هو الحال مع الكثير من العباقرة، فشل ايشر في اختبارات الثانوية، لكنه أبدى تفوّقا واضحا في كل ما له علاقة بالفن. وبتشجيع من أساتذته، بدأ في تلقي بعض الدروس الخاصة في المعمار والفن.
وبحلول العام 1919 كان الفنان قد حقّق بعض النجاح والشهرة بفضل أعماله التي استخدم فيها القطع الخشبية كوسيط.
وفي محاول للبحث عن الإلهام، رحل إلى ايطاليا، حيث تزوّج فيها ومكث اكثر من عشر سنوات رسم خلالها معظم أعماله الفنية المعروفة.
وحتى اليوم، ما تزال لوحات موريتس ايشر تحظى بشعبية كبيرة، واهمّها، بل واشهرها على الأرجح، هي هذه اللوحة التي توفّر نموذجا ممتازا عن الأسلوب الذي اتبعه ايشر وأطلق عليه الانعكاس الكروي. إذ رسم عينا، هي في الحقيقة عين الفنان نفسه، وهي في حالة انعكاس في مواجهة مرآة مقعّرة. وقرّر أن يرسم داخل العين جمجمة بشرية كتجسيد لرؤية فلسفية كان ايشر يؤمن بها وملخّصها، بكلماته هو، أن الموت يترصّد الإنسان أينما ذهب أو ارتحل وهو في مواجهة دائمة معه سواء أراد ذلك أم لم يرد.
لم يتمّ اكتشاف ايشر وأسلوبه المبتكر سوى في العام 1952 وكان عمره آنذاك 53 عاما.
ومثل جميع فناني الغرافيكس تقريبا، فإن ايشر نفّذ جميع أعماله الفنية باستخدام اللونين الأبيض والأسود في الأساس، بالإضافة إلى ظلال هذين اللونين وتدرّجاتهما المختلفة.



دون كيـشــوت للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو

كان يعيش في إحدى قرى إسبانيا رجل هزيل الجسم شاحب اللون في الخمسينات من عمره.
لم يكن لدى الرجل الكثير ليفعله، لذا فقد كان يمضي وقته في القراءة. وكان ضوء الشمعة الشاحب يملأ زوايا غرفته مشكّلا صورا واخيلة شبحية لعمالقة وتنّينات ضخمة. كانت الكتب التي أدمن دون كيشوت على قراءتها تتحدّث عن فرسان العصور الخوالي الذين كانوا يجوبون الأرياف والقرى بحثا عن مغامرة هنا أو هناك. ويوما بعد يوم، كان الأفق ينفتح أمامه كأنّما يدعوه للشروع هو الآخر في مغامرة.
كان يعرف أنه هو نفسه يجب أن يصبح فارسا، فبدأ الترحال بحثا عن المغامرات التي يحلم بها. وفي محاولة لتفخيم نفسه كما يفعل الفرسان فقد أسمى نفسه: دون كيشوت دي لا مانش.
رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني ميغيل دي سرفانتيس اعتبرت على الدوام واحدة من افضل الروايات شعبية ورواجا في العالم.
وقد ُجسّدت الرواية في اكثر من عمل سينمائي، لكن الأفلام المستقاة من الرواية لم تنصفها. ذلك أن تعقيد الشخصيات فيها والقصص العجيبة التي تزخر بها لا يمكن أن يحيط بها عمل سينمائي مهما بلغت درجة حرفيّته وتمكّنه.
الرواية عن دون كيشوت الرجل الإسباني البسيط ولكن الشهم، وقد سبق وأن قرأت الترجمة العربية المختصرة للرواية فأعجبتني، واكثر ما لفت انتباهي فيها هو إتقان تصوير المواقف الطريفة وروح النكتة التي نقلها المترجم بأمانة واقتدار، بالإضافة إلى جمال الأسلوب والسّرد الأخّاذ الذي يغري بقراءة هذا العمل الأدبي البديع مرّات ومرّات.
وقد كانت الرواية مصدر الهام للكثير من الأعمال الفنية، من اللوحات التشكيلية إلى المسرحيات والمقطوعات الموسيقية.
الفنان الإسباني بابلو بيكاسو رسم مواطنه دونكيشوت "أو دون كيخوته كما ُينطق اسمه بالإسبانية"، ولكن على طريقته الخاصة. وأول ما يلفت النظر في لوحة بيكاسو هو الطابع الكاريكاتوري الواضح الذي أضفاه الفنان على شخصية دونكيشوت. إذ اكتفى باستخدام اللونين الأبيض والاسود، وهو ملمح يتناقض كليّة مع أسلوب بيكاسو الذي تضجّ لوحاته عادة بالألوان وتدرّجاتها المختلفة.
وكما في الرواية، يبدو دونكيشوت هنا بسيطا وعفويا لكنه مستعدّ للقتال وركوب المخاطر، وهو وتابعه سانشو يقفان تحت شمس تعطي انطباعا بالتوهّج والحرارة، رغم أن بيكاسو رسم الشمس على هيئة دائرة صغيرة تحيط بها خطوط سوداء.
اللوحة تدفع الناظر إلى الابتسام وتشيع جوا من المرح الممزوج بالسخرية.
ولعلّ هذا ما كان يقصده بيكاسو، إذ اللوحة كما يبدو تختصر رؤيته الخاصّة لبطل رواية سرفانتيس.


جــاكــي الحـمــراء للفنان الأمـريكي انـدي وارهــول

اندي وارهول هو أحد رموز ما يعرف بالفنّ الشعبي الحديث. وقد ولد في ماساشوسيتس في العام 1928 لأبوين من اصل سلوفاكي، وأظهر موهبة فنية واضحة وهو ما يزال في سنّ مبكّرة.
ُعني وارهول في البداية برسم المنتجات التجارية بغرض الترويج لها، وربّما كان افضل مثال على ذلك هو لوحته التي تروّج لعلب الكامبل سوب (Cambell Soup Cans).
وسرعان ما حقّق وارهول المزيد من النجاحات واصبح الرسّام المفضّل لمجلات شهيرة مثل فوغ Vogue وغيرها..
وفي مستهلّ الستّينات من القرن الماضي بدأ وارهول في رسم لوحات لشخصيات مشهورة مثل مارلين مونرو و اليزابيث تايلور وغيرهما. وكان وارهول يركّز في أسلوبه الفني على إزالة الفوارق بين الفنّ التشكيلي والفنون التجارية التي تستخدمها المجلات والكتب الساخرة والحملات الإعلامية.
وفي العام 1962 أسّس وارهول ما ُعرف باستديو "المصنع"، حيث استعان بالكثير من العمال ذوي المهارات الفنية لانتاج لوحات وملصقات بكميات كبيرة تروّج لسلع ومنتجات تجارية وأفلام سينمائية.
وفي نهاية الستّينات تعرّض الفنان لمحاولة اغتيال على يد امرأة كانت تعمل في "المصنع". ورغم انه أصيب بثلاث رصاصات في صدره جرّاء المحاولة، فإنه نجا من الموت بأعجوبة، لكنه ظلّ يشكو من آثار ذلك الحادث بقيّة حياته.
وبعد تلك المحاولة، حدثت انعطافة حادّة في حياة وارهول ومساره الفنّي، فقد اخذ يكرّس جلّ وقته لرسم لوحات للمشاهير من الرجال والنساء مثل ميك جاغر ومايكل جاكسون وبريجيت باردو وسواهم.
في العام 1963، رسم اندي وارهول سلسلة من اللوحات لـ جاكلين كينيدي الأرملة الحزينة التي أصبحت محطّ اهتمام وتعاطف الرأي العام الأمريكي بعد اغتيال زوجها جون كينيدي.
وجاكي الحمراء هي إحدى اشهر هذه اللوحات، وقد استخدم وارهول لإنجاز اللوحة صورة فوتوغرافية التقطت لجاكلين كينيدي قبيل وقوع الحادث المأساوي.
في هذه اللوحة تبدو جاكلين سيدة واثقة وذكية. وقد استخدم وارهول خلفية حمراء للتأكيد على ملامح وجه المرأة وأضفى على شفتيها لونا احمر يتماشى مع الخلفية، في حين بدت ابتسامتها مشرقة تعكس شخصية امرأة تتصف بالرضا والعفوية.
وفوق عيني السيدة استخدم الفنان ضربات فرشاة بلون ازرق مائي، بينما اختار أن يلوّن أطراف شعرها الأسود بالأزرق الغامق. والنتيجة هي هذا التباين الحادّ مع اللون الأحمر الذي طغى على معظم اللوحة وأوحى للفنان بعنوانها.
اشتغال وارهول برسم المشاهير أدّى في النهاية إلى انه هو نفسه اصبح فنانا مشهورا بل وأحد أهمّ فناني ما ُيعرف بالفنّ الشعبي.
وارهول كان في الواقع شخصية غريبة الأطوار، فقد كان يصبغ شعره باللون الذهبي، وكثيرا ما كان يرتدي باروكات شعر فضّي، كما كان معروفا بميوله المثلية الجنسية.
توفي وارهول في عام 1987 بعد مضاعفات صحية إثر عملية أجريت له في المثانة، وشارك في جنازته اكثر من ألفي شخص.


