بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 يونيو 2010

نـوم العقـل يوقـظ الوحــوش للفنان الإسباني فرانشيسـكو دي غــويا

يعتبر فرانشيسكو دي غويا أحد كبار روّاد الفن الحديث الذين ظهروا خلال القرن التاسع عشر.
تميّز نتاجه الفني الذي امتدّ طوال اكثر من ستين عاما بالتنوّع والغزارة. وقد جرّب غويا الأساليب الكلاسيكية في بدايات احترافه للرّسم، لكنه تحوّل إلى الرومانسية التي طبعت جزءا مهمّا من أعماله.
ولد في ساراغوسا بإسبانيا وتتلمذ على يد خوسيه لوزان الذي تعلّم منه الرسم وتقليد أعمال الفنانين الكبار. ثم لم يلبث أن سافر إلى إيطاليا ليتعلّم فيها أساليب الروكوكو الزخرفية.
كان الفنان يتمتّع بشعبية كبيرة عند العامة، وعاصر ثلاثة أجيال من ملوك إسبانيا وكان مقرّبا من أوساط السّلطة ومراكز النفوذ. ورغم ذلك، فقد ظلّ غويا على خلاف مع البلاط والنظام الملكي والكنيسة. والكثير من لوحاته لم ترَ النور إلا بعد وفاته، لأنها اعتبرت مضادّة للأعراف الدينية والممارسات السياسية التي كانت سائدة في عصره.
ُعرف عنه ميله إلى ملاحظة السلوك الإنساني وتمثيل الطبيعة البشرية في لوحاته بأسلوب لا يخلو من السخرية والرؤى الفنتازية.
في العام 1799 رسم غويا مجموعة من 48 لوحة اسماها "الـنـزوات Los Caprichos"، كرسّها للسخرية من النبلاء ورجال الدين وكشف شرور وآفات المجتمع. وعندما عرض غويا مجموعته للبيع، سرعان ما تمّ سحبها بأمر من محاكم التفتيش الإسبانية، إذ كانت إحدى تلك اللوحات تصوّر مشهدا لاحد ضحايا تلك المحاكم، الأمر الذي كان يشي بتعاطف الفنان مع الضحايا ومعارضته للفظائع التي كانت ُترتكب في ذلك الوقت.
ومن بين لوحات تلك المجموعة حظيت هذه اللوحة بالذات بشهرة واسعة وأصبحت في ما بعد من أهمّ الأعمال الفنية في تاريخ الفن الأوربي. وفيها يظهر رجل نائم وقد أسند رأسه ويديه إلى طاولة بينما نحّى قلمه جانبا. وخلف الرجل تظهر مجموعة من البوم والخفافيش الضخمة وهي تصفق بأجنحتها وتصيح. كما يظهر في اللوحة وحشان غريبا الهيئة أحدهما رابض على الأرض وقد صوّب نظراته الشرّيرة إلى الرجل بينما قفز الآخر على ظهره وعيناه تلمعان في الظلمة.
وعلى مقدّم الطاولة التي ينام عليها الرجل ُكتبت عبارة: إذا نام العقل استيقظت الوحوش". هذه اللوحة اعتبرت ترجمة بسيطة ومباشرة لأفكار غويا الذي كان يحترم العقل ويؤمن بحرية الفكر ويدعو إلى نبذ الجهل والخرافة.
عاش غويا حياة تعيسة في غالبها، فقد مات سبعة من أبنائه قبل أن يبلغوا سنّ النضوج، كما تعرّض هو نفسه لأزمات صحية خطيرة، ثم ماتت زوجته. وكل تلك المآسي تركته هزيلا مشوّش الفكر يعاني الفقر والإحساس بالمرارة طوال السنوات الأخيرة من حياته.
وقبيل موته في سن الثانية والثمانين، أصيب غويا بالاكتئاب فاعتزل الناس ولزم بيته، وبدأ يرسم على جدران منزله ما ُعرف في ما بعد باللوحات السوداء، وهي سلسلة من الرؤى الكابوسية التي توجّها في النهاية بلوحته الشهيرة "ساتيرن يفترس أبناءه".


