بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 يونيو 2010

بورتريه مـدام دي بومبادور للفنان الفرنسي فرانسـوا بـوشيـه


يعتبر فرانسوا بوشيه (1703-1770) رائد اتجاه الروكوكو في فرنسا، وهو أسلوب يخضع الموضوع لنوع من الحسّية التي تتحوّل من خلالها الأجساد والملابس والغيم والأمواج والغابات إلى صور للرغبة والمجاز ودغدغة الغرائز.
عمل بوشيه معظم حياته في باريس وفي 1765 عين رساما أوّل للملك.
بعض رسوماته تدفع الناظر إليها إلى الابتسام بسبب التأثيرات الحسّية المتكدّسة والباذخة فيها.
المشاهد الميثولوجية الضخمة التي رسمها في لوحته "شروق الشمس وغروبها" تسبّبت في إحداث صدمة لدى عرضها في باريس لدرجة أن كثيرا من النساء امتنعن عن الحضور تحرّجا وحياءً من المشاهد التي تضمّنتها.
ورغم حديث النقاد في عصر بوشيه عن عنصر الإغواء في لوحاته، فان بعضهم كان يقول إن ذلك يمكن أن يندرج تحت باب "الرذيلة التي يمكن قبولها"!
واللوحة تصوّر مدام دي بومبادور (1721-1764) التي كانت ذا نفوذ ثقافي ضخم في فرنسا القرن الثامن عشر.
ولدت دي بومبادور في باريس وتزوّجت من شارل غيوم لكنها أصبحت في العام 1745 خليلة للملك لويس الخامس عشر. وتلك كانت وظيفة رسمية، إلى جانب منحها لقبا تشريفيا هو الماركيزة دي بومبادور. استمرّت علاقتها بالملك فترة طويلة لكنها تحوّلت في ما بعد إلى علاقة أفلاطونية إذا جاز التعبير بعد أن خمدت جذوة الحب بين العاشقين. غير أن مكانة المرأة ونفوذها استمرّا على حالهما.
رعت مدام دي بومبادور الكثير من الأعمال الفنية كما ضمنت رعاية الملك للكتّاب والرسّامين، وكان شقيقها الماركيز دي ماريني وزيرا للثقافة في ذلك العهد.
وكان نفوذها واضحا في لوحة "شروق الشمس وغروبها" التي ساعدت هي في اختيار موضوعها المستمدّ من أسطورة اوفيد. وفي اللوحة تبدو بومبادور على شكل حورية وهي ترحّب بعودة الشمس أي الملك.
في لوحة مدام دي بومبادور تظهر السيّدة واقفة وسط الطبيعة، والزهور تنمو عند قدميها بينما تنعكس البراعم الرقيقة على فستانها الحريري المزركش باللون الزهري. وتبدو السيّدة مرتاحة في هذا الجزء من الطبيعة، بينما أسندت يدها بطريقة طبيعية على قاعدة تمثال وأمسكت بالأخرى مروحة وهي تشير إلى كلبها الصغير الذي يجلس بوفاء.
الرسالة هنا موجهة إلى الملك: إنها وفيّة له بمثل وفاء الكلب.
أما التمثال فيسمّى "الصداقة عزاء للحبّ" ، والولد يمثل كيوبيد، وفي هذا تلميح إلى تحوّل علاقتها بالملك من علاقة جنسية إلى علاقة صحبة وصداقة.
لوحة مدام دي بومبادور كانت حدثا ثقافيا كبيرا في فرنسا منتصف القرن الثامن عشر، وكانت السيّدة تستخدم اللوحات الفنية كوسيلة للتواصل مع الملك والعامّة معلنة عن ولائها ومحبّتها للقصر وغزارة ثقافتها ورجاحة عقلها.


بورتريـه الدكتـور غاشيـه للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ

بورتريه الدكتور غاشيه هو أحد اشهر أعمال الفنان فان غوخ.
أما لماذا هو مشهور فلعدة أسباب، أهمها أن فان غوخ رسمه في الأشهر الأخيرة من حياته، ثم لان موضوع اللوحة ظل لزمن طويل مثار جدل كبير، أما السبب الثالث والاهم فلأن لوحة الدكتور غاشيه كانت الى ما قبل ثلاث سنوات اللوحة الأغلى مبيعا في تاريخ الفن وذلك عندما بيعت لثري ياباني بحوالي 83 مليون دولار بعد ثلاث دقائق فقط من طرحها في مزاد فني في العام 1990م.
فان غوخ رسم لوحتين لطبيبه الخاص الدكتور غاشيه، اشهرهما هذه اللوحة التي يتفق كثير من النقاد على اعتبارها تجسيدا لبراعة فنية لا نظير لها.
لكن إلى أي حد كان هذا الطبيب بارعا هو الآخر؟
في إحدى رسائله إلى أخيه ثيو يشير فان غوخ إلى الدكتور غاشيه قائلا: انه مريض مثلي، بل ربما يكون اكثر مرضا"!
في عام 1888 انتقل فان غوخ إلى ضاحية آرلي في جنوب فرنسا، وفي آرلي تعرّف على الدكتور غاشيه الذي اصبح صديقه المقرّب الذي يلتمس عنده العلاج لنوبات الصرع العنيفة التي كانت تنتابه من وقت لاخر.
في هذا الوقت، كانت ألوانه كثيفة ولمسات فرشاته مضطربة كما يتضح من لوحاته التي تعكس تشوّشا واضطرابا ذهنيا ومن اشهرها "الملهى الليلي".
طوال حياته لم يجد فان غوخ أي تقدير أو إشادة بفنه ولم يبع سوى لوحة واحدة فقط.
كان فاشلا في حياته ولم يجد عطفا أو صداقة من أحد. وخلال السنوات الخمس الأخيرة من حياته اكمل فان غوخ رسم اكثر من 800 لوحة زيتية.
على الطاولة، وأمام الدكتور غاشيه، تبدو نبتة "قفاز الثعلب" التي اشتق منها عقار الديجيتاليس ، في إشارة من فان غوخ إلى كفاءة الدكتور غاشيه ومهارته الطبية، وربما كانت تلك إشارة من الفنان إلى انه كان يعالج بذلك العقار قبل أن يقدم على الانتحار بعد جلسة طويلة مع غاشيه ليلة التاسع والعشرين من يوليو 1890م.


عـذراء المستشـار روليـن للفنان الهولندي يان فان آيك

طلب المستشار نيكولاس رولين من الفنان الهولندي يان فان آيك رسم بورتريه له.
رولين كان حاكما على بورغوندي وبرابانت، وكان ذا شخصية صارمة جدا. وبالرغم من خلفيته المتواضعة فانه كان رجلا متوقّد الذكاء إلى أن استطاع في النهاية تولي تلك الوظيفة المرموقة.
وطوال أربعين سنة كان رولين اليد اليمنى للملك فيليب الملقب بالطيب، كما كان أحد المهندسين الرئيسيين وراء نجاح العرش.
وقد رسم فان آيك هذه اللوحة عندما كان رولين في ستّينيات عمره.
ورغم المسئوليات الجسام التي كان ما يزال يقوم بها آنذاك، فان وجه رولين في اللوحة ما يزال يفتن الناظر مع انطباع هو مزيج من القوة والنشاط والصرامة.
رولين هنا يرتدي سترة موشّاة بالذهب. ويبدو المستشار في وضع الانحناء علامة الخضوع والاحترام.
أما نظراته فتبدو مستغرقة في التأمّل والخشوع كما لو انه فرغ توّا من قراءة الكتاب المقدّس.
والى اليمين تبدو العذراء جالسة في رداء احمر وقد قدّمت إلى المستشار المسيح الصغير، بينما أمسكت إحدى الملائكة بالتاج الضخم لتضعه على رأس العذراء.
أما الأعمدة الثلاثة التي ينكشّف عنها المشهد في الخلفية فتبدو كبيرة بعض الشيء مقارنة بالأشياء القريبة، وعبر الأعمدة تبدو حديقة صغيرة تناثرت فيها الزهور التي ترمز إلى فضائل السيّدة العذراء.
وعلى مقربة من المشهد يلوح ملاكان صغيران يعطي أحدهما ظهره للناظر.
والى جوارهما يبدو طاووسان ربّما أراد الفنان أن يتّخذ منهما رمزا للخلود والأبدية، أو قد يرمزان للرفعة والكبرياء التي تتّسم بها شخصية المستشار رولين.
لكن المشهد الأكثر جلالا وروعة في هذه اللوحة هو بلا شكّ منظر المدينة الذي يتراءى خلف الغرفة.
والانطباع الذي يتركه المشهد بأجمعه هو أن القصر هو في واقع الأمر حصن بني على حافّة تلة مرتفعة.
والى اسفل، أي في منتصف اللوحة تماما، يبدو نهر يترقرق ماؤه متدفّقا عبر وسط المدينة بينما بدت في منتصفه جزيرة صغيرة.
والى اليسار وخلف المستشار رولين يبدو الجزء الأكثر تواضعا في المدينة.
والى اليمين، أي خلف العذراء، تبدو الأحياء الموسرة من المدينة مجللة بالمنظر المهيب للكنيسة القوطية.
وعلى ضفاف النهر بدت القوارب وهي تتهادى على صفحة الماء وصولا إلى الشاطئ.
الشاهد هنا هو أن جميع البشر الذين يوحّدهم الإيمان يسافرون جميعا باتجاه هذه المدينة وكاثيدرائيتها العتيقة.
وفي البعيد، يلوح الأفق وقد ُسدّ بمنظر الجبال التي تكلل قممها الثلوج تحت سماء زهرية صفراء.
يرى بعض النقاد أن هذه اللوحة تقدّم نظرة شاملة للكون، أما فان آيك نفسه فقد كان اشهر الفنانين الفلمنكيين خلال القرن الخامس عشر. وقد منحته موهبته ميزة القرب من بلاط الملك فيليب في لاهاي.
أنجز فان آيك افضل لوحاته بين العامين 1432 و 1439م ، واشهرها العذراء والمستشار و ارنولفيني وزوجته.
توفّي جان فان آيك في العام 1441م.