عـازف الغيتـار العجـوز للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو

لوحة شهيرة أخرى رسمها بيكاسو خلال ما ُعرف بالمرحلة الزرقاء (1901 – 1904).
في الفترة التي سبقت المرحلة الزرقاء، كان بيكاسو يركّز على رسم الأزهار مستخدما ألوانا قاتمة.
وفي المرحلة الزرقاء اصبح اللون الأزرق يطغى على اللوحات التي رسمها الفنان في تلك الفترة.
وقد تباينت التفسيرات عن سبب اقتصار بيكاسو على الرّسم بذلك اللون تحديدا، لكن اقرب تلك التفسيرات إلى المنطق هو أنه أراد من خلال استخدامه ذلك اللون بالذات تصوير الحالة النفسية التي كان يمرّ بها آنذاك. وهي مزيج من الحزن والسوداوية والبرود، نتيجة ظروف عدّة عاشها بيكاسو كان من أهمّها انتحار أحد أصدقائه المقرّبين.
أما الموضوع المهيمن على لوحات المرحلة الزرقاء فقد كان حياة الفنان نفسه الذي كان يعاني النبذ والعزلة، وقد كان يرى ذاته في صور الفقراء والمتسوّلين الذين كان يرسمهم.
لوحات بيكاسو في المرحلة الزرقاء كانت، بمعنى ما، تلخيصا لحياة الفنان نفسه. إذ كان يعاني الفقر والحزن، كما كان واقعا تحت تأثير ابتعاده عن عائلته في برشلونة. ولوحاته في تلك الفترة تشي بتعاطفه العميق مع المنبوذين والفقراء والمكفوفين وذوي العاهات، وباختصار كل من يعيش على هامش الحياة.
ولوحة "عازف الغيتار العجوز" توفّر نموذجا ممتازا لطبيعة لوحات المرحلة الزرقاء، التي تعمّد فيها بيكاسو رسم شخوص لوحاته بهيئات منكسرة ومشوّهة.
في هذه اللوحة تمكّن بيكاسو من التعبير ببراعة عن التدهور الجسماني والمعنوي للشخصية موضوع اللوحة. هنا يبدو العازف العجوز الأعمى بملابسه الرثّة وجسده الكليل وهو يعزف على غيتاره بلا اهتمام، وقد اتّخذ وضع جلوس غير مريح وبدا كما لو انه لا ينتظر أيّ عزاء أو إشادة من العالم المحيط به، أو كما لو أن الحياة تسرّبت من جسده الشاحب ولم تعد تعني له شيئا.
العازف العجوز كان أحد بؤساء المرحلة الزرقاء، أي نفس الفئة التي وجد بيكاسو نفسه متعاطفا مع أفرادها بعيد وصوله إلى باريس لاول مرة وكان عمره لا يتجاوز التاسعة عشرة.
وقد افرد بيكاسو لهذه الفئة العديد من اللوحات التي تصوّرهم في كافة أشكال الحرمان والبؤس مستخدما اللون الأزرق، الذي اصبح بفضل بيكاسو ومرحلته الزرقاء رمزا للسوداوية والحزن وخلوّ الحياة نفسها من أي معنى أو هدف.


الســونــاتــا للفنان الأمريـكي تشــايلـد هـاســام

رغم غرابة اسمه بعض الشيء، فإن تشايلد هاسام ولد في ولاية ماساشوسيتس في العام 1859 لأبوين من أصول انغلوساكسونية. وقد تلقّى تعليمه الأساسي في مدرسة الفنون في بوسطن، ثم انتقل إلى باريس حيث درس في مدرسة الفنون الجميلة بها.
وكان منذ البداية مناصرا للمدرسة الانطباعية، يشهد على ذلك لوحاته العديدة التي استمدّ مواضيعها من أجواء الريف في نيو انغلاند.
كان هاسام يؤمن بأن الطريقة المثلى التي يترك الفنان من خلالها بصمة لا تمحى هي أن يرسم عصره هو ويركّز على نقل مشاهد الحياة اليومية من حوله.
أعمال هاسام الفنية موزّعة اليوم على اشهر المتاحف وغاليريهات الفن في الولايات المتحدة.
من اجمل هذه الأعمال وأكثرها شهرةً لوحته "السوناتا"، وهي لا تختلف كثيرا عن العديد من لوحاته الأخرى، كونه مزج فيها بين الألوان الساطعة التي تميّز بها الانطباعيون وبين الأسلوب الأكاديمي، خاصّة في تمثيل الأشخاص.
والمعنى الذي تنطوي عليه لوحة "السوناتا" يعتمد في الأساس على العلاقة بين المرأة والموسيقى والزهرة التي تظهر على حافّة آلة البيانو.
وقد كانت فكرة رسم نساء بملابس بيضاء رائجة كثيرا في لوحات رسّامي القرن التاسع عشر، إذ كانت ترمز للبراءة والعفّة ونبل الفن.
ويرجّح أن يكون تشايلد هاسام استوحى عنوان اللوحة من اسم مقطوعة موسيقية شهيرة لبيتهوفن هي سوناتا العاطفة (Appassionate Sonata).
ويبدو أن الفنان مزج بين صورة المرأة ذات النظرات المنكسرة، والموسيقى الرقيقة التي تعزفها، والزهرة الضعيفة المستقرّة على طرف البيانو، لكي يثير الإحساس بالعاطفة المتّقدة مقرونةً بالشعور الانفعالي الذي يتولّد عن التجربة الفنية.
توفي تشايلد هاسام في العام 1935، بعد أن أوصى بضمّ أعماله الفنية المتبقية في مرسمه لأكاديمية الفنون في نيويورك.