العـــروس للفنان الفرنسي مـارك شاغـال

من أهم السّمات التي تميّز لوحات مارك شاغال تلك المسحة من السوريالية والفانتازيا التي تخاطب اللاوعي، وميل الفنان إلى تضمين أعماله بعض اللمسات الشاعرية التي لا تخلو من غرابة أحيانا.
ولد مارك شاغال في روسيا وكان اكبر أخوته التسعة. وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، هاجر إلى فرنسا حيث قضى في باريس بقيّة حياته. هناك درس أعمال كبار الرسّامين في ذلك الوقت واطلع عن كثب على المدارس التكعيبية والسوريالية والوحشية قبل أن يحدّد السمات الخاصّة والمتفرّدة التي أصبحت علامة فارقة للوحاته.
وقد نقل الفنان في الكثير من أعماله جوانب من ذكرياته عن مظاهر الحياة في قريته الروسية الصغيرة حيث ولد. كما ضمّن بعضها الآخر تفاصيل لأحداث مرّ بها في حياته الخاصة.
بالإضافة إلى اشتغاله بالرسم، أنجز شاغال رسوما إيضاحية لبعض الأعمال الأدبية الكلاسيكية. كما أن ثلاثا من لوحاته الضخمة تزيّن كلا من سقف دار الأوبرا في باريس وردهة أوبرا المتروبوليتان في نيويورك.
لوحة العروس يعتبرها النقّاد أفضل أعمال شاغال وأكثرها شهرة، وهي تصوّر فتاة في ثوب زفاف احمر لامع، وبيدها باقة من الورد.
في هذه اللوحة تتجلّى مقدرة الفنان في اختياره المتميّز للّون والشكل. وهي صفة اكتسبها من التعبيرية الروسية، التي زاوج في باريس بينها وبين الأسلوب التكعيبي الفرنسي.
بالإضافة إلى الفستان الأحمر القشيب، هناك الوشاح الأبيض المنسدل على رأس الفتاة. أما خلفية اللوحة فهي عبارة عن مزاوجة فريدة بين الألوان الرمادية والزرقاء.
والجانب الفنتازي في المشهد يبدو جليّا في صورة الخروف الذي يعزف الموسيقى، والسمكة التي تضرب على ما يشبه الدفّ، والرجل الواقف عند رأس الفتاة محاولا في ما يبدو تعديل الوشاح على رأسها لجعلها تبدو في أحسن صورة.
وفي الزاوية البعيدة ثمّة بناء ربّما كان كنيسة، على اعتبار أن الكنيسة عنصر أساسي في مراسم الزواج.
شخوص شاغال، من عمّال وعشّاق وموسيقيين وحيوانات وأزهار، تجريديون لكنْ يمكن التعرّف عليهم وتمييزهم بسهولة. ورسوماته مرحة ومليئة بالعاطفة كما أنها تركّز على الجوانب الخفيفة والايجابية من الحياة.
لم يكن شاغال من الرسّامين الذين يحرصون على تغيير أساليبهم وتقنياتهم مع مرور الوقت. غير انه مع ذلك نجح في ابتكار لغة جديدة من الأشكال المشوّهة والألوان الغنية والاستعارات الشاعرية التي طوّعها لتصوير العالم من حوله ببساطة حالمة وبكثير من الحنين والشغف والبراءة.
تم توظيف هذه اللوحة في أعمـال أدبية وشعرية وموسيقية مختلفة، كما ظهـرت في مشاهد من أفلام سينمائية كان آخرها فيلم نوتنغ هيل Notting Hill.
المعروف أن شاغال كان يهتمّ كثيرا بتصوير المشاهد الدينية، وله العشرات من الأعمال الفنية التي تستند في مضامينها إلى قصص من الإنجيل والعهد القديم.