تمثـال ابـوللـو و دافـنـي للنحات الإيطالي جيان لورنزو بيرنيني


في العام 1624، كلّف الكاردينال بورغيس النحّات والفنان جيان لورنزو بيرنيني بتحويل قصّة ابوللو ودافني الأسطورية إلى عمل رخامي.
وشرع بيرنيني في نحت هذا التمثال الذي يصوّر اللحظة التي تمكّن فيها ابوللو إله النور من الالتحام بالحوريّة دافني بعد أن دأبت على صدّه وإبعاده. تلك اللحظة التي تقول الأسطورة إن جسد دافني تحوّل عندها إلى شجرة غار وشعرها ويديها إلى أغصان وأوراق.
هذه القطعة النحتية الرائعة هي أفضل مثال على براعة بيرنيني وحرفيّته العالية. وقد جرت العادة على أن يُصنّف التمثال على انه من الفنّ الايروتيكي، غير انه بنفس الوقت يمكن أن يرمز إلى التحوّلات التي مرّ بها النحّات في مراحل تطوّره الفنّي.
كان بيرنيني نحّاتا ورسّاما ومهندسا معماريا بارزا، كما كان مناصرا قويّا لفنّ الباروك في إيطاليا. وقد ولد لأب كان يعمل نحّاتا هو الآخر. وعندما لاحظ براعة ابنه في التعامل مع الحجر وهو بعدُ في سنّ مبكرة، عهد به إلى من يعلّمه وينمّي ويرعى موهبته.
"ابوللو ودافني" كان آخر عمل موّلته عائلة بورغيس، وهو أحد أشهر الأعمال النحتية وأكثرها شعبية وشهرة حتى اليوم. وقد بدأ بيرنيني نحت التمثال وهو في سنّ الرابعة والعشرين وتطلّب إنجازه ثلاث سنوات كاملة.
والقصّة التي يجسّدها التمثال تحكي عن الرغبة وتتضمّن إشارات عديدة إلى الحواسّ وخاصّة اللمس. وقد حوّل النحّات الأسطورة إلى قطعة فنية مليئة بالرقة والشاعرية. ومن الواضح أن بيرنيني عمد إلى استلهام الصورة التي كانت رائجة عن ابوللو في العصر الهيلينستي، فصوّره بشعر طويل وملامح جميلة وبهيئة ليست بالذكورية ولا بالأنثوية الخالصة.
السؤال الذي أثاره الكثيرون في تلك الفترة هو: ما الذي يدفع رجلا متديّنا كالكاردينال بورغيس للاهتمام بتجسيد أسطورة وثنية والاحتفاظ بها في منزله؟
الجواب نجده في بيت الشعر المنسوب للكاردينال بارباريني "البابا في ما بعد" والذي أمر بورغيس بحفره في إطار قاعدة التمثال والذي يقول: "أولئك الذين ينشدون المتع السريعة الزوال لا يبقى بأيديهم في النهاية أكثر من أوراق الحنظل".
بحلول العام 1624 تبنّى بيرنيني اتجاها تعبيريا مفعما بالمضامين الانفعالية والسيكولوجية. ويُعزى له الفضل في تصميم عدد من النوافير ذات التماثيل البديعة والفخمة وأشهرها نافورة الأنهار الأربعة، لدرجة أن روما أصبحت في زمانه تسمّى مدينة النوافير. كما صمّم عددا من القصور والكنائس المشهورة. وقبيل وفاته ذهب إلى باريس كي يشارك في إعادة تصميم متحف اللوفر.
وقد عاش بيرنيني حياة طويلة امتدّت زهاء ثمانين عاما أنجز خلالها عددا من الأعمال النحتية التي تعتبر اليوم علامات بارزة ومهمّة في تاريخ النحت الغربي. ومن أشهر أعماله الأخرى تمثال سينت تيريزا، الحقيقة كما يكشفها الزمن، ديفيد، و"بلوتو وبروسيربينا".
وممّا يؤثر عن احد النقاد قوله واصفا قوّة منحوتات بيرنيني: للفنّ العظيم سلوكياته المخيفة. فقد أخذ بيرنيني الحجر وحوّله إلى لحم، وأخذ راهبة ومنحها شهوة".
الجدير بالذكر أن أسطورة ابوللو ودافني كانت موضوعا للعديد من الأعمال المسرحية والشعرية عبر العصور. كما استوحى من أحداثها الموسيقي الألماني فريدريك هاندل أحد أشهر أعماله الاوبيرالية.

ليــدي ليـليــث للفنان البريطاني دانتي غابرييل روزيتي

شهد العام 1848 ذروة اهتمام أوساط الأدب والفن بشخصية الليدي ليليث الأسطورية وذلك بفضل أعمال كل من الشاعر الإنجليزي كيتسغوته..
وفي الأعمال الشعرية والفنية في ذلك العصر، ترسّخت أسطورة ليليث باعتبارها رمزا للمرأة التي تتمتع بالجمال والذكاء والقوة.
وينظر العديد من النقاد إلى لوحة دانتي غابرييل روزيتي عن ليليث باعتبارها تمثل لحظة التحوّل في تلك الشخصية الأسطورية.
كان دانتي غابرييل روزيتي، الإيطالي الأصل، يوصف بأنه مصوّر درامي وباحث عن المعنى وصانع أساطير، وربما تعمّد رسم ليليث بهذه الهيئة الحديثة كــي يخلع على أسطورتها مضمونا معاصرا.
ليليث – حسب الروايات الإنجيـلية – كانت الشقيقة التوأم لآدم، وكانت تعيش معه في جنات عدن، وآدم كان ملك الجنة، وكانت ليليث تتطلع إلى أن تشاركه في الحكـم غير أن ذلك لم يتحقق رغم أنها كانت تتصف بالحكمة والأناة ورباطة الجأش. وقد ضاقت ليليـث ذرعا بآدم الذي كان اقلّ منها ذكاء وحكمة.
بعد أن ُاخرجت ليليث من الجنة، تعلمت من إله النور المزيد من الحكمة وعاشت ملكـة لليـل، إذ كانت تدعو السُـمّـار والساهرين للرقـص والمرح إلى أن يغيب ضـوء القمر.
اليوم أصبحت ليليث، بفضل تمسّكها بحرّيتها الشخصية واعتدادهـا بنفسـها وتحكّمها في رغباتها وتمرّدهـا على استبـداد الرجل، رمزا للكثير من الحركـات النسوية في العالم.
أما في الأساطيـر فما تزال ُتصوّر على هيئة أفعـى أو شيطـان أو ملاك سقط من عليائه. وفي تراث الكثيـر من الشعوب، ومنهم اليهـود والمسلمون، يكفي أن تعصـي المرأة أمر زوجها لكي تتعرض للنبذ وتتحوّل بالتالي – كما ليليث - إلى حيّة ماكرة أو شيطـان مريـد!

والفيلسوف الألماني

تمثـال فيـنوس دي ميلــو (القرن الثاني قبل الميلاد)

ينظر الكثير من نقاد الفن ودارسيه إلى تمثال فينوس دي ميلو باعتباره ثاني اشهر عمل فني في العالم بعد الموناليزا. وأحد مظاهر شعبية هذا التمثال هو الصفوف الطويلة من الزوّار الذين يتقاطرون على اللوفر في باريس لمشاهدة التمثال.
ولا تتمثل شعبية التمثال فقط في توظيفه في الراويات وعلى أغلفة المؤلفات الموسيقية، وانما أيضا في حقيقة انه كان مصدر الهام للعديد من الفنانين الكبار وعلى رأسهم دالي وسيزان وماغريت وسواهم.
وعندما أعارت فرنسا التمثال لليابان في العام 1964 كان عدد من تقاطروا لمعاينته اكثر من نصف مليون شخص.
بعض أسباب شعبية التمثال واضحة، فهو نموذج رائع في البراعة والإتقان الفني. كما أن ذراعي التمثال المفقودين يجعلان من السهل التعرّف عليه وتمييزه عن مئات الأعمال النحتية الأخرى.
غير أن هناك سببا آخر لا يقلّ أهمية، وهو الحملة الدعائية الكبيرة التي نظمها الفرنسيون للتمثال منذ بدايات عام 1821 م.
لقد كان لدى الفرنسيين منتج متميّز وكانوا يدركون أهمية الترويج له. لكن المشكلة الأساسية التي كان يتعيّن عليهم تدبير حلّ لها كانت حقيقة أن اسم النحّات الذي أبدعه كان مجهولا.
وقد ُعثر على تمثال فينوس دي ميلو في الثامن من أبريل 1820 في إحدى المناطق الأثرية بين جزيرة كريت والبرّ اليوناني من قبل أحد الفلاحين. وقد أخفى الفلاح التمثال عن أعين الأتراك لبعض الوقت مخافة أن يصادروه، إلى أن تعرّف على أهميته بعض الفرنسيين الذين قرّروا شراءه والاحتفاظ به.
وبعد مفاوضات مضنية بين الفرنسيين والسلطات اليونانية، وافقت الأخيرة على بيعه لفرنسا مقابل 1000 فرنك فرنسي، أي بما لا يتجاوز قيمة قطيع من الماعز بمقاييس ذلك الزمان.
وبعد رحلة في البحر عبر المتوسّط، وصل التمثال أخيرا إلى باريس، حيث قام ماركيز ريفيير سفير فرنسا لدى الأتراك العثمانيين بإهدائه إلى لويس الثامن عشر في احتفال خاص.
ويظهر أن هذه التحفة الفنية النادرة التي تعود للعصر الكلاسيكي لليونان كانت هي بالضبط ما كان اللوفر يتوق لاقتنائه في النهاية.
كان ُينظر إلى التمثال على الدوام باعتباره تجسيدا للخيال والإلهام والعبقرية التي أبدعت كلاسيكية الإغريق. وقد تبوّأ التمثال مكانا متفردا في اللوفر منذ اقتنائه واصبح مصدرا مهما استوحى منه العديد من الفنانين الفرنسيين أعمالهم.
نابوليون بونابرت لم يكن يظهر كبير اهتمام بالفن، ومع ذلك كان يحرص على الوقوف إلى جانب التمثال لكي يحذو حذوه ضيوف الشرف الذين كانوا يزورون باريس في تلك الأيام.
لكن بعد هزيمة بونابرت في ووترلو ونفيه إلى جزيرة سينت هيلينا، توافد على فرنسا مندوبون من الدول التي هزمت نابوليون لكي يطالبوا بقطعهم الفنية المنهوبة.
وخلال عام واحد تمكّنت ايطاليا وانجلترا من استعادة كنوزهما الأثرية التي تعود للعصور الرومانية والإغريقية.
لكن بقي تمثال فينوس دي ميلو بحوزة الفرنسيين كي يقلدوه وينسجوا على منواله.
يقول بعض خبراء الفن إن التمثال ربّما يعود للفنان العظيم فيدياس أو لزميله براكسيتيليس، وهما نحّاتان إغريقيان عاشا في القرن الرابع أو الخامس قبل الميلاد.
لكن بناء على بعض النقوش والكتابات التي وجدت في المنطقة التي ُعثر فيها على التمثال، يميل بعض المؤرخين الآن إلى أن مبدع التمثال هو الكساندروس الانطاكي، الذي كان موسيقيا ونحّاتا عبقريا في ذلك الزمان، ولم تكن شهرته أو موهبته الفنية تقلّ عن تلك التي لزميليه.