ثــلاث قـطـط ســوداء للفنانة الكندية مــود لـويــس

لوحة شهيرة ومألوفة للكثيرين، وهي تجسّد البساطة والعفوية في أجلى معانيهما.
كانت مود لويس تهتمّ برسم مظاهر الحياة الريفية في مقاطعة نوفاسكوشيا، حيث الحيوانات والطبيعة وأنماط شتّى من أنشطة الحياة اليومية.
ومع ذلك لم تنظر لويس إلى نفسها يوما باعتبارها فنانة. فهي لم تتلقّ تعليما نظاميا في الفن ولم تذهب إلى غاليري يوما، لكنها كانت تمارس الرسم لأنها ببساطة كانت تجد فيه متعتها الكبرى.
عاشت مود لويس حياة غير سعيدة في اغلبها، إذ ولدت بإعاقة في ظهرها ويديها رافقتها طيلة حياتها. كما عانت طويلا من آلام المفاصل المزمنة.
ورغم ذلك رسمت الفنانة عددا كبيرا من اللوحات التي تصوّر القطط والطيور والغزلان والثيران، وتميّزت لوحاتها بإحساس قويّ بالموضوع وبراعة في التشكيل بفضل قوة الملاحظة والإدراك العالي لكل ما تقع عليه عيناها في الطبيعة المحيطة من صور ومؤثّرات.
كانت مود لويس تحبّ الحيوانات والأطفال كثيرا، لكن ولعها بالقطط كان استثنائيا، لدرجة أنها أصبحت عنصرا ثابتا في معظم لوحاتها.
و "ثلاث قطط سوداء" هي بلا شك اشهر لوحات الفنانة وأكثرها استنساخا وانتشارا، وهي نموذج لأسلوبها الفني المتفرّد. وأوّل ما توحي به اللوحة للناظر هو البراءة والعفوية، مع أن القطط تبدو هنا لعوبة وشقية بدليل هذه النظرات الصارمة التي توجّهها للناظر وذلك البريق المنبعث من عيونها وهي تجلس في هذا الجزء الهادئ من الحديقة محاطةً بالأزهار والفراشات.
كانت القطط مصدر سعادة كبرى للفنانة، وقد تمكّنت من تجسيد هذا الإحساس في اللوحة بطريقة عفوية وصادقة. وليس بالمستغرب أن ينجذب عشّاق القطط وباعتها وهواة اقتنائها إلى هذه اللوحة فيعلّقوها في بيوتهم ومتاجرهم.
في أخريات حياتها، أصبحت لوحات مود لويس اكثر بساطة من حيث التصميم واكثر غنى في الألوان والخطوط. ومع نضج أسلوبها الفني أصبحت تتبنّى رؤية فنية تنحو باتجاه المزيد من التجريد. وكانت عندما تروق لها لوحة من لوحاتها أو عندما يبدي الناس إعجابا باللوحة، تباشر في رسم نسخ أخرى منها مع بعض التعديل والتحوير وبما لا يؤثّر على الفكرة الأصلية للوحة.
توفّيت مود لويس في العام 1970 عن عمر ناهز السابعة والستين. وقد كانت حياتها موضوعا للعديد من البرامج التلفزيونية الوثائقية والكتب، كما انتج فيلم سينمائي عن حياتها وفنّها.


سيّــدة جزيــرة شـالــوت للفنان البريطاني جون ويليام ووترهاوس

ارتبط عصر الملك الانجليزي آرثر بالكثير من قصص السحر والأساطير.
ومن اشهر تلك الأساطير أسطورة سيّدة جزيرة شالوت. وتحكي الأسطورة عن سيّدة أصابتها لعنة وُحكم عليها بالعيش وحيدة في قلعة بجزيرة نائية تسمّى شالوت.
في القلعة عاشت السيّدة لوحدها بلا رفيق أو مؤنس، ولان القوى السحرية كانت تمنعها من النظر إلى الخارج مباشرة فقد كانت السيّدة تكتفي بالنظر إلى العالم خارج قلعتها من خلال مرآة.
وكانت المرأة تمضي وقتها داخل القلعة في الغناء وغزل النسيج. وكانت ترى كل شئ خارج ذلك المكان منعكسا في المرآة.
وذات يوم لمحت في المرآة خيال الفارس لانسلوت الذي كان من فرسان ارثر وكانت واقعة في حبه، فأطلت من النافذة متجاهلة نصائح السحرة.
وفي الحال تهشّمت المرآة ولاحت في الأفق نذر عاصفة قوية وكان ذلك دليلا على قوّة اللعنة وتأثير السّحر.
وفي صباح خريفي عاصف، تقرّر السيّدة مغادرة سجنها الانفرادي في القلعة وتبحر في قارب نقشت عليه اسمها. وخلال تلك النهرية تغني أغنية الموت الأخيرة. وبعد وفاتها، يعثر الأهالي على جثّتها ويتعرّفون عليها.
الفنان ووترهاوس كان مفتونا بالأساطير الارثرية والشخصيات الأدبية والتاريخية وجسّد بعضها في العديد من لوحاته. وقد استند في رسمه للوحة على مقطع من قصيدة للشاعر البريطاني الفرد تينيسون .
ولد جون ووترهاوس في روما، وعندما أتى إلى انجلترا درس في استديو والده، الفنان هو الآخر، ثم في أكاديمية الفنون الملكية.
تأثر بـ لورنس تاديما ورسم مشاهد من الحياة في إيطاليا حيث كان يقيم.
يغلب على لوحات ووترهاوس الطابع الكلاسيكي، لكنه مصنف بكونه منتميا للأسلوب ما قبل الرافائيلي بسبب تركيزه على رسم النساء الجميلات وافتتانه بفكرة الأنوثة وتبنيه للاتجاه الواقعي في الرسم.
من الجدير بالذكر أن أسطورة سيّدة شالوت كانت موضوعا للكثير من الروايات والأفلام والمقطوعات الموسيقية.