عــربـة القــشّ للفنان البريطاني جـون كونستـابـل

لوحة أخري من اكثر الأعمال الفنية شهرةً واحتفاءً في بريطانيا. رسم جون كونستابل "عربة القشّ" في العام 1821، وفيها يصوّر منظرا طبيعيا في مقاطعة سافولك حيث ُولد ونشأ.
كان كونستابل يهتمّ بتصوير مظاهر الحياة في الريف الإنجليزي، وقد قضى سنوات عديدة مسافرا في أرجاء الريف ومتأملا جمال الطبيعة ومترجما مشاهداته إلى لوحات وألوان تنبض بالحياة.
في اللوحة تظهر عربة يجرها حصانان وهي تمشي الهوينا عبر مياه النهر. وفي المروج البعيدة إلى أقصى اليمين ظهرت مجموعة من دارسي القشّ وهم يعملون. في هذه اللوحة تتجلى مقدرة الفنان في توزيع الألوان والظلال والكتل والتحكّم بدرجات الضوء، كما تظهر براعته الفائقة في تمثيل الغيوم على نحو خاص.
عند عرض اللوحة لاول مرة لم تلاق ِ كبير استحسان في بريطانيا. لكن بناءً على إلحاح صديقه الفرنسي متعهّد الفنون، قام جون كونستابل بنقل اللوحة إلى فرنسا. وفي صالون باريس حظيت بإعجاب ملك فرنسا الذي منح الفنان ميدالية ذهبية تقديرا لموهبته.
أثناء حياته لم يحقق جون كونستابل سوى القليل من الشهرة في بلده. ولم يلفت أسلوبه الكلاسيكي في رسم مناظر الطبيعة انتباه الكثيرين. لكنه اليوم يعتبر أحد اكثر الفنانين البريطانيين تميّزا، بل يمكن اعتباره اعظم فناني بريطانيا الذين تخصّصوا في تصوير الطبيعة أثناء الحقبة الرومانسية.
بعض النقّاد يشيرون إلى أن طريقة تمثيل كونستابل للطبيعة تذكّر إلى حدّ كبير بتفاصيل الطبيعة التي تتضمنها قصائد وليام ووردزوورث
كان كونستابل زميلا للفنان جوزيف تيرنر أثناء دراستهما في الأكاديمية الملكية، لكنهما لم يصبحا صديقين أبدا. وقد كان كونستابل يرفض التصوير البانورامي للطبيعة، بل كان يفضّل الإمساك بتأثيرات الضوء المتغيّر وأشكال الغيوم المتحرّكة في سماء الريف. لذا لم يكن مستغربا أن ُيلقب بـ "فنّان الغيم".
توفي جون كونستابل في العام 1837، والى اليوم ما يزال الكثير من تفاصيل المواقع، التي تضمّنتها هذه اللوحة وغيرها من أعماله، ماثلة للعيان.

اشهر شعراء بريطانيا الرومانسيين.