المـوجــة التـاسعــة للفنان الروسي ايفان ايفازوفسكي

ولد ايفان ايفازوفيسكي في مدينة فيودوسيا الروسية في العام 1817، وفي عام 1833 دخل أكاديمية الفنون الروسية حيث درس فيها رسم المناظر الطبيعية.
تطوّرت موهبة ايفازوفيسكي بسرعة وكان معاصرا لانبثاق عصر النهضة الروسي بعد انتهاء الحرب النابليونية والذي شهد ولادة الكثير من الأسماء اللامعة في ميادين الثقافة والموسيقى والأدب مثل بوشكين و غوغول و ليرمينتوف و ميخائيل غلينكا وغيرهم. وفي عام 1838 أرسل إلى شبه جزيرة القرم لمدة سنتين حيث رسم هناك لوحات تتناول عناصر الطبيعة.
ثم ذهب بعد ذلك إلى الخارج ليعود مجدّدا في العام 1844. وما لبث أن ُمنح لقب "أكاديمي" وُعهد إليه بمهمّة رسم الموانئ العسكرية الروسية الكبرى الواقعة على بحر البلطيق.
قضى ايفازوفيسكي معظم حياته في فيودوسيا المدينة التي ولد فيها، حيث اهتم بأموره الخاصة ونظّم معارض للطلبة الفقراء في أكاديمية الفنون.
اشهر لوحات ايفازوفيسكي هي لوحته الجميلة "الموجة التاسعة" التي أنجزها في العام 1850م.
في هذه اللوحة تبدو موهبة الرسّام في أجلى صور النضج والتبلور.
اللوحة تظهر بحرا هائجا بعد عاصفة ليلية، فيما ترسل الشمس خيوطها الأولى لتلمع فوق الأمواج الضخمة.
اكبر هذه الأمواج، الموجة التاسعة، تبدو وكأنها على وشك ابتلاع البحارة الذين يصارعون من اجل النجاة بأنفسهم فوق السارية الغارقة بعد أن هلك عدد من رفاقهم.
البحّارة هنا يدركون انهم لن يستطيعوا السباحة للخروج من الخطر المحدق، وانهم يواجهون موتا شبه محتّم، ومع ذلك يتشبّثون بالسارية ويصارعون العناصر من اجل البقاء.
المشهد كلّه يوحي بشيئين: الإحساس باليأس ومحاولة التمسّك بالحياة.
"الموجة التاسعة" تتألف من تدرّجات لونية دافئة، فالبحر لا يبدو شرّيرا كثيرا، الأمر الذي يدفع الناظر إلى الظنّ الواهم بأن البحارة ربّما يتمكّنون من النجاة. لكن مثل هذا الاحتمال يبدو شبه مستحيل. وبالرغم من الطبيعة المأساوية للصورة فإن الفنان يبدو معجبا - بوضوح - بجمال البحر.
ولا شكّ أن موهبة ايفازوفيسكي في تحكّمه بالألوان وإجادته لعبة الضوء هي التي تجعل البحر يبدو هنا طبيعيا ومتوهّجا..


القـوط الأمـريكيـون للفنان الأمريكي غـرانـت وود

عندما ظهرت هذه اللوحة لاول مرة أثارت جدلا كبيرا في أوساط الفن، إذ اعتبرها بعضهم كاريكاتيرا مهينا بحق سكان الريف البسطاء.
لكن لوحة "القوط الأمريكيون" اكتسبت القبول والاعتراف شيئا فشيئا إلى أن أصبحت في فترة وجيزة اكثر اللوحات الفنية شعبية ورواجا في الولايات المتحدة.
كان الفنان غرانت وود يتبنى واقعية القرن الخامس عشر في الفن الأوربي، وقد استمد الفنان موضوع لوحته من بيئة موطنه في ولاية ايوا بالغرب الأوسط الأمريكي.
لوحة "القوط الأمريكيون" تصوّر مزارعا وابنته العانس وهما واقفان أمام منزلهما ذي الملامح المعمارية القوطية، ومن هنا أخذت اللوحة عنوانها.
وفي الواقع فان "الموديلين" اللذين استخدمهما الفنان في رسم اللوحة هما أخت الفنان نفسه وطبيب أسنان العائلة.
وقد اتهم الفنان وود بإنتاج هذه اللوحة من اجل السخرية من التعصب والصرامة اللتين تتسم بهما الطبيعة المنعزلة لسكان الريف الأمريكي.
واصبحت اللوحة مثارا للكثير من الآراء المتناقضة ، فبعض النقاد قالوا إنها تشكل احتفالا بالقيم الأمريكية الاصيلة، والبعض الآخر ذهب إلى أن اللوحة تمثل نقدا ساخرا لتلك القيم.
قد يكون الرجل الواقف في اللوحة ممسكا بمقشّة مزارعا، وقد يكون واعظا، وهو هنا – وبدافع الغيرة – يحرس ابنته من عيون الرجال المتطفلين.
الطراز القوطي للمنزل والنظرات الوقورة للرجل والملامح الحادة للمرأة كلها ثيمات قد ترجح احتمال أن يكون الفنان أراد فعلا السخرية من القيم الموغلة في المحافظة والتشدد الذي كان سائدا في بيئته خلال ثلاثينات القرن الماضي.
ومنذ العام 1930 وحتى اليوم، ظلت "القوط الأمريكيون" من مقتنيات معهد شيكاغو للفن المعاصر، وتعتبر اللوحة واسطة عقد الأعمال الفنية الممتازة التي تضمها مجموعة المعهد.
واللوحة برأي الكثير من النقاد تعتبر إحدى اشهر عشر لوحات في تاريخ الفن العالمي كله.
أما المرأة العانس فينظر إليها على أنها إحدى اشهر ثلاث شخصيات أنثوية خلدهن فن التصوير، أما الشخصيتان الأخريان فهما موناليزا دافنشي ووالدة الفنان جيمس ويسلر.


الغجـريّـة النـائمـة للفنان الفرنسي هنـري روسّـو


ولد هنري روسو في العام 1844 بفرنسا لعائلة فقيرة، وعندما صقل موهبته الفنية بدأ في بيع لوحاته ليعيل أسرته.
كان الفنان يتردّد كلما توفّر له الوقت على حديقة الحيوان بحثا عن مواضيع لرسوماته.
بعض الحيوانات في الحديقة كان منظرها يدخل الخوف في قلبه، وقد الزم نفسه مرارا بعدم الذهاب إلى هناك، لكنه كان يعود إلى الحديقة من جديد ليرسم الحيوانات.
"الغجرية النائمة" هي اشهر لوحات روسو وأكثرها مبيعا وهي مثال ممتاز على طبيعة أعمال هذا الفنان.
فهي تصوّر غجرية نائمة في صحراء والى جوارها أسد فضولي يحاول، بحذر، الاقتراب منها.
ربّما يكون الأسد من نسج أحلام المرأة، إذ الظاهر أنها تنظر إليه باعتباره مجرد فانتازيا اكثر من كونه يشكّل خطرا.
في هذه اللوحة لمسة طفولية واضحة لان الفنان استخدم فيها خطوطا غير واقعية، وقد عمد إلى تغميق بشرة الغجرية والأسد لابراز التباين المطلوب مع الخلفية البيضاء. كما ترك مساحات فارغة حول الشخصيات الرئيسية لكي يجذب انتباه الناظر إلى وسط اللوحة.
روسو ينتمي إلى الرمزية – ما بعد الانطباعية – والتي لا تهتم بالعالم المنظور والمظاهر السطحية بل تركّز على عالم الفانتازيا الداخلي.
وكان منجذبا إلى رسم مناظر الغابات والحيوانات المثيرة للاهتمام كالأسد والنمر، مع ميله إلى رسم الطبيعة وتأمّل جمالها.
وبالإضافة إلى تركيزه على استخدام الخطوط المستقيمة، كان روسو يميل إلى استخدام ألوان الباستيل في رسوماته الفانتازية، ولعلّ هذا هو ما يفسّر إعجاب الأطفال برسوماته.