لاعبــو الـــورق للفنان الفرنسي بـول سيـزان

ُينظر إلى هذه اللوحة باعتبارها إحدى اشهر اللوحات في تاريخ الفن الحديث.
واللوحة هي واحدة من خمس لوحات رسمها الفنان بول سيزان وضمّنها نفس الفكرة: أشخاص يلعبون الورق.
وقد استمدّ سيزان موضوع اللوحة من أجواء منطقته الباريسية "ايكسان بروفانس" التي كانت تضم أخلاطا من البشر، من عمّال وحرفيين وفلاحين وأناس عاديين.
في اللوحة حاول سيزان إعادة اكتشاف وظيفة الحيّز والخطوط. وبناء اللوحة يعتمد في الأساس على مركز الزجاجة الكائنة في منتصف الطاولة، والتي تقسم الحيّز إلى مناطق متقابلة للتأكيد على الطبيعة الثنائية للموضوع.
كان سيزان صديقا مقرّبا من اميل زولا الذي اصبح في ما بعد أحد اشهر الروائيين الفرنسيين.
وقد تأثّر سيزان بكل من يوجين ديلاكروا و ادوار مانيه، لكنه تأثر اكثر بأسلوب كميل بيزارو الذي دعمه كثيرا وعرّفه بأسلوب الانطباعيين في تمثيل الضوء والإمساك بتأثيرات الطبيعة المتحوّلة، من خلال نثر الألوان بضربات خفيفة والاقتصاد في رسم الخطوط.
في "لاعبو الورق" يبدو الجوّ جادّا وكئيبا إلى حدّ ما، ومما يعزّز هذا الانطباع الطاولة ذات الألوان البنّية والخلفية الأكثر قتامةً بفعل مزج الألوان الزرقاء والسوداء.
وفكرة لعب الورق ظهرت في المراحل الأخيرة من حياة سيزان الفنية. ويقال بأن الفنان ربما أراد من وراء الفكرة تصوير المواجهات التي كانت تجري بينه وبين والده الذي كان ينتقص منه دائما ويشكّك في موهبته.
كان سيزان يهتّم في الغالب برسم الأشياء الأكثر ثباتا وديمومة كالمناظر الطبيعية والمباني والطبيعة الساكنة. و "لاعبو الورق" تعتبر خروجا على النسق الفني الذي اختطه لنفسه. وربّما يكون السبب عائدا إلى ارتباط الفنان الوثيق بأجواء وتفاصيل بيئته المحلية.
ولسنوات طوال ظلّ سيزان غير معروف سوى لدائرة صغيرة من زملائه القدامى ولبعض الفنانين الانطباعيين الجدد والمتحمّسين، من أمثال فان غوخ و بول غوغان .
لكن عند وفاته في العام 1904، كان سيزان قد حقّق مكانة أسطورية بين فنّاني عصره، وُعرضت أعماله في اكبر المعارض الفنية، وكان يتقاطر على مرسمه الكثير من الفنانين الشبّان لملاحظته والتعلّم منه.
ومنذ سبع سنوات بيعت لوحته المسمّاة "ستارة وآنية خزف وصحن فاكهة Rideau, Cruchon et Compotier" في مزاد سوثبي بأكثر من ستين مليون دولار، لتصبح بذلك سادس أغلى لوحة فنية في العالم.


بورتـريـه الأميــرة ليـونيـلــلا للفنـان الألمـانـي فرانـز ونتـرهـولتـر

الانطباع الأوّلي الذي يخطر بالذهن عند النظر إلى هذا البورتريه الجميل هو انه لاحدى الخليلات أو المحظيات اللاتي كانت تغصّ بهنّ قصور السلاطين العثمانيين، وما كانت تحفل به تلك القصور من مغامرات عاطفية وأسرار غامضة.
لكن المرأة لا علاقة لها في الحقيقة بعالم الحريم أو بلاط العثمانيين.
ليونيللا كانت أميرة ألمانية تنحدر من عائلة عريقة من منطقة الراين، وكانت معروفة بذكائها وجمالها الأخّاذ.
وهي تبدو في هذه اللوحة الشهيرة مستندة على أريكة تركية في شرفة تطل على منظر طبيعي من أشجار وجبال وسماء مغطّاة بالغيم.
هنا تجلس الأميرة مرتدية فستانا من الحرير الباذخ وقد لفّت حول خصرها شريطا زهريا بينما طوّقت ذراعيها بوشاح من الأرجواني والأسود.
وتحت حاجبيها المرسومين بعناية، بدت عيناها تحدّقان في الناظر بتأمّل وصمت، بينما راحت أصابعها تداعب حبّات اللآلئ الضخمة التي تزيّن جيدها.
في اللوحة استخدم الفنان ألوانا قاتمة لتتباين مع لون بشرة المرأة ولإضفاء شئ من الإثارة المحسوبة بعناية ولتكثيف الإحساس بفخامة المكان وجلال صاحبته.
ولم يكن ممكنا للفنان أن يغامر بتضمين لوحته ملمحا حسّيا لولا انه كان يعرف أن مكانة الأميرة الاجتماعية كانت تعصمها من هجوم وانتقاد العامة.
ولد الفنان فرانز ونترهولتر في ألمانيا، وتلقّى تعليما في الفنون بأكاديمية موناكو. واصبح في ما بعد رسّاما في بلاط لوي فيليب ملك فرنسا.
ونترهولتر لم يكن يتمتّع بكبير شعبية في بلده ألمانيا، ومع ذلك فقد كان يحظى بالقرب من العائلات الملكية في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا حيث ُكلف برسم العديد من البورتريهات لأفراد تلك العائلات.
كان ونترهولتر بارعا على وجه الخصوص في تمثيل المناخ الاجتماعي والسياسي لكل بلاط، يظهر هذا واضحا في الكثير من أعماله التي تعتبر إلى حدّ كبير انعكاسا وتجسيدا لطبيعة حياة الطبقة الأرستقراطية الأوربية في منتصف القرن التاسع عشر.


بورتريـه الشـاعـرة آنـّا أخمـاتـوفـا للفنان الـروسي ناثـان آلتـمـان

ولد ناثان آلتمان في اوكرانيا سنة 1889 ودرس الفن في اوديسا قبل أن يغادر إلى باريس في العام 1910.
في باريس اتّصل آلتمان بشاغال وبيكاسو وشتيرينبيرغ قبل أن يعود بعد ذلك بعامين إلى سينت بترسبيرغ.
لوحته عن الشاعرة الروسية الكبيرة آنا أخماتوفا تعتبر اشهر أعماله على الإطلاق، كما أن اللوحة تعتبر بلا شك أحد اشهر الأعمال الفنية العالمية.
في هذه اللوحة ثمّة مسحة من التأمّل والغموض، والشاعرة تبدو هنا جالسة على أريكة ومرتدية فستانا ازرق بينما لفّت حول ذراعيها وشاحا اصفر. هنا يلاحظ بوضوح غلبة اللونين الأزرق والأخضر وظلالهما على معظم مساحة اللوحة ومن الواضح أيضا أن الفنان استخدم في رسمه للوحة أسلوبا يقترب كثيرا من التكعيبية.
آنا اخماتوفا هي أحد الأسماء الكبيرة في الشعر الروسي المعاصر وقد اشتهرت بأشعارها التي يغلب عليها الطابع الذاتي والموسيقيّ أسوة بالشاعر الكبير بوشكين.
تزوّجت الشاعرة اخماتوفا من الشاعر نيكولاي غوميليف في العام 1910، وتصدّت بشجاعة لستالين وهاجمته بضراوة، الأمر الذي دفع النظام آنذاك إلى سجنها سبعة عشر عاما، بعد أن اتّهمها بـ "الترويج للانحلال البورجوازي والانشغال بالأمور التافهة كالحديث عن الله والحب".
عالجت اخماتوفا في شعرها مواضيع متعدّدة مثل الزمن والذاكرة والحب المأساوي والأنوثة والمرأة المبدعة ومصاعب العيش والكتابة في ظل الستالينية.
وفي مراحل لاحقة أضافت إلى شعرها موتيفات دينية ووطنية.
في العام 1921 أعدمت السلطات زوجها بعد اتهامه بالضلوع في مؤامرة لقلب النظام. ولم تلبث السلطة أن اعتقلت ابنها الوحيد ونفته إلى سيبيريا. بعد تلك الأحداث أصبحت اخماتوفا أسيرة للحزن والعزلة والصمت، وعانت من إقصاء وتجاهل زملائها من الشعراء والأدباء الروس.
وفي 1946 هاجمها الحزب الشيوعي بعنف واتّهمها بتسخير شعرها للترويج للإباحية والتصوّف واللامبالاة السياسية، الأمر الذي أدّى إلى طردها من اتحاد الكتاب السوفيات.
في ما بعد، أنجزت اخماتوفا ترجمات لاشعار فيكتور هوغو و رابندرانات تاغور، ونالت جائزة إيطاليا للشعر العالمي كما حصلت على درجة دكتوراه فخرية من جامعة اكسفورد.
بعد وفاتها نمت شهرتها اكثر وُترجمت أشعارها إلى معظم اللغات الحية، واعتبرت إحدى اعظم الشاعرات في العالم. ومنذ سنوات أعيد لها الاعتبار في بلدها روسيا وُسمح بإعادة طبع ونشر أعمالها الشعرية الكاملة.
بالإضافة إلى بورتريه الشاعرة اخماتوفا، رسم ناثان آلتمان مناظر للطبيعة حاول فيها بعث تقاليد الانطباعيين كما أنجز رسوما توضيحية لبعض روايات غوغول.
عندما عاد إلى روسيا في العام 1935 وجد آلتمان نفسه يعيش في أجواء سياسية وأيديولوجية صارمة تتّسم بالضغوط والقهر. وأدرك أن رسوماته، الطليعية والتجديدية، بعيدة جدّا عن معايير الواقعية النقدية التي فرضها الحزب الشيوعي على الأدباء والفنانين، فشغل نفسه بالمسرح حيث اشرف على تصميم مشاهد وأزياء مسرحيات شكسبير وسواه من الكتاب المسرحيين.