الموناليزا



الموناليزا أو الجيوكاندا هي اشهر لوحة في تاريخ الفن بلا منازع. وبسبب هذه اللوحة، توارت الجوانب الأخرى التي شكّلت شخصية الفنان الكبير ليوناردو دافنشي. فنادرا ما يتذكّره أحد اليوم باعتباره مهندسا أو نحّاتا أو رياضيا أو فلكيا بارزا.
ما تبقّى من دافنشي اليوم وما حفظ اسمه في سجلّ الخالدين هو إبداعه لهذه اللوحة بالذات، التي طغت شهرتها أحيانا كثيرة على شهرة الفنان الذي أبدعها.
وقد ظلت الموناليزا مثارا للكثير من النقاشات الفنية والدراسات الأكاديمية التي لم تترك جانبا من جوانب هذا العمل الفني الفريد إلا وتعرضّت له بالنقد والدراسة والتمحيص.
وقد قام العديد من الفنانين التشكيليين بتعديل وتغيير ملامح المرأة التي تصوّرها اللوحة التي تستقرّ اليوم في متحف اللوفر بباريس، من اجل خدمة فكرة ما أو غاية سياسية أو اجتماعية معينة.
وكمثال على ذلك، ما فعله الفنان السوريالي الفرنسي مارسيل ُدوشان الذي رسم موناليزا بشاربين وملامح ذكرية، محاولا بطريقة ساخرة ترجمة كلام سيغموند فرويد الذي أشار إلى غموض فكرة الجندر عند دافنشي وزعم أن الفنان ربما كان مثليا، جنسيا، وأنه عندما رسم اللوحة لم يرسم في واقع الأمر سوى نفسه.
وهناك فنانون آخرون أعادوا رسم اللوحة بأسلوب ينحو باتجاه "أنسنة" موناليزا ونزع المسحة الميثيولوجية عنها وجعلها اقرب إلى روح ومزاج الطبقة الوسطى، عبر تقويض الأعراف والقواعد الصارمة التي كانت تتّبع في رسم البورتريه إبان عصر النهضة الأوربي.
الحديث عن قصة الموناليزا ودافنشي متشعّب وطويل، وهناك العديد من المواقع الإليكترونية المكرّسة للحديث عن اللوحة والفنان بإسهاب وتوسّع اكثر..


امـرأة تقشـر التفّــاح للفنان الهولندي بيـتر دي هــوك

تعتبر هذه اللوحة أحد أهمّ واشهر الأعمال الفنية في تاريخ الفن الهولندي. رسم بيتر دي هوك "امرأة تقشر التفاح" في العام 1663، وتصوّر مشهدا منزليا من ذلك العصر، تظهر فيه امرأة مع طفلتها وهي منهمكة بتقشير التفاح.
أهم سمات هذه اللوحة هي التكنيك الفريد الذي استخدمه الفنان في تعاطيه مع الضوء، إذ نرى الضوء يتسلل عبر النافذة ليغمر الجزء المظلم من ديكور الغرفة. هذا الملمح الخاص دفع بعض مؤرخي الفن في البداية للاعتقاد بأن صاحب اللوحة هو يان فيرمير الذي ُعرف عنه اهتمامه بالمناظر المنزلية وبراعته في تمثيل الضوء. لكن في ما بعد رجحت وجهة النظر الأخرى التي تعزو اللوحة إلى بيتر دي هوك الذي كان متأثرا في ما يبدو بأسلوب فيرمير.
ولد هوك في دلفت بهولندا وتتلمذ على يد كارل فايريتيوس. وفي الفترة من 1650 – 1660 أنجز هوك افضل أعماله الفنية التي أهلته للقب شاعر المناظر المنزلية الأكبر في هولندا. ولم ينافسه على هذا اللقب سوى فيرمير الذي كان ينتظم معظم لوحاته نمط واحد ومحدّد يتمثل في رسم امرأة وحيدة تقف أو تجلس في إحدى زوايا الغرفة، بخلاف دي هوك الذي كان يرسم مناظر عائلية جماعية.
نساء هوك هنّ في الغالب إما زوجات أو أمّهات أو خليلات، بصحبة أطفال وخدم.
وبشكل عام فإن لوحات الفنان تستمدّ موضوعاتها من مفردات البيت الهولندي من فراغات وملابس وديكورات وشبابيك يتسرّب منها الضوء لينعكس على الجدران والأثاث والأرضيات. ويمكن القول أن لوحات الفنان، بشكل عام، تقدّم صورة مصغّرة لما كانت عليه منازل الهولنديين في القرن السابع عشر.
من غير المعروف على وجه القطع تاريخ وفاة دي هوك، غير أن من شبه المؤكّد انه توفي في سن الخامسة والخمسين بعد أن قضى السنوات الأخيرة من حياته في مصحّ للأمراض العقلية.