الفتــى الأزرق للفنان البريطاني توماس غينسبورو

يُعتبر توماس غينسبورو أشهر من رسم البورتريه من الفنانين الانجليز. وأحد أشهر بورتريهاته هو الفتى الأزرق الذي استنسخ مرّات لا تُحصى.
في هذا البورتريه الكلاسيكي يحاول غينسبورو محاكاة أسلوب الرسّام الهولندي انتوني فان دايك الذي اشتهر بلوحاته الني يصوّر فيها ملابس الفرسان التي كانت شائعة في القرن السابع عشر.
كان غينسبورو معجبا كثيرا بـ فان دايك الذي كان قد أقام في بريطانيا فترة. ويبدو انه رسم "الفتى الأزرق" بوحي من إعجابه ووفائه للرسّام الهولندي.
كان أسلوب فان دايك في رسم البورتريه يبرز أناقة وثراء الشخصيات التي يصوّرها وكان يبالغ في ارتفاع الشكل وتطويل الأيدي لإبراز الأناقة والمنزلة الرفيعة. كما كان يصوّر شخصّياته بملابس ثمينة وزاهية الألوان.
واللوحة تصوّر جوناثان بوتال وهو ابن تاجر خردوات ناجح كان صديقا لـ غينسبورو.
وقد ألبس الرسّام الشاب ثيابا تعود إلى ما قبل 140 عاما من ذلك التاريخ. ويظهر جوناثان في اللوحة وهو يرتدي ثوبا من الساتان الأزرق المطرّز ويمسك بقبّعة سوداء ويقف أمام منظر طبيعة ريفية.
ملامح الشابّ ونظراته وطريقة وقوفه تعطي انطباعا بالجسارة والثقة بالنفس. كما أن استطالة وجهه تذكّر بتماثيل عصر النهضة.
وشأن بقيّة لوحاته الأخرى، رسم غينسبورو الشابّ اعتمادا على ملاحظاته الخاصّة عن طبيعة الشخصية ومزاجها أكثر مما كان يعتمد على قواعد الرسم الأكاديمي المتعارف عليها.
ورسوماته إجمالا تتسم بالإثارة والشاعرية. كما أنها لا تخلو من الأناقة والتلقائية والدفء الإنساني. وفي بعضها يظهر تأثّره إلى حدّ ما بأسلوب روبنز.
ولد توماس غينسبورو لعائلة متواضعة وكان اصغر إخوته التسعة. ومنذ بداياته، كان شغوفا برسم الطبيعة فصوّر الغابات والمراعي وحياة الريف.
ومناظره الطبيعية تتميّز بطابعها التأمّلي وبتلك المسحة من الحزن الشاعري الذي تعمّقه طريقته المتفرّدة في تمثيل الضوء الخافت.
وقد عُرف عن غينسبورو انجذابه القويّ للموسيقى. وعندما سافر إلى ايطاليا حرص على الالتقاء بالموسيقي النمساوي موزارت حيث ربطتهما في ما بعد صداقة وثيقة.
وفي زمانه كان غينسبورو، مع زميله جوشوا رينولدز، أفضل رسّامَين في انجلترا. غير انه كان الرسّام المفضّل عند أفراد الطبقة الارستقراطية. وبفضل تعاملهم معه وقربه منهم أصبح شخصا ثريّا وذا مكانة اجتماعية مرموقة.
ومن أشهر لوحاته الأخرى بورتريه إليزابيث شيريدان التي كانت موسيقية موهوبة وأحد رموز الارستقراطية الانجليزية آنذاك.
في أحد الأوقات كانت "الفتى الأزرق" اللوحة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة.
وقد حدث هذا بعد أن اشتراها ثريّ أمريكي في عشرينات القرن الماضي مع لوحة توماس لورنس المشهورة بورتريه سارة مولتون أو الفتاة الزهرية .
ومنذ ذلك الوقت واللوحتان تُعرضان جنبا إلى جنب في متحف هنتنغتون الأمريكي.
ويقال إن إقبال الناس على شراء نسخ من اللوحتين كان ظاهرة نادرة الحدوث.
ولأن العنصر المشترك بين العملين هو طبيعة اللباس الذي ترتديه الشخصيّتان، فقد كان لذلك تأثير قويّ على لون اللباس الذي يفضّله الأمريكيون، لدرجة أن الأزرق أصبح اللون المفضّل للأولاد والزهري اللون الذي تفضّله الفتيات.
رسم الفنان توماس غينسبورو على امتداد سنوات حياته الستّين حوالي 500 لوحة: 300 منها تتناول مواضيع الطبيعة و 200 عبارة عن بورتريهات لأشخاص.


البارجــة تيميـريــر للفنان البريطاني جوزيف تيرنر

يعتبر جوزيف تيرنر برأي الكثيرين اعظم رسّامي الطبيعة ومناظر البحر الرومانسية في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر.
لكنه اقلّ الفنانين حظّا، نظرا لان النقاد انصرفوا عنه رغم موهبته وميله للتجديد واهتمّوا بغيره من الفنانين الأقلّ شأنا وموهبة.
ولا بدّ وأن ميله للعزلة بعد جنون والدته ومن ثم موتها هو أحد الأسباب التي أدّت إلى ابتعاد النقاد عنه.
وأحد اعظم أعماله الفنية هو لوحته الجميلة "البارجة تيميرير" التي يصوّر فيها السفينة الحربية التي لعبت دورا مشهودا في معركة الطرف الأغرّ وهي ُتسحب بعيدا عن البحر من قبل سفينة من النوع الجديد آنذاك الذي يعمل بالبخار.
هذه اللوحة وغيرها من أعمال تيرنر حاول فيها الفنان تسجيل بعض مظاهر تحوّل بريطانيا إلى الثورة الصناعية والتغيّرات التي رافقت ذلك وأثرت على وسائل المواصلات وغيرها من اوجه الحياة.
كان تيرنر يدرك أهمّية هذه اللوحة ولذا فقد كان يرفض بيعها على الدوام منذ أن ظهرت لاوّل مرّة في العام 1838م.
في زمانه تعرّض تيرنر للهجوم والسخرية، إذ أن الجمهور في تلك الأيام كان يطمح في رؤية أعمال فنية واقعية وقريبة جدا من الصور الفوتوغرافية في تعاملها مع الأجسام المادية.
في حين أن تيرنر كان يركّز على اكتشاف التفاعل الوثيق والخلاق بين الضوء والجوّ، وهو ملمح طبع جميع لوحاته.
وبعد أن تغيّر الحال اصبح الناس يقدّرون دور الفنان في ترجمة الأشياء والإحساس الكامن فيها بدلا من الانشغال بالحقائق والمفردات المادية والمجرّدة.
توفّي جوزيف تيرنر في لندن في العام 1851م.


وســـام الفــارس للفنان البريطاني ادموند بلير ليتون


تعتبر هذه اللوحة أحد اشهر الأعمال الفنية التي تتناول تقليدا يعود اصله إلى القرون الوسطى.
وطبقا لتاريخ الفروسية في أوربا، كان الشباب يمنحون مرتبة الفروسية في سن الحادية والعشرين. وكانت مناسبات منح رتبة الفارس تأخذ شكلا احتفاليا معينا. فبعد حمام التطهير الذي يخضع له المرشح لنيل لقب الفارس، يطلب منه أن يقضي الليل في الصلاة أمام المذبح الذي يضع عليه عدته الحربية.
في الصباح تقام بعض الطقوس الدينية من بينها خطبة للكاهن عن واجب الفارس في حماية الضعيف وتقويم الخطأ واحترام النساء.
وبحضور الفرسان والأعيان والسيدات يقوم الفارس بارتداء حلته القتالية قطعة قطعة، قبل أن يجثو على ركبتيه لتلقي وسام الفروسية.
والوسام هنا ذو معنى مجازي إذ هو ليس اكثر من ضربة خفيفة بباطن السيف على الكتف يقوم بها رجل أو سيدة.
وبعد أن ُيخلع على المرشح لقب الفارس يصبح له مطلق الحرية في أن يذهب إلى حيث يشاء، باحثا عن المغامرة وحاملا معه سيفه ورمحه وترسه.
كان الفنان ادموند بلير ليتون مفتونا بتصوير تقاليد القرون الوسطى في أعماله. وكان من عادته أن يحتفظ بكراس يدون فيه أفكاره ومشاهداته قبل أن يقوم بمعالجتها و ترجمتها إلى أعمال فنية.
ولا تخلو صور الفنان من مشاهد لنساء أنيقات وفرسان بكامل هيئتهم في طبيعة مفتوحة أو في بيئة داخلية مرتبة بعناية.
وسام الفارس عمل رومانسي جميل ومتفرد وما يزال إلى اليوم من بين اكثر الأعمال الفنية استنساخا وبيعا، شأنه شأن معظم لوحات ليتون الأخرى.