الجـواد ويسـل جـاكيــت للفنان البريطاني جــورج ستـبــس

يعتبر جورج ستبس اشهر من رسم الحصان من الفنانين القدامى والمعاصرين على حدّ سواء. وقد رسم هذه اللوحة الضخمة والشهيرة في حوالي العام 1762 بناءً على طلب الماركيز بروكنغهام صاحب الجواد.
هذه اللوحة ما تزال تفتن الفنانين ودارسي الفن. ويعتقد بعض النقاد أنها لم تكتمل، إذ يُفترض أن ستبس الذي اشتهر أيضا برسم مناظر طبيعية وبوتريهات لاشخاص كان ينوي ملء الخلفية بمنظر طبيعي وبصورة لجورج الثالث ملك انجلترا في ذلك الوقت.
لكن الخلافات السياسية بين الماركيز والملك فرضت على الفنان أن يترك اللوحة فارغة إلا من صورة الجواد.
في تلك الفترة أنجز ستبس سلسلة من اللوحات لجياد جماعية أو بصحبة كلاب صيد. ثم رسم لوحات أخرى لأسود ونمور وزراف صوّرها من خلال المشاهدة والملاحظة. لكن الفنان ما لبث أن انشغل بفكرة رسم جياد في حالة صراع مع اسود مفترسة.
لوحة "الجواد ويسل جاكيت" تصوّر حصانا فخما ينحدر من اصل عربي وكان بطلا لا ينازع في سباقات الخيول التي كانت تجري آنذاك. وكما هو واضح ليس في المشهد أشخاص ولا مناظر طبيعية، والفراغ المحيط باللوحة يوجّه اهتمام الناظر كليا إلى الجواد الذي يثب في الهواء ويرمق الناظر بعين كبيرة سوداء ينبعث منها البريق.
ويرى بعض النقاد أن اللوحة هي بمعنى ما دراسة رومانتيكية تجسّد الحرية والانعتاق، إذ يظهر الجواد وقد تحرّر من القيود التي كانت تكبّله في الحياة الواقعية ليمارس انطلاقه في فراغ مجرّد ولا نهائي.
كان ستبس يؤمن دائما بأهمية الملاحظة في الإبداع، وقد زار إيطاليا في عام 1754 دارسا ومنقّبا، وهناك تعزّزت قناعته بأن الطبيعة تتفوّق على الفن.
تخصّص ستبس في رسم الخيل في حقبة تاريخية كانت فيها الخيول تتمتّع بمكانة عظيمة واستثنائية. وكانت الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا في ذلك الوقت شغوفة جدا بتربية واقتناء الخيول.
وقد درس الفنان بشكل معمّق تشريح جسم الحصان وله دراسة تفصيلية عن الخصائص الجسدية للخيل.
لكنه حرص في هذه اللوحة الرائعة على إظهار الانفعالات الداخلية للحيوان من قبيل توتّره الواضح وقوّته الجبّارة وروحه الحرّة وعزيمته المتوّثبة وتلك النظرة المرتعبة التي تنطق بها عيناه. كان الحصان وما يزال موضوعا متكرّرا في الأدب والفنّ. وكان له أثره في التاريخ الإنساني بما يفوق ما لغيره من الحيوانات الأخرى. كان يحمل المستكشفين والرحّالة والجيوش إلى ابعد الأماكن والقارّات. ورغم أن أمجاد الحصان أصبحت جزءا من الماضي، فإنه ما يزال يدهشنا ويفتننا. يكفي أن يهمس السائس أو المدرّب بكلمة أو اثنتين في أذن الحصان حتى يتحوّل من مخلوق جامح متوحّش إلى حيوان رقيق ووديع.
ويقال إن الحصان الموجود اليوم متطوّر كثيرا عن أسلافه. فقبل حوالي خمسين مليون عام، كان الحصان حيوانا صغيرا بحجم الثعلب يسرح ويمرح في غابات أمريكا الشمالية ويتغذّى على الفاكهة وورق الشجر.
وقد احضر الأسبان معهم الحصان إلى العالم الجديد في حوالي القرن الرابع عشر وأطلقوه في البراري حيث تكاثرت قطعان كثيرة ممّا يسمّى بالجواد البرّي.
والثابت أن الإنسان استأنس الحصان منذ حوالي 5000 عام. ومنذ ذلك الوقت لعب الحصان دورا مهمّا في صياغة حياة الإنسان وأسلوب معيشته سواءً في المواصلات أو في الحروب وغيرهما.
وأينما نقل الإنسان خطاه في مشواره الطويل منذ العصور البربرية، كنت تجد آثار الحصان إلى جواره جنبا إلى جنب.
ونظرا لارتباطه بالحروب والمعارك، فقد صار يرمز إلى القوّة والسلطة والمكانة العالية.
ومع ظهور عصر الشاحنات والعربات والقطارات تضاءل الاعتماد على الحصان لأغراض المواصلات. لكن هذا لم يمنع المستكشف الانجليزي جيمس وات من ابتكار مصطلح قوّة الحصان ليجعله مقياسا لقوّة المحرّكات الحديثة، وهو أمر يوحي بما لهذا الحيوان من احترام وهيبة.
حتى سائقي سيّارات السباق هذه الأيام يتفقون على أن أفضل سيّارات السباق أداءً وسرعة لا تماثل أبدا ما يتمتّع به الحصان من شخصية آسرة ومن مكانة وعنفوان.
وأخيرا، قد يكون الكلب أفضل صديق للإنسان. لكنّ الذي كتب التاريخ كان حصانا.