جـزيـرة المـوتــى للفنان السويسري ارنـولـد بوكـليـن

في هذه اللوحة الشهيرة، نرى رجلا متّشحا بالبياض وقاربا شبحيا يعبر مياها مظلمة باتّجاه جزيرة صخرية.
وفي القارب هناك ما يشبه الكفن، وعلى مسافة قصيرة منه نرى صخرتين عملاقتين تظهر وسطهما مجموعة من الأشجار بدت أشبه ما يكون بأشباح عملاقة تحرس المكان.
رسم ارنولد بوكلين هذه اللوحة في العام 1880 وهو في سن الرابعة والسبعين بناءً على طلب ماريا بيرنا، وهي سيّدة إيطالية كان زوجها قد توفي للتّو. وقد طلبت من الفنان رسم لوحة تصوّر تجربة الموت وتجسّد حالة الفقد التي كانت تمرّ بها.
وقد ظلت اللوحة بلا اسم إلى أن أطلق عليها أحد متعهّدي الفنّ اسم "جزيرة الموتى" بعد ثلاث سنوات من إتمامها. أما بوكلين نفسه فقد كان يسميها "جزيرة الصمت".
والحقيقة أن الفنان لم يقدّم شرحا لمعنى اللوحة ولا الرمز الذي تنطوي عليه. وكان معروفا عنه نفوره من إطلاق تسميات على لوحاته أو إعطاء شروحات لمضامينها.
عاش بوكلين، المولود في بازل بسويسرا، معظم حياته في إيطاليا. وكان مفتونا بمناظر الطبيعة، لكنه كان متأثرا أيضا بأفكار الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه . وربّما كان سبب اختياره العيش في إيطاليا انجذابه للطبيعة والآثار.
هذه اللوحة كانت مصدر الهام لعشرات الكتاب والفنانين والشعراء. فقد ألف الموسيقي الروسي الشهير سيرغي رحمانينوف سيمفونية بنفس الاسم يمتزج فيها الحنين بالرؤى المظلمة. كما استعار الكاتب روجر زيلازني اسم اللوحة ليضعه عنوانا لاحدى رواياته. وفي العام 1945 ُانتج فيلم سينمائي بنفس الاسم.
في ألمانيا التي زارها في ما بعد، تمتّع الفنان برعاية ملك بافاريا، كما تمّ تعيينه أستاذا للفنون بأكاديمية فيمار التي عمل بها سنتين.
لكنه ما لبث أن عاد مجدّدا إلى إيطاليا ليبدأ رسم هذه اللوحة التي تعتبر اكثر أعماله رمزيةً ورؤيوية.
ويقال بأن الفنان قد يكون استمدّ أجواء اللوحة من زيارته لجزيرة ايشيا ومقابر البندقية.
في لوحات بوكلين الأخرى طبيعة فانتازية وحوريات بحر ومخلوقات أسطورية مجنّحة. وقد كان الفنان على ما يبدو منجذبا كثيرا إلى ظواهر ما فوق الطبيعة، تماما مثل كاسبار ديفيد فريدريش، لكنه كان متفوقا على هذا الأخير في مسحة التشاؤم والسوداوية التي تطغى على لوحاته.
كان بوكلين يردّد دائما أن اللوحة يجب أن يكون لها معنى كالشعر، وأن تترك انطباعا في نفس المشاهد، تماما مثلما تفعل الموسيقى والشعر.
في السنوات الأخيرة من حياته بدأ الفنان يضمّن لوحاته استعارات ورموزا مزعجة عن مواضيع الموت والظلام.
ويرى النقاد أن رموز ودلالات مشاهد بوكلين الشبحية سبقت ظهور المدرسة الرمزية في الفن، بل وسبقت ما ُسمّي بالتصوير الفرويدي الذي طبع معظم فنّ القرن العشرين.
الجدير بالذكر أن لوحة "جزيرة الموتى" هي اليوم من ضمن مقتنيات متحف المتروبوليتان في نيويورك.