عـذراء كنيسـة سيسـتـين للفنّـان الإيطـالي رافـائيــل

تعتبر لوحة "عذراء كنيسة سيستين" واحدة من اعظم الأعمال الفنية في العالم ومن أكثرها نقاشا واحتفاء.
وقد ظلت هذه اللوحة على الدوام رمزا مميزا للتطوّر الذي شهدته الفنون بعامة خلال عصر النهضة الإيطالي.
بل إن شعبيتها الكاسحة دفعت بعض النقاد إلى تشبيهها بلوحة الموناليزا لدافنشي.
وأحد عناصر اللوحة التي كانت مثارا للكثير من النقاش هو التعابير الغامضة التي رسمها رافائيل على وجه العذراء وطفلها وحاول النقاد ودارسو الفن فكّها ومعرفة كنهها.
وقد حاول الكثير من المؤرخين والفلاسفة عبر العصور تفسير المعاني والدلالات التي أراد الفنان تضمينها في هذه اللوحة، ومن بين هؤلاء غوته وشوبنهاور وشرودر.
شوبنهاور ، مثلا، تحدث عن ملامح الخوف التي ترتسم على وجه وعيني الصبي، بينما تساءل آخرون عن مغزى إظهار العذراء في حالة حيرة وارتباك.
في اللوحة تقف الشخصيات (العذراء وطفلها والقديس والقديسة والملاكان الصغيران إلى أسفل) على مقعد من الغيم تؤطره ستارتان منفتحتان إلى أعلى.
وتبدو العذراء كما لو أنها هابطة من السماء فيما يتوجه القدّيس (إلى اليسار) بنظره إلى المسيح الصغير، بينما توجّه القديسة (إلى اليمين) نظراتها الحانية إلى الملاكين الصغيرين الظاهرين في اسفل الصورة.
ومما لا شك فيه أن أشهر جزء في هذه اللوحة الفريدة هو صورة الملاكين الصغيرين إلى الأسفل، إذ ُطبعت صورتهما على ملايين البوسترات والصور التذكارية.
لوحة "عذراء سيستين" كان مقدّرا لها على الأرجح أن تزيّن قبر البابا يوليوس الثاني، وقد ُعثر عليها في ما بعد في أحد الأديرة لتجد طريقها بعد ذلك إلى موسكو بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن تنقل إلى متحف مدينة درسدن الألمانية حيث ظلت هناك حتى اليوم.
ُيذكر أن هذه اللوحة أصبحت رمزا للأمومة المثالية. كما أن خطوطها المنحنية والعريضة نزولا وصعودا، وتوازن الكتل فيها وتوزيع الألوان الدقيق ما بين الذهبي والأخضر، والبني والأزرق، كل ذلك يعطي الناظر إليها شعورا بالسلام والطمأنينة.
تلقى رافائيل تعليمه على يد أبيه، الفنان هو الآخر، والذي لمس في ابنه الاهتمام والموهبة. وفي زمن قياسي اصبح فنانا موهوبا وتجلت عبقريته وهو ما يزال في سن السابعة عشرة.
انتقل الفنان بعد ذلك إلى فلورنسا حيث درس أعمال دافنشي ومايكل انجيلو وبارتولوميو.
لوحات رافائيل بشكل عام تجسّد فكرة الجمال المثالي وعظمة الإنسان، و "عذراء سيستين" تمثل ذروة عبقريته وتفرّده الفني، ولهذا اعتبر واحدا من اعظم الرسامين الذين جاد بهم عصر النهضة في إيطاليا.


بورتريه الليدي اغنـيــو للفنان الأمريكي جون سنغر سارجنت

في أواخر عام 1892 بدأ الفنان جون سارجنت العمل على بورتريه الليدي اغنيو "غيرترود فيرنون" وهي زوجة صديقه الاسكتلندي، وعندما أتمّ رسم البورتريه استقبله نقاد الفن بتقدير واحتفاء كبيرين وعدّوه تحفة فنية تمثل انتصارا للتكنيك المتميز الذي طالما انفرد به جون سارجنت في رسمه للبورتريه.
عندما نتمعّن في لوحة الليدي اغنيو عن قرب، فان أول ما نلاحظه هو أن المرأة سيّدة جميلة وتتمتع بوجه متناسق يقترب من الكمال، كما أن الوجه يعطي انطباعا عن إحساس صاحبته بالارتياح والدعة. وهذه السمة تعرف بالسيميترية التي يرى بعض النقاد أنها المعيار الموضوعي الذي يمكن من خلاله الحكم على شئ ما بأنه جميل من عدمه.
ومع ذلك فهناك بعض النقاد ممن تحدثوا مطولا عن سمات بورتريهات هذا الفنان، واهمها وجود عنصر توتّر نسبي في ملامح النساء اللاتي يرسمهن. ولوحة الليدي اغنيو ليست استثناء. إذ على الرغم من أن السيدة تجلس بوضعية مريحة وتبدو متآلفة مع الأشياء من حولها وتملك حضورا طاغيا، فان هناك قدرا من الطاقة العصبية تتجلى في طريقة الجلوس وشكل الفم وامساك اليد بالكرسي وانحناءة الرأس الخفيفة إلى اسفل.
وكما هو الحال مع الكثير من رسامي البورتريه فان جون سارجنت كان يتلقى بعض الملاحظات من زبائنه الذين يعبّرون فيها أحيانا عن عدم رضاهم على بعض تفاصيل الصور التي ينجزها لهم.
لكن سارجنت كان رجلا ذا قناعات فنية عميقة، ولم يكن من السهل أن يتنازل عن رأيه من اجل إرضاء هذا الزبون أو ذاك.
كان جون سارجنت يحب النساء اللاتي يتمتّعن بقوّة الشخصية والذكاء والجمال، ومن الواضح انه كان يستمتع كثيرا بحضورهن أثناء ساعات الرسم. ورغم تمتّعه هو الآخر بشخصية ساحرة ومرحة فقد كان إنسانا شهما يغلب على طبعه الخجل والحياء. وكان بالإضافة إلى براعته في الرسم عازفا ماهرا على البيانو، ويبدو انه كان يستمد من الموسيقى النشاط والخيال اللذين كانا يعينانه على الرسم، وبعض لوحاته لا تخلو من عناصر موسيقية فيها.
لوحة الليدي اغنيو هي بلا شك أحد افضل أعمال الفنان جون سارجنت، إذ تبدو الليدي سيدة حديثة جدا. والأمر المؤكد هو أن هذه اللوحة البديعة كانت نتاجا للتفاعل المتسامي بين امرأة جميلة ورجل ذي شخصية آسرة وقادرة على قراءة الآخرين بعمق.


أزهــار الـريــح للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس

ظلت أعمال الفنان جون ووترهاوس تحظى بالشعبية والتفضيل دائما، وقد تخصص في تصوير مشاهد من أساطير القرون الوسطى والعالم القديم.
وفي العام 1902 ظهرت هذه اللوحة الهامة "أزهار الريح" في مقدمة سلسلة من اللوحات التي تعالج فكرة جديدة تتمثل في تصوير فتيات في ملابس فضفاضة وهن يجمعن الأزهار في طبيعة مفتوحة.
ووترهاوس كان يحب الأزهار وهناك العديد من الدراسات النقدية المكرسة لتحليل هذه الظاهرة اعتمادا على تفاصيل بعض لوحاته.
ولد الفنان ووترهاوس في روما، وعندما أتى إلى انجلترا درس في استديو والده، الفنان هو الآخر، ثم في أكاديمية الفنون الملكية.
تأثر بـ لورنس تاديما ورسم مشاهد من الحياة في إيطاليا حيث كان يقيم.
في 1891 اكتشف "موديلا" جميلة ظهرت في معظم لوحاته التي رسمها في ما بعد.
يغلب على لوحات ووترهاوس الطابع الكلاسيكي، لكنه مصنف بكونه منتميا للأسلوب ما قبل الرافائيلي بسبب تركيزه على رسم النساء الجميلات وافتتانه بفكرة الأنوثة وتبنيه للاتجاه الواقعي في الرسم.
لوحته الجميلة "أزهار الريح" تتميز برومانسيتها الفائقة ورقة خطوطها وأناقة توزيع الألوان فيها.


حـدائق خلف بوّابـة الخـريف للفنان الأمريكي المعاصر توماس كينكيد

يعتبر توماس كينكيد اكثر الفنانين الأحياء شعبية ورواجا في الولايات المتحدة اليوم.
لوحاته توصل إحساسا بالسكينة والتفاؤل والسلام بفضل الضوء الذي يشع من ألوانه التي تبعث الأمل والإلهام في النفس.
في رسوماته، يركّز كينكيد على القيم العائلية والإيمان بالله من خلال الجمال المضيء للطبيعة.
تلقى كينكيد العديد من الجوائز على إبداعاته الفنية المتميزة، كما لقيت أعماله وتلقى الكثير من الثناء والإشادة من الأوساط الفنية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ُيطلق على توماس كينكيد لقب "فنان الضوء" بالنظر إلى مهارته العالية في توظيف الضوء في لوحاته البالغ عددها اكثر من 300 والتي تصوّر مشاهد تضجّ بالحياة للطرقات والأكواخ والمنارات والشواطئ والبيوت.
وهناك ما يربو على التسعين ورشة فنية تعرض جميعها أعمال كينكيد التي يتسابق هواة الفن في شرائها واقتنائها. كما تظهر طبعات كثيرة من لوحاته على البطاقات البريدية وأغلفة المجلات.
وهناك من بعض نقاد الفن اليوم من يقارن كينكيد بمونيه ورينوار من حيث انه عاش حياة صعبة في البداية وجاهد وتعب كثيرا وهو يبحث لنفسه عن أسلوب فني متفرّد.
درس كينكيد باستفاضة أعمال رمبراندت وكارافاجيو وتعلم منهما طريقتهما في توظيف الضوء والظل من اجل الحصول على تأثير قوي للوحة، كما تجوّل طويلا في أرجاء الطبيعة الأمريكية دارسا ومنقبا ومتأمّلا.
من بين اجمل لوحاته واكثرها رواجا لوحته المسماة "حدائق خلف بوابة الخريف" التي أنجزها في نوفمبر من العام 1994، وفيها يصوّر بركة ماء صغيرة تتوسطها مزهرية عبر ممرّ تناثرت على جانبيه الورود والازاهير في كرنفال لوني بديع. وفي الأعلى قليلا تراءى منظر لمنزل صغير تتسلل عبر نوافذه غلالات من نور تشعّ مبدّدة بعض ما علق في الأجواء من ضباب الليلة الفائتة.
هنا أيضا تتجلى قدرة الفنان في استخدام عنصر الضوء بمهارة فائقة وبطريقة تثير المخيّلة وتداعب أوتار النفس.