بورتريـه نبيــل عجــوز للفنان الإسبـاني إل غـريكــو

ولد إل غريكو "ومعنى الاسم باللاتينية: اليوناني" في العام 1541 بمقاطعة كريت التي كانت في ذلك الوقت جزءا من فينيسيا الإيطالية.
بدأ الفنان تجربته الفنية برسم لوحات ذات مضامين دينية مستمدّة من العصر الروماني. وكانت تلك اللوحات، كما هو الحال مع بقية أعماله التي أنجزها في ما بعد، مكثفة بالانفعالات القوية.
ُعرف عن إل غريكو تركيزه على نقل التعبير الانفعالي لشخصياته والتأكيد على الملامح الروحية لتلك الشخصيات. ويمكن النظر إلى لوحاته باعتبارها دراسة معمّقة عن حياة المجتمع الإسباني الذي عاش فيه معظم حياته.
وله من الأعمال حوالي 84، معظمها بورتريهات لأشخاص.
في مستهلّ حياته هاجر إل غريكو إلى فينيسيا ثم إلى روما حيث درس أعمال تيشيان واعجب بألوانه الساطعة واطلع عن كثب على لوحات مايكل انجيلو واعماله النحتية.
ولم يلبث الفنان أن انتقل بعد ذلك إلى مدريد. وعندما لم يحصل على الحظوة التي كان يطمح إليها في بلاط الملك فيليب الثاني انتقل إلى طليطلة حيث عاش هناك بقية حياته. وفي طليطلة أنجز أهم أعماله الفنية ومن ضمنها لوحته الشهيرة: منظر لطليطلة View of Toledo
بعض النقاد ينظرون إلى إل غريكو باعتباره رائد عصر النهضة الإسباني بلا منازع.
وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان إل غريكو قد ذهب في غياهب النسيان ولم يعد يذكره أحد إلا بالكاد. لكنه ما لبث أن عاد إلى دائرة الاهتمام من جديد مع ظهور المدرسة الانطباعية التي كان بعض رموزها ينظرون إليه باعتباره فنانا ثوريا ومجدّدا.
بورتريه رجل نبيل هو أحد اشهر أعمال إل غريكو، وهو يصوّر رجلا مجهولا يرتدي ملابس قاتمة وبسيطة، وهيئته تخلو من الفخامة والبذخ الذي كان يميّز بورتريهات ذلك الزمان.
ملامح الرجل البسيطة وهيئته الوقورة تعكس بوضوح رؤية إل غريكو وأسلوبه الفني. إذ كان يركّز على قيمة الشخص كهويّة متفرّدة وكإنسان أولا. هنا أيضا تبدو بعض ملامح أسلوب ال غريكو من قبيل إبرازه للتباينات الحادّة بين الألوان ودرجات الضوء وميله إلى إطالة وجوه وأنوف وذقون شخصياته. كما رسم العينين ببؤبؤين واسعين نسبيا وكأنهما تدعوان الناظر للولوج إلى روح الشخص وعالمه الداخلي.
مظهر الرجل في اللوحة يعطي انطباعا بالكرم والمروءة والتضحية والشهامة والعطف على الفقراء، وتلك كانت خصال الوجهاء والأشراف الذين يظهرون كثيرا في لوحات إل غريكو وأدب سرفانتيس بشكل خاص.


درس فـي آلــة البـانجــو للفنان الأمريكي هنــري تانــر

في هذه اللوحة الجميلة، تتجلى القوّة التعبيرية والانفعال المكثّف في أسمى معانيهما. وليس بالمستغرب أن تصبح اللوحة مع مرور السنوات ايقونة للفنّ الأفريقي في العالم وصورة للعاطفة الأبوية والقيم العائلية بشكل عام.
لكن الأهم من ذلك أنها أصبحت رمزا للأمل والإلهام والصبر بالنسبة لزعماء الأفارقة الأمريكيين والفنّانين السود الشباب.
كان هنري تانر أهمّ فنان أمريكي اسود في القرن التاسع عشر، كما انه أول فنان من أصول أفريقية يحقّق شهرة عالمية.
ولد في العام 1859 في بنسلفانيا لاب كان يعمل قسّيسا بإحدى الكنائس، ودرس الرسم في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة وتتلمذ على يد توماس ايكنز الذي كان له ابلغ الأثر في تعليم تانر واختيار أسلوبه الفنّي.
وفي عام 1996 أصبحت لوحته "كثبان رملية عند المغيب" أول عمل فنّي لرسّام اسود ُيضمّ إلى المجموعة الفنية الدائمة الخاصّة بالبيت الأبيض.
سافر تانر إلى روما ولندن، ثم حلّ أخيرا في باريس حيث درس لبعض الوقت في اكاديمية جوليان. وفي باريس أنجز لوحته الأشهر "درس البانجو" المستوحاة من قصيدة للشاعر بول لورنس دونبار. واللوحة تصوّر رجلا مسنا يعلم حفيده كيفية عزف البانجو وهي آلة موسيقية أفريقية صميمة.
في باريس أيضا رسم تانر لوحته المعروفة "دانييل في عرين الأسد" التي استقبلت بترحاب كبير في أوساط صالون باريس ونال الفنان عليها جائزتين مرموقتين.
عاد الفنان مرة أخرى إلى الولايات المتحدة ومكث هناك بضعة اشهر، لكنه قرّر العودة ثانية إلى باريس بعد أن اقتنع باستحالة العيش في ظلّ أجواء التمييز العنصري التي كانت سائدة في أمريكا في ذلك الحين.
وبمجرّد عودته إلى فرنسا تزوّج من مغنية أوبرا بيضاء من سان فرانسيسكو كان قد التقاها من قبل في باريس. وبسبب ذلك الزواج قرّر تانر أن يعيش في فرنسا بشكل دائم.
زار هنري تانر فلسطين مرارا واستمدّ من أجوائها الروحية مواضيع للعديد من لوحاته الدينية. وتوفي في باريس في عام 1937م.


عصــر غــامــض للفنان اليوناني جيـورجيـو دي كيـريكــو


في هذه اللوحة المشهورة، يحاول الفنان دي كيريكو ابتداع لغة مرئية عن عبثية الوجود وهشاشة الحياة وغموض المصير.
وقد استخدم الرسّام في اللوحة المنظور المائل والطويل والفراغات الكبيرة والظلال السوداء والممتدّة، ولجأ إلى تصغير الأشخاص وجعلهم يتوارون في خلفية المشهد. كما وظّف الأشكال والأجسام خارج سياقاتها الطبيعية من اجل خلق أجواء من الغموض والعزلة والترقّب.
ارتبط اسم دي كيريكو بمفهوم الرسم الميتافيزيقي. وتغلب على لوحاته مشاهد لأماكن مقفرة ومهجورة ودخان غامض وعربات أشبه ما تكون بالتوابيت، وذلك لتكثيف الشعور بعالم الماورائيات والغيب.
يقول بعض النقّاد إن لوحات دي كيريكو أسهمت بشكل كبير في نشوء السوريالية. وقد قرأ السورياليون لوحاته من منظور فرويدي في الغالب ووظّفوا في أعمالهم بعض الثيمات التي استخدمها دي كيريكو في لوحاته كالجوّ السكوني والصمت المطبق والتماثيل والأعمدة القديمة والأضواء الخفيّة التي تبعث في النفس إحساسا بالتوجّس والرهبة.
ولد دي كيريكو (أو تشيريكو كما ينطق اسمه أحيانا) في اليونان لأبوين ايطاليين. لكنه عاش الجزء الأكبر من حياته في إيطاليا. وقد كان قارئا نهما للفلسفة وتأثّر كثيرا بأفكار نيتشه الذي كان يرى في كل شئ محسوس معنى خفيّا. كما تأثّر بفلسفة شوبنهاور الذي دعا الإنسان لأن يكتشف الجوهر الحقيقي للأشياء وذلك بعزل نفسه عن العالم كي يبدع أفكارا خلاقة وخالدة.
علاقة دي كيريكو الوثيقة باليونان القديمة وبالثقافة الهيلينية تزاوجت مع تقديره وشغفه بالفنّ الكلاسيكي الايطالي. وكان للأساطير الإغريقية تأثير عظيم عليه خاصّة في مستهلّ حياته، حيث رسم العمالقة ومخلوقات القنطور وآلهة الأوليمب. وبعض لوحاته المبكّرة رسم فيها مناظر للخيول التي سبق وأن رآها في مسقط رأسه باليونان. وفي ما بعد، تكرّرت صور الخيول في أعماله ومن بينها منحوتة برونزية صوّر فيها منظرا لخيول قديمة تقف في البرّية.
عندما زار دي كيريكو باريس سنة 1911 لم ينجذب للتكعيبية أو التجريدية اللتين كانتا في حالة صعود آنذاك. وقد نالت أعماله التي عرضها هناك بعض الثناء من شخصيات بارزة مثل الشاعر ابولينير الذي وصف دي كيريكو بأنه "عدوّ الأشجار وصديق التماثيل".
أهم ملمح في هذه اللوحة هو المنظور الذي استخدمه الرسّام كأداة فلسفية وشعرية وانفعالية. وهناك أيضا العلاقة بين الفضاءات حيث الأبنية والتماثيل والأشخاص منفصلة تماما عن بعضها البعض وعن الواقع، وتعطي شعورا باللانهائية وانعدام الإحساس بالزمن.
"غموض العصر" ليست منظرا طبيعيا بل صورة ذهنية عبّر الفنّان من خلالها، وباستخدام التجريد والمجاز، عن قلق الإنسان وخواء الحياة.
من أشهر لوحاته الأخرى أغنية الحبّ التي يقال بأنها مهدّت لظهور المدرسة السوريالية في الفنّ.


راقـصـون في بـوجيفــال للفنان الفرنسي بييـر رينـوار

يعتبر رينوار أحد اكثر الرسامين الانطباعيين شعبية وشهرة. وتحتشد لوحاته بصور الأطفال والنساء ومناظر الطبيعة الخلابة.
وبخلاف غالبية الفنانين الانطباعيين، لم يركّز رينوار على رسم المناظر الطبيعية فقط، بل أنجز لوحات عديدة تظهر الناس في لحظات انسهم وصفائهم.
في لوحاته الأولى يبدو جليا تأثّر رينوار بـ يوجين ديلاكروا ، غير انه تأثّر اكثر بصديقه الحميم كلود مونيه الذي ابتكر معه المدرسة الانطباعية في الرسم.
وقد رسم الاثنان معا في البداية، ويصعب أحيانا تمييز أعمال كل منهما عن الآخر خاصة في مراحلهما المبكّرة.
عرف عن رينوار براعته في الحديث ووفاؤه لأصدقائه وعائلته، واشتهر عنه قوله: إذا لم يتضمّن الفن عنصر المتعة فمن الأفضل للفنان أن يمتهن وظيفة أخرى.
ومشاهد لوحاته العامرة بأجواء السعادة والأضواء المبهرة والحسية الدافئة جعلها من بين اكثر الأعمال الفنية شعبية واستنساخا في تاريخ الفن.
راقصو بوجيفال هي من بين أجمل لوحات رينوار وأكثرها احتفاء. وتصوّر اللوحة رجلا يراقص امرأة بمنتجع بوجيفال الباريسي. أما الأشخاص في الخلفية فهم مجموعة تنتمي إلى مستويات اجتماعية مختلفة بينهم فنانون وتجار وأدباء.
والمرأة التي استخدمها الفنان كموديل في اللوحة هي سوزان فالادون، وهي سيدة مثقفة كانت تتمتّع بجمال باهر وكانت حديث أوساط الثقافة والفن وقتذاك، كما ربطتها برينوار أحوال صداقة وعشق.
في اللوحة يبدو واضحا تناغم الخطوط وجمال الألوان ودفء المشهد وآنيّته، وكلها عناصر استخدمها الفنان لتصوير سعادة الناس ورضاهم عن الحياة.
كان رينوار يركّز في لوحاته على القيم الزخرفية والمتعة البصرية، ومنذ البدايات فهم الرسم على انه وسيلة لمنح الإحساس بالسعادة وابراز مواطن الجمال في الطبيعة وفي الحياة. وكان ينفر دائما من فكرة توظيف الفن لأغراض سياسية أو أيديولوجية.
راقصو بوجيفال عمل فني متميّز جدا يجمع بين الحميمية والرومانسية، وقد طافت اللوحة على اكبر متاحف العالم إلى أن استقرّت منذ سنوات في متحف بوسطن للفنون التشكيلية.


شـارع فـي بـريتـانــي للفنان الإنجليزي ستانهـوب فوربــس

ولد ستانهوب فوربس في العام 1857 لاب ايرلندي وأم فرنسية.
وعندما انتقلت عائلته إلى انجلترا درس الرسم في الأكاديمية الملكية. وقد سافر بعد ذلك إلى فرنسا وقضى فيها سنتين تتلمذ خلالهما على يد جول باستيان لابيج الذي اشتهر بلوحاته التي تصوّر مشاهد من الريف وحياة الفلاحين.
هذه اللوحة تعتبر اشهر لوحات فوربس وهي أحد الأعمال الفنية المفضّلة لدى الكثيرين كما أنها هي التي أدّت إلى ذيوع اسم فوربس كرسّام مرموق.
وقد لقيت اللوحة نجاحا كبيرا عند عرضها لأوّل مرّة في الأكاديمية الملكية عام 1882م.
ووصف فوربس نجاحها بأنه نقطة تحوّل رئيسية في حياته.
رسم فوربس "شارع في بريتاني" عام 1881 أثناء إقامته في كانكال عاصمة مقاطعة بريتاني الفرنسية. واللوحة تصوّر شارعا أو بالأحرى زقاقا صغيرا اصطفّ على جانبيه عدد من النساء والفتيات المنهمكات في صنع وتجهيز المكانس وأدوات الجلي المنزلية. والموديل الرئيسية في اللوحة هي فتاة كانت تعمل في الفندق الذي كان يقيم فيه الفنان.
كانت اللوحة محطّ إعجاب النقاد آنذاك وإن كان بعضهم عاب عليها ضعف تمثيل الظلال وغلبة اللون الأزرق على البناء العام للوحة لدرجة أن بعضهم قال إن فوربس كان ينظر إلى الطبيعة بنظارات زرقاء.
فوربس كان منشدّا بقوّة إلى طبيعة الحياة في الريف، وكان يرسم بطريقة بسيطة وشفافة كلّ ما كانت تقع عليه عيناه. وقد اخذ عليه البعض انعدام الرؤى والأحلام في لوحاته، بالرغم من أنها تروق لكل شخص تقريبا ببساطتها وصدقها.
أسّس فوربس مدرسة نيولين للفنون عام 1899 وعمل محاضرا لبعض الوقت في الأكاديمية الملكية واستمر يرسم بقيّة حياته التي امتدّت تسعين عاما.