الصـحــوة للفنان الكندي جوناثان باوزر


في لوحات هذا الفنّان، لا تلمس أثرا لمعاناة الإنسان وهمومه ومشاغله. فهو يعتقد أن العالم، برغم ما ينوء به من صراعات ومشاكل، ما يزال مكانا يضمّ بين جنباته الكثير من مفردات وعناصر الجمال الذي لا تحدّه حدود.
ومناظر باوزر البديعة يمكن اعتبارها محاولة لاكتشاف قدسيّة الحياة ورمزية الأسطورة ودعوة للكشف عن غموض وجمال الكون المختبئ وراء المظاهر المادّية والمصطنعة للأشياء.
يقول واصفا مغزى لوحته "الصحوة": في اللوحة تعبر الآلهة عتبات الأبعاد لتدخل عالما مفقودا في الثلج والظلام. وعلى خطاها التي تحتضن العالم، تتناثر ستّون زهرة لوتس ترمز للخلق. وحولها هالة مضيئة بينما تمسك بيدها برعما مشعّا يرمز إلى حضورها الدائم الذي يولّد في العالم أمواجا من الضوء الواهب للحياة. وحول الهالة الشمسية العظيمة، تطير سبع حمامات بصحبة سرب من الفراشات المضيئة".
وظّفت هذه اللوحة في أعمال شعرية وأدبية كثيرة. وقد أثار وضعها منذ سنوات على غلاف رواية صدّام حسين "زبيبة والملك" خلافا قانونيا بين الرسّام والحكومة العراقية. إذ اتهم باوزر وزارة الإعلام العراقية وناشري الرواية بانتهاك حقوق الملكية الفكرية عندما وضعوا اللوحة على غلاف الكتاب دون إذن مسبق منه.
وفي ما بعد، أزيلت اللوحة من غلاف النسخة الانجليزية من الرواية واستبدلت بصورة للرئيس العراقي عند أسره. وقد ثار سؤال وقتها عن سبب إعجاب صدّام بامرأة غامضة ومسالمة. وقيل انه ربّما رأى في الأقواس التي تظهر في خلفية اللوحة ما ذكّره بأقواس مدينة بابل القديمة.
"الصحوة" لوحة تختزل رؤية الفنان الباحث دوما عن المعرفة القديمة والأزلية التي تتأتّى من خلال الكشف الشعري والوجداني كلّ ما هو مقدّس وسامٍ في هذا الكون.
وباوزر يعتقد بأن الميثولوجيا، سواءً كانت اعتقادا دينيا أو استعدادا نفسيا للحياة، يجب أن ُينظر إليها باعتبارها الروح الضرورية والدائمة لعالمنا المعاصر المدفوع بالتكنولوجيا والتغيير الدائم والمستمر.
كما انه يحاول في أعماله تمثيل الجمال وقوى الطبيعة والتاريخ والفلسفة ومزجها بالجوانب الروحية والسيكولوجية.
من الأشياء الملفتة في لوحات الرسّام هذا الحضور الدائم والمتكّرر للنساء وكأنه يؤكّد على صورة الأنثى باعتبارها رمزا للخصب والتجدّد والخلق والنماء.
ومن الواضح أنه متأثّر مثل كثيرين غيره من الفنانين المعاصرين بالفلسفات الشرقية القديمة التي تربط بين عناصر الطبيعة والأسرار الكلّية للكون ووحدة الوجود.
ولد جوناثان باوزر في كندا ودرس فيها الرسم والتصميم. وقد تأثر منذ بداياته بـ بوغورو ونسائه الصامتات المتأمّلات. كما تأثر بـ البيرت بيرشتادت الذي اشتهر بمناظره الطبيعية ذات السمات المقدّسة والغامضة.
وتتوزّع لوحاته اليوم على العديد من المتاحف والغاليريهات والمجموعات الفنّية الخاصّة.

القبــلــة للفنان النمساوي غـوستـاف كليـمـت


تعتبر لوحة القبلة لغوستاف كليمت من اشهر الأعمال الفنية العالمية التي أنجزت في القرن العشرين. بل إن كثيرا من نقاد الفن لا يتردّدون في تصنيفها ضمن افضل خمس لوحات في تاريخ الفن التشكيلي العالمي كلّه.
وقد أصبحت هذه اللوحة رمزا للأمل ومرادفا للجمال الأنثوي والانجذاب العاطفي بين الجنسين.
في "القبلة"، كما في أعمال كليمت الأخرى، ثمّة استخدام لافت للألوان الداكنة والخلفيات الذهبية والخطوط الزخرفية والعناصر الايروتيكية.
ورغم أن هذه اللوحة كانت في البداية مثار جدل واسع، فإنّها أصبحت في العقود التالية واحدة من اكثر الأعمال الفنية التشكيلية تفضيلا وشهرة.
وكان لها تأثير واسع على الحياة الثقافية في عصر كليمت، وضمنت له بالتالي شعبية كبيرة في أوساط مجتمع فيينا آنذاك.
اشتغل غوستاف كليمت في بدايات حياته الفنية بالديكور والزخرفة وتعلّم مهارات الحفر والنقش التي اكتسبها من والده، الفنان هو الآخر.
وهناك ملمح ثابت في كافة أعماله، يتمثل في غلبة اللونين الفضّي والذهبي عليها، كما كان يركّز بوضوح على تضمين لوحاته عناصر وتفاصيل زخرفية. ويبدو أن ميله للزخرفة كان بسبب افتتانه بالموازييك البيزنطي الذي اكتشفه أثناء تجواله في ضواحي فيينا والريف الإيطالي. وقد تمرّد كليمت على القواعد والأساليب التقليدية التي كانت رائجة في عصره، وكان مناصرا قويا لأساليب الفن الحديث.
في " القبلة"، استخدم كليمت الأشكال المسطّحة والأنماط الزخرفية بشكل عام، وتعمّد أن يرمز للأنثى بخطوط دائرية وللرجل بأشكال مربّعة ومستطيلة.
ورغم بساطة هذه اللوحة ظاهريا، فإن رمزيّتها العميقة والمهارة الفائقة التي ُنفّذت بها كانت دائما مثار حديث أوساط الفنّ التشكيلي ودارسيه.
لوحات غوستاف كليمت تغطي مواضيع متنوّعة، بدءا من ثراء الطبقة البرجوازية في فيينا ومرورا بالمضامين الأسطورية والإشارات الايروتيكية وانتهاءً بجمال الطبيعة.
وبالإضافة إلى الرسم، عمل كليمت في السياسة، وكان مدافعا عنيدا عن الفنانين الشباب الذين كان يشجّعهم على الثورة على الأساليب الفنية المحافظة في ذلك الوقت. كما أنشأ مجلة استقطب لها الآلاف من الفنانين الصاعدين من مختلف أرجاء العالم وعمل على نشر أعمالهم الثورية والتجديدية.
على المستوى الشخصي، كان كليمت منجذبا بقوّة نحو النساء، بل انه كان يستخدم بغايا كموديلات للوحاته. والكثير من رسوماته اعتبرت في عصره حسيّة اكثر من اللزوم وجريئة بما يكفي لتحدّي الأعراف والقواعد السائدة في مجتمع فيينا خلال السنوات الأولى من القرن العشرين.
في شهر يناير من عام 1918 أصيب كليمت بجلطة مفاجئة شلّت حركته وأضعفت قواه ليتوفّى بعدها بشهر عن عمر ناهز الخامسة والخمسين.


بورتريه جـاني هيـبوتيـرن للفنان الإيطالي اميديـو موديـليـانــي

كان اميديو موديلياني رسّاما ونحّاتا ذا أسلوب متفرّد وخاص. ومن السهل التعرّف على لوحاته بفضل الطابع القوطي لشخوصها وبساطة تفاصيلها ودقّة خطوطها وأناقة ووضوح ألوانها.
ولد موديلياني لعائلة إيطالية يهودية ودرس الرسم في روما والبندقية، ثم هاجر إلى فرنسا حيث عمل لبعض الوقت مع النحّات الروماني كونستانتين برانكوزي. لكنه ما لبث أن تحوّل إلى الرّسم متأثرا بأعمال سيزان وبيكاسو ولوتريك ورولو.
انتهج موديلياني في البداية الأسلوب التكعيبي في الرسم لكنه لم يكن جزءا من الحركة التكعيبية في ذلك الوقت. وفي ما بعد اتبع أسلوبا هو مزيج من الكلاسيكية والحداثة ورسم جسد الأنثى بطريقة لم يسبقه إليها أحد من الفنانين. وقد ُعرف عن موديلياني بوهيميته وغرابة أطواره وإسرافه في تعاطي الكحول والمخدّرات، ما جلب له متاعب صحّية واجتماعية كثيرة.
وفي ما بعد وقع الفنان في حبّ جاني هيبوتيرن وربطت بينهما علاقة حبّ قويّة. وقد ظهرت في العديد من البورتريهات التي رسمها. أما لوحاته الأخرى فتتضمّن مشاهد لنساء في أوضاع عارية ومتكشّفة.
موديلياني ُينظر إليه اليوم باعتباره أحد اكبر فنّاني القرن الماضي، وأعماله تزيّن قاعات متاحف العالم الكبيرة. وقد بيعت إحدى لوحاته منذ سنتين بمبلغ 27 مليون دولار، رغم انه هو نفسه عاش فقيرا ومعدما.
في بورتريه جاني هيبوتيرن تبدو السيّدة مستندة إلى الأريكة بهيئة مريحة ومزاج مسترخٍ ونظرات هي مزيج من السلبية واللامبالاة. وكما هو الحال مع بقية البورتريهات التي رسمها لنساء، فقد تعمّد موديلياني إطالة اليدين والعنق وتدقيق الأنف فيما بدت الرأس صغيرة مقارنة بحجم الجسد والعينان لوزيتين بلون يتراوح ما بين الأزرق والبنّي والأخضر. واللوحة بشكل عام تختزل أسلوب موديلياني الخاص في التوظيف البارع للخطوط المتعرّجة والخلفيات ذات الألوان الباردة لتمثيل جمال الأنثى التي تتصّف بالغموض والجاذبية.
أما جاني هيبوتيرن نفسها فتنحدر من عائلة ارستقراطية كاثوليكية، وقد تبرّأت منها عائلتها المحافظة بعد ارتباطها بالفنان.
توفي موديلياني بالسلّ في العام 1920 عن عمر لا يتجاوز الخامسة والثلاثين. وبعد وفاته عادت جاني هيبوتيرن إلى منزل أبويها في مونمارتر. لكنها لم تلبث أن ألقت بنفسها من أعلى البناية التي كانت تقطنها عائلتها لتموت منتحرة مع طفلها الجنين. وبعد مرور عشر سنوات على وفاتها سمح أهلها بنقل رفاتها لتدفن إلى جوار زوجها.
كان موديلياني مصرّا منذ البداية على خلق نموذجه الصوري الخاصّ والشائك عن الجمال. وقد نجح في اختراع جنس جديد من الكائنات ذوات الأطراف المستطيلة والخصور الضّيقة والوجوه الدقيقة اللاتي يغلب على ملامحهنّ الهدوء والبرود وأحيانا الانفعالات الجامدة والمحايدة.
غير أن بعض أعماله لا تخلو من حسّية لإظهارها بعض المناطق الخاصّة من الجسد. ونساؤه إجمالا رقيقات مع شيء من الحزن والتأمّل. وميلان الشفاه الخفيف والأعين المظلمة أو الغائرة وسمات زوايا الجسد تعطي إحساسا بالهجر والغربة والانفصال.
اليوم ينظر إلى موديلياني باعتباره جسرا ما بين تولوز لوتريك ورسّامي الفنّ الديكوري الذين ظهروا في عشرينات القرن الماضي.
ولوحاته النسائية الممتلئة بالحبّ الرثائي والتوق والخشوع ما تزال تذكّر الناس به وبموهبته التي تستحقّ الإعجاب والاحترام اللذين ُحرم منهما في حياته. وقد بيعت إحدى لوحاته مؤخّرا بأكثر من 27 مليون دولار أمريكي.
وفي العام الماضي تحوّلت قصّة الحب المأساوي بين موديلياني وجاني هيبوتيرن إلى فيلم سينمائي أخرجه ميك ديفيس ولعب دور الفنان فيه الممثل اندي غارسيا بينما قامت بدور هيبوتيرن الممثلة الفرنسية إلسا زيلبيريستين.

غــورنيـكــا للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو

غورنيكا هو اسم لقرية صغيرة في إقليم الباسك الإسباني تعرّضت في العام 1937 لهجوم بالطائرات والقنابل على أيدي القوات التابعة لنظام فرانكو بمعاونة من جنود المانيا النازية. وقد راح ضحيّة المذبحة اكثر من ألف وستمائة شخص.
الحادثة فجّرت في حينها ردود فعل شديدة في العالم مستنكرة ومندّدة بما حدث، من خلال المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية. ووصلت أخبار المذبحة إلى باريس حيث كان يقيم الفنان الإسباني بابلو بيكاسو.
كان بيكاسو يفكّر في إنجاز عمل فني يجسّد فظائع الحرب الأهلية الإسبانية وما جرّته من موت ودمار، لكن حالة الاضطراب والتشوّش النفسي التي كان يعيشها نتيجة ذلك كانت تمنعه من تحقيق تلك الرغبة.
وقد وفّرت له الحادثة فرصة مواتية لتحقيق ما كان قد فكّر فيه مرارا، مع انه كان يكره السياسة وينفر من فكرة توظيف الفن لأغراض سياسية.
في تلك السنة أقيم معرض باريس الفني وهو مناسبة أراد من خلالها منظمو المعرض الاحتفال بالفن الحديث الذي يستخدم التكنولوجيا الحديثة ويقدم رؤية متفائلة لعالم مختلف عن عالم الثلاثينات الذي تخللته الحروب والاضطرابات السياسية والكساد الاقتصادي العظيم.
وعندما أنجز بيكاسو غورنيكا، دفع بها لتمثل إسبانيا في معرض باريس لتلك السنة.
اللوحة تصوّر فراغا تناثرت فوقه جثث القتلى وأشلاؤهم الممزّقة. وهناك حصان في الوسط وثور إلى أعلى اليسار، بالإضافة إلى مصباح متدلٍّ من الطرف العلوي للوحة. وعلى الأرضية تمدّدت أطراف مقطّعة لبشر وحيوانات. بينما تمسك اليد الملقاة على الأرض بوردة وبسيف مكسور. والى أعلى يمين اللوحة ثمّة يد أخرى تمسك بمصباح. ويبدو أن وظيفة المصباح المعلق في أعلى اللوحة هي تسليط الضوء على الأعضاء المشوّهة لتكثيف الإحساس بفظاعة الحرب وقسوتها. أما الثور إلى يسار اللوحة فليس واضحا بالتحديد إلامَ يرمز، لكن ربما أراد بيكاسو استخدامه مجازيا للتعبير عن همجية المهاجمين ولا إنسانيتهم.
وهناك ملمح مهم في هذه اللوحة وهو خلوّها تماما من أي اثر لمرتكبي الجريمة، فليس هناك طائرات أو قنابل أو جنود. وبدلا من ذلك فضّل بيكاسو التركيز على صور الضحايا.
ردود الفعل الأولية على اللوحة اتّسمت بالنقد والهجوم الشديدين. فالنقاد الألمان قالوا إنها مجرّد هلوسات كابوسية لرجل مجنون، وان بوسع أي طفل في الرابعة أن يرسم افضل منها. أما الروس فقد تعاملوا مع اللوحة بفتور.
ويبدو أن المنتقدين كانوا يعتقدون بأن الفن الواقعي اكثر قدرة على تمثيل الصراعات والحروب ومآسيها.
حتى العام 1981، كانت غورنيكا ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بنيويورك، ومع ذلك فقد طافت بالكثير من المتاحف في أوربا وأمريكا.
وقد ُطلب من بيكاسو اكثر من مرّة أن يشرح مضمون اللوحة، لكنه كان يردّ دائما بأن تلك مهمّة المتلقي، وان اللوحة قابلة للعديد من التفسيرات المختلفة وحتى المتناقضة.
لكن رغم ذلك، أصبحت اللوحة تمثل صرخة بوجه الحرب وشهادة حيّة على حجم البؤس والخراب الذي تخلفه الحروب بشكل عام.
كان بيكاسو يطمح في أن تنتقل غورنيكا إلى إسبانيا في النهاية، لكنه كان يفضّل الانتظار إلى أن ينتهي حكم فرانكو العسكري.
وبعد سنتين من وفاة بيكاسو في العام 1973، توفي فرانكو نفسه. وفي 1981، قام النظام الجديد بنقل اللوحة إلى إسبانيا كأفضل احتفال بالذكرى المئوية لمولد بيكاسو.
وكانت تلك الخطوة رمزا لتحوّل إسبانيا الكبير من الديكتاتورية إلى عهد جديد من الحرية والديمقراطية.
غورنيكا هي اليوم من ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث في مدريد.


فتـاة غجـريـة فـي حـانـة للفنان الهولندي فـرانـز هـولــس

أكثر ما يميّز هذا البورتريه الجميل والمألوف هو ملمح التلقائية والبساطة الظاهر على وجه الفتاة، والذي ينمّ عن براعة الفنان في تصوير المزاج المبتهج والتعابير الفورية والعفوية.
لوحة الفتاة الغجرية هي أشهر أعمال الفنان الهولندي فرانز هولس الذي عُرف عنه قدرته على رسم التعابير العفوية لشخوص لوحاته من خلال ضربات الفرشاة العريضة والسريعة.
وبالإضافة إلى ذلك، وظّف الفنان أسلوبه الخاصّ في استخدام الضوء ومزج الألوان الساطعة ونثرها على مساحة اللوحة.
وممّا يُعزى إلى فرانز هولس أيضا طريقته المبتكرة في رسم بورتريهات جماعية لأشخاص. ومع انه كان يحرص على تمثيل ملامح وتعابير كلّ شخصية على حدة، إلا انه كان يربط بين شخصيّات البورتريه الواحد بخيط مشترك حيث تتّسق الخيوط وتنسجم الألوان والظلال على طول وعرض اللوحة.
وعندما نضجت تجربته الفنية، استبدل الرسّام الألوان الساطعة والمختلطة التي ميّزت أعماله الأولى بألوان أحادية يغلب عليها اللونان البنّي والأسود، مع تركيز اكبر على الموازنة الدقيقة بين نسب الضوء واللون والظل.
والحقيقة انه لم يكن لـ هولس مكانة مهمّة في تاريخ الفن الأوربي حتى بدايات القرن التاسع عشر، عندما لفت أسلوبه المتحرّر واستخدامه البارع للألوان كلا من الفنانين الانطباعيين؛ الفرنسي ادوارد مانيه والهولندي فنسنت فان غوخ.
ولد فرانز هولس في بلجيكا لكنه عاش معظم حياته في هولندا، حيث حظي برعاية الطبقة البورجوازية في هارلم.
وفي نهايات حياته عانى من الفقر والعوز بعد أن بدأ الناس ينصرفون عن بورتريهاته، مفضّلين الأسلوب الأحدث والأكثر أناقة الذي ابتدعه في انجلترا الفنان الهولندي الآخر انتوني فان دايك.
وكما هو الحال مع مواطنيه الآخرين رمبراندت وفيرمير، اضطرّ هولس لبيع ممتلكاته ومنزله من اجل سداد ديونه؛ الأمر الذي دفع مجلس المدينة لتخصيص راتب سنوي للفنان يقيه غائلة الفقر وذلّ الحاجة.
وقبيل وفاته بسنوات قليلة، فقدت ألوانه وهجها واختفى عنصر المرح والابتهاج من رسوماته وحلّ محله إحساس بالعزلة واللامبالاة.
توفي فرانز هولس في العام 1666 وتحوّل منزله بعد ذلك إلى ما أصبح يُسمّى اليوم بمتحف فرانز هولس في هارلم.
في حوالي منتصف القرن العشرين انتعشت حظوظ هولس بعد أن اشترى ثريّ بريطاني لوحته المشهورة الفارس الضاحك. كما اقبل الأثرياء الأمريكيون على اقتناء بعض أعماله الأخرى الموجودة اليوم في عدد من المتاحف الأمريكية الرئيسية.
وهناك اليوم من النقاد من لا يشكّك في موهبة الرسّام، لكنهم يجادلون بأن تركيزه على رسم البورتريه حدّ كثيرا من شعبيته وأضعف شهرته.
ومن أشهر لوحات فرانز هولس الأخرى البورتريه الذي رسمه في العام 1648 للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت.