بـورتــريه شخـصــي للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ

في السنوات الأخيرة من حياته اصبح فان غوخ يهتمّ برسم بورتريهات لنفسه.
وربّما تأثّر في تلك الخطوة بـ رمبراندت الذي رسم اكثر من مائة بورتريه لنفسه حاول من خلالها تصوير المراحل المهمّة في حياته. وهناك اكثر من ثلاثين بورتريه صوّر فيها فان غوخ نفسه في أوضاع وأمزجة شتّى.
وقد رسم فان غوخ معظم هذه البورتريهات خلال عامين فقط. وهي تكشف عن شخص كان في حالة صراع دائم مع الحياة وربّما كان يبحث من خلال تلك الرسومات عن إجابات لأسئلة كانت تؤرّقه وتثقل على عقله.
وتتفاوت الانفعالات التي ضمّنها تلك البورتريهات من الحيرة إلى الصدمة ومن الشعور النسبي بالطمأنينة إلى الإحساس بالتشوّش والارتباك.
في هذا البورتريه الجميل والمعبّر الذي أنجزه فان غوخ أثناء إقامته في سان ريمي عام 1889 ، يبدو الفنان هادئا ومسترخيا ظاهريا، لكن ملامحه ونظراته تشي بقلق داخلي.
يغلب على هذا البورتريه اللون الأزرق وقد رسم الفنان خلفية متموّجة استخدم فيها خطوطا حلزونية وملتفّة لإضفاء حركية وديناميكية على اللوحة، لكن طريقته في استخدام الفرشاة هنا تعبّر عن قدر كبير من العصبيّة والتوتّر.
الملمح الأهم في بورتريهات فان غوخ عن نفسه هي قوّتها التعبيرية الهائلة كما تنطق بها الملامح والعينان بشكل خاص.
وفان غوخ، شانه شأن رمبراندت وغيره من فنّاني البورتريه الكبار، لم يكن يهتم كثيرا بتمثيل مظهره الخارجي بل بإظهار انفعالاته الداخلية. وكان يفعل ذلك بمنتهى البراعة والصدق.
في السنوات الأخيرة من حياته، رسم فان غوخ أشهر لوحاته على الإطلاق. وقد أمكن التعرّف على الكثير من تفاصيل حياته وجوانب فنّه بفضل السجلّ الضّخم من الرسائل التي بعثها إلى شقيقه ثيـو.


مـذبحــة الأبــريــاء للفنان الهولندي بيتـر بـول روبنــز

تعتبر هذه اللوحة رابع أغلى لوحة في العالم، إذ ابتاعها زبون مجهول بمبلغ سبعة وسبعين مليون دولار في مزاد سوذبي اللندني قبل أربع سنوات.
موضوع اللوحة مستمدّ من حادثة تاريخية ورد ذكرها في الإنجيل، وإن بشكل عابر.
إذ تروي بعض المصادر التاريخية أن هيرود الروماني ملك يهوذا أمر جنوده بذبح كافة الأطفال المولودين في بيت لحم في ذلك الوقت خوفا من أن يكون أحدهم هو المسيح الذي سينازعه الحكم ويؤلّب عليه الناس.
وقد فعل هيرود هذا بعد أن ابلغه جماعة من السحرة قدموا من بلاد فارس انهم رأوا نجما في الأفق الشرقي يشير إلى قرب ولادة نبيّ اليهود المنتظر.
ُرسمت اللوحة في ما بين عامي 1609 و 1611 ، وهي عبارة عن كتلة مضطربة من الدم والمعاناة والوحشية والألم.
في اللوحة نرى جنود هيرود المسلّحين بالسيوف والخناجر وهم منهمكون في ذبح الأطفال وسط استماتة أمهاتهم في الدفاع عنهم ومحاولة استنقاذهم من القتل.
وقد بذل روبنز جهدا كبيرا في تصوير المشهد بتفاصيله الكثيرة وبما يفرضه من تعامل مع تشكيلات مركّبة وانفعالات عديدة ومتباينة تتراوح ما بين الحزن والعنف واليأس والصدمة.
وفي ما بعد استعار بيكاسو من "مذبحة الأبرياء" مشهد المرأة التي تحتضن طفلها لحمايته من القتل وضمّنها لوحته الذائعة الصيت غورنيكا
يرى بعض النقاد أن روبنز كان داعية سلام وكارها للحروب، يشهد على ذلك مشاركته في مفاوضات السلام بين اسبانيا وبريطانيا في ذلك الحين. ويرجّح أن يكون قد رسم اللوحة مستذكرا ما حدث منذ سنوات قليلة قبل ذلك في مدينته انتورب عندما لقي حوالي سبعة آلاف شخص حتفهم في عمليات قتل واغتصاب ونهب واسعة النطاق.
روبنز كان أحد اشهر فناني الباروك وقد تتلمذ على كبار الفنانين الإيطاليين أمثال رافائيل ومايكل انجيلو ودافنشي. وبالإضافة إلى شهرته كفنان تشكيلي، كان روبنز مهندسا معماريا بارعا وديبلوماسيا محنّكا. وقد ُعرفت لوحاته بضخامة حجمها وبألوانها الزاهية وعمقها العاطفي والانفعالي.
ولد بيتر بول روبنز في المانيا قبل أن تعود عائلته إلى مدينتهم انتورب حيث تعلّم هناك الرّسم منذ صغره. وفي العام 1600 رحل إلى إيطاليا حيث درس فيها الفن وأصاب الكثير من الشهرة وحظي برعاية بعض الأمراء والأعيان.
لوحات روبنز تتّسم بالضخامة والتنوّع والثراء. وهي اليوم موجودة في اشهر المتاحف العالمية.

التي تصوّر هي الأخرى همجية الحرب وبشاعتها.

شـرفـة على شاطـئ سينـت آدريـس للفنان الفرنسي كـلـود مـونيـه

لوحة جميلة أخرى لـ كلود مونيه رسمها في العام 1867 أثناء إقامته الممتدّة في منطقة سينت آدريس، يصوّر فيها انطباعه صباح يوم صيفي دافئ.
هنا أيضا يظهر اهتمام مونيه بتأثيرات الضوء والجوّ الخارجي.
عندما كان مونيه يعكف على رسم اللوحة كان ما يزال يعاني من الفقر المدقع. لكنه كان يظهر قدرة كبيرة على مواجهة الصعاب والتكيّف مع الظروف.
اللوحة تصوّر منظراً لشرفة على شاطئ البحر وفيها يظهر أربعة أشخاص. في خلفية المشهد يبدو شقيق الفنان وشقيقته وهما جالسان على ارض الشرفة يتأمّلان البحر أمامهما.
وفي مقدّمة اللوحة تقف ابنة عمّ الرسّام مرتديةً ملابس فاتحة اللون وهي تتحدّث إلى رجل يعتمر قبّعة طويلة.
والمشهد بعمومه يعكس أجواء العطلة في منطقة سينت آدريس وينقل إحساساً بالهدوء وجمال الطبيعة.
في اللوحة أيضا يبدو افتتان مونيه بالضوء، والحقيقة أن هذا ملمح يكاد يطغى على جميع لوحاته.
ظلّ مونيه يرسم بدأب ونشاط معظم حياته. لكن في عام 1908 توقّف عن مزاولة الرسم بعد أن أصيب بمرض في عينيه.
الحدائق العامرة بجداول الماء وأزهار السوسن والجسور اليابانية كانت ثيمة ثابتة في معظم أعمال مونيه، كما خصّص بعض لوحاته لرسم حديقة منزله. واستمرّ بعض الفنانين إلى اليوم يرسمون مناظر للطبيعة، وللحدائق خاصّة، مستعيرين ألوان مونيه القشيبة وأسلوبه البديع والمتفرّد.