سـاحــة مقهـى فـي الليـل للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ

لوحة جميلة أخرى من روائع فان غوخ. أنجز الفنان هذه اللوحة في سبتمبر من العام 1888 أثناء إقامته في آرل بفرنسا.
وفيها يصوّر فان غوخ انطباعاته عن أحد المقاهي المنتشرة هناك. وأوّّل ما يلفت النظر في هذا العمل الرومانسي الجميل هو غلبة اللون الأزرق عليه، وقد كان فان غوخ، أثناء وجوده في آرل، يفضّل الأزرق على غيره من الألوان.
هنا نرى الطبيعة الديناميكية لحركة السماء الليلية وتوزيع الإضاءة المبهر، خاصة في خلفية المشهد.
وهناك أيضا هذا التماهي الفريد بين اللون والضوء، حيث تنعكس التموّجات اللونية المشعّة على الأشخاص والأشياء لتخلع عليها وجودا إضافيا يكشف عن بعدها الروحي.
لوحة "ساحة مقهى في الليل" كانت اللوحة الأولى التي يرسم فيها فان غوخ خلفية من النجوم. وبعد سنة من إتمامها، رسم الفنان لوحته الأشهر: ليلة مرصّعة بالنجوم.
تعلّم فان غوخ في باريس أساليب تكثيف الألوان وجعلها تبدو اكثر إيقاعا واشدّ سطوعا، من خلال تعرّفه على لوحات الفنانين الانطباعيين آنذاك.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، رسم الفنان اشهر لوحاته على الإطلاق. وقد أمكن التعرّف على الكثير من تفاصيل حياة فان غوخ وجوانب فنّه بفضل السجلّ الضّخم من الرسائل التي بعثها إلى شقيقه ثيـو.
في إحدى تلك الرسائل يكتب فان غوخ إلى أخيه بعد إتمامه رسم هذه اللوحة: فرغتُ للتوّ من رسم صورة لليل ولكن من دون لون اسود. فقط الأزرق والبنفسجي والأخضر. وأشعر أنني مفتون كثيرا برسم الليل والسماء في الطبيعة المفتوحة".
السماء الليلية ظلّت منذ القدم مصدرا ثريا للإلهام الذي ينتج الفنّ والشعر الجميل. ومنظر الليل في هذه اللوحة المعبّرة يذكّرنا بالرحلة اللانهائية التي مشاها فان غوخ نفسه باتّجاه الضوء الذي كان ينشده داخل كونه الخاص.


اوليـمـبـيــا للفنان الفرنسي إدوار مـانيــه

يعتبر ادوار مانيه أحد أهمّ الفنانين الانطباعيين الكبار.
في بدايات حياته، ذهب إلى المانيا وايطاليا والنمسا باحثا ودارسا ومنقّبا، قبل أن يعود ثانية إلى فرنسا ليدرس الفـن الإسباني في اللوفر.
وعندما بـدأ اسمه في الذيوع، اجتمع حوله بعض كبّار الفنانين امثـال ليغرو و جيمس ويسلر .
عند عرض "اوليمبيا" في صالون باريس (1856)، أصيب النقاد والجمهور بالصّدمة، نظرا لجرأة اللوحة وحسيّتها الفائقة. ورغم ذلك قبل المحكّمون عرض اللوحة تجنّبا لاتهامهم بالتشدّد في الرقابة، خاصة بعد أن رفضوا قبل ذلك لوحة أخرى للفنان. ويبدو انّهم سعوا إلى تجنّب نقـد وتقريع الجمهور وفضّلوا بدلا من ذلك تعريض الفنان المشاكس لغضب النقّاد والعامّة.
"اوليمبيا" هي اشهر لوحة عارية ظهرت في القرن التاسع عشر، وقد ارتبطـت صورة المرأة العارية في أذهان الناس آنذاك بالبغاء.
اللوحة تصوّر اوليمبيا التي استخدم مانيه لرسمها "فيكتورين موران"، الموديل التـي ظهرت في اكثر من لوحة من لوحاته. وبالإضافة إلى المرأة هناك خادمة سمراء وقط اسود. وعلى وجـه اوليمبيا ارتسمت نظرات غامضة لا ُيعرف على وجه التحديد إن كانت تنمّ عن حزن أو ازدراء. بينما راحت الخادمة تقدّم لسيّدتها باقة من الزهور ربّما كانت هديّة من أحد زبائنها.
اللوحة، كما هو واضح، مثيرة في حسيّتها، فالبشرة شديدة البياض والعينان سـوداوان واسعتان كما أن ربطة الشعر الحمراء وانحناءة اليد الخفيفة وحدّة التباين بين الموديل والخلفية الداكنـة، كلّها عناصر أراد من ورائها الفنان تكثيف الإحساس بإثارة المشهد وحسيّته.
هذه اللوحة هي ترجمة لا تختلف سوى بالكاد عن لوحتي الفنّانًين الواقعيّين جورجيوني وتيتيان اللتين صـوّرا فيهما نساءً عاريات، كما أن اللوحة تتضمّن شيئا من كلاسيكية انغـر، ويتجلّى هذا في دقّة رسم تفاصيـل الجسد.
الثورة العارمة التي جلبتها اللوحة على مانيه مثّلت فرصة سانحة للفنانين الانطباعيين الشباب آنذاك، الذين هبّوا للدفاع عن مانيه ودعمه بوجه منتقديه، باعتباره بطلا وقف بشجاعة ضدّ التعصّب والتحامـل والجهل.
وفي غمرة ذلك الجدل تقوّى الانطباعيـون اكثر وتجذّرت أفكارهم واتّسع نفوذهم. كما انبرى للدفاع عن مانيه كبار الأدباء والفنانين من أمثال اميل زولا و شارل بودلير و ديلاكروا.
لا ُيعرف بالتحديد ماذا كان يقصد مانيـه من وراء رسم هذه اللوحة، وهل أراد تقديم عمل فنّي كبير أم انه ببساطة أراد أن يسخر من طريقة سابقيه من الفنانين الذين رسموا لوحات مماثلة.
مانيه كان ينتمي للشريحة الاجتماعية فوق المتوسّطة في باريس، وكان الفنان الوحيد بين معاصريه الذي لم يكن مضطرّا لبيع لوحاته من اجل كسب العيش. فقد كان يتمتّع بمنزلة اجتماعية مرموقة مكّنته من مصادقة الفنانين والأدباء الكبار في ذلك الحين.
هذه اللوحة ظلّت مصدر الهام للكثير من الفنانين المعاصرين. ومؤخرا ُانتج فيلم سينمائي عن "اوليمبيا"، تحدّث فيه عدد من النقاد ومؤرّخي الفن ودارسيه عن أسباب شهرة اللوحة والجدل الكبير الذي أثارته في حينه.


عالــم كـريستـينـا للفنان الأمريكي انـدرو وايــت


ُتعتبر هذا اللوحة إحدى أشهر وأكثر اللوحات احتفاءً في تاريخ الفن الأمريكي.
وقد رسمها اندرو وايت لجارته كريستينا اولسون. كانت كريستينا تعاني من إعاقة جسدية منذ صغرها اثر إصابتها بمرض غامض في العظام.
ومع مرور السنوات كان الشلل يزداد وطأةً، إلى أن أصبحت غير قادرة على الوقوف أو المشي.
وقد رسم وايت هذه اللوحة في العام 1984، وتبدو فيها كريستينا مرتديةً فستانا زهريا وهي تزحف عبر الأعشاب باتجاه أعلى التلّ لزيارة قبري والديها.
والى يمين اللوحة إلى أعلى، تبدو شبابيك منزل عائلة اولسون التي رسمها الفنان على هيئة أعين أو "أجزاء من الروح" كما كتب في ما بعد، وكأن كل شبّاك يمثل فصلا مختلفا من حياة كريستينا.
كانت كريستينا اولسون قد عاشت في ذلك البيت مع أبويها حتى وفاتهما، وبعد ذلك عاشت فيه برفقة شقيقها الأصغر.
وعندما توفيت في العام 1969، لم تكن كريستينا تعلم بأن عالمها الصغير قد تغيّر واصبح مشهورا بفضل هذه اللوحة التي حولّت المنزل والمنطقة حوله إلى مزار سياحي.
في اللوحة، تبدو أطراف المرأة بالغة الضعف والهزال، مما يوحي بحجم المعاناة التي ظلت تكابدها في تجربتها مع الإعاقة والمرض. لكنّ أهم ملمح في هذا العمل الفنّي هو المنظور الذي استخدمه الفنان، فالناظر لا يرى المرأة سوى من الخلف، وبناءً عليه ليس بالإمكان التنبؤ بعمرها أو طبيعة انفعالاتها في تلك اللحظة.
أما الألوان المستخدمة في اللوحة فربّما لا توحي للناظر سوى بالإحباط والسوداوية.
عاشت كريستينا اولسون تجربة الإعاقة والمعاناة معتمدةً على إصرارها وقوّة عزيمتها. وبعد وفاتها كتب عنها وايت يقول إنها كانت امرأة شجاعة لم تكن تطلب شيئا من أحد، وكانت على الدوام كريمة ومعطاءة.
ولد اندرو وايت في العام 1917 واصبح في ما بعد رساما مشهورا بفضل أسلوبه الواقعي الذي يركّز على الموضوع في المقام الأوّل.
وكان الفنان يبحث عن مواضيع للوحاته في تفاصيل وتحوّلات الحياة اليومية من حوله.
ولوحته "عالم كريستينا" توفّر نموذجا لطريقته في النظر إلى الأشياء وسبر غور الظواهر العادية والمألوفة من خلال رؤية تتسم بالتكثيف والتفصيل والعمق.
بالإضافة إلى هذا العمل، أنجز اندرو وايت لوحات عديدة أخرى تتوزّع اليوم على المتاحف والغاليريهات الكبرى في الولايات المتحدة.