تمثــال ديـفيـــد للفنان الايطالي مايكـل انجيـلو

عمل آخر يجمع النقاد والمؤرّخون على اعتباره واحدا من اعظم الأعمال النحتية على مرّ العصور.
في العام 1501 تم تكليف مايكل انجيلو بنحت تمثال ديفيد (داود) لتُزَيّن به كاثدرائية فلورنسا. ومن اجل هذا الغرض، ُأعطي الفنان كتلة ضخمة من الرخام للعمل عليها وتشكيلها لانجاز المهمة.
وعندما شرع مايكل انجيلو في العمل، أزاح جانبا كافة الأساليب التقليدية التي كانت متبعة من قبل في تنفيذ الأعمال النحتية.
وعندما أنجز الفنان التمثال، قرّرت لجنة من الأعيان وكبار الفنانين وضعه في الميدان الرئيسي للمدينة. وكانت تلك هي المرة الأولى التي ُيعرض فيها تمثال لرجل عارٍ في مكان عام.
وقد تعمّد مايكل انجيلو ألا يصوّر ديفيد بهيئة الرجل المنتصر الممسك برأس العملاق غالاياث Goliath (أو جالوت في الأدبيات الإسلامية) بيده والسيف باليد الأخرى، بل اختار تصوير ديفيد في اللحظة التي سمع فيها أن قومه وقعوا فريسة للخوف والتردّد في مواجهة صلف غالاياث الجبّار وإمعانه في احتقارهم والاستهزاء بهم.
مايكل انجيلو صوّر ديفيد في افضل وضع ممكن، محاكيا أساليب نحاتي الإغريق في تصوير أبطالهم ورموزهم الملحمية.
فـ "ديفيد" ينظر من فوق كتفه الأيسر نظرة تحدّ وجسارة إلى الجهة الأخرى حيث يقف غالاياث. وقد ُترك الجانب الأيمن من التمثال ناعما ومصقولا، بينما اختار الفنان أن يضفي قدرا من النشاط والديناميكية على الجانب الأيسر، ابتداءً من القدم صعودا حتى الشعر الاجعد. أما العضلات والأربطة فلا تبدو نافرة أو بارزة سوى بالقدر الذي يعطي الناظر انطباعا عن قوّة إرادة البطل ورباطة جأشه.
فور عرض التمثال، بادر مواطنون غاضبون برشقه بالحجارة، لا لأنه كان عاريا، بل لأنهم رأوا فيه رمزا لجمهورية فلورنسا التي كانت خارجة على حكم آل ميديتشي. ومع ذلك صمد التمثال في مكانه واعتُبر على الدوام رمزا ايقونيا لفلورنسا الصغيرة ولأفكارها الجمهورية، في مواجهة خصمها الأكبر عائلة ميديتشي ومناصري الملكية.
في العام 1873 ُنقل التمثال من مكانه إلى غاليري الأكاديمية لحمايته، وفي العصور اللاحقة خضع للعديد من عمليات الترميم التي أثار بعضها نقاشات حادّة ما بين مؤيّد ومعترض.
ومؤخرا احتفل الإيطاليون بمرور 500 عام على إنجاز تمثال ديفيد، وأحيوا المناسبة بالألعاب النارية والحفلات الموسيقية والمعارض الفنية والندوات التي تناولت كل جانب من جوانب هذه التحفة الفنية الخالدة بالشرح والنقاش والتحليل.
وما يزال مايكل انجيلو نفسه يتمتّع بنفس الشهرة التي كان يتمتّع بها في العام 1501 ، إذ يتقاطر على فلورنسا سنويا اكثر من مليوني شخص لالقاء نظرة على تمثال الرجل العاري ذي الملامح الجميلة والتفاصيل الدقيقة والقوام الضخم (اكثر من ستة أطنان).
إن أهمية تمثال ديفيد بالنسبة لعصر النهضة هي انه كان يشكّل قطيعة مع التراث اللاهوتي المسيحي الذي كان يصوّر الإنسان باعتباره كائنا مسيّرا وفاسدا وضعيفا لا يملك من أمر نفسه شيئا، وأن على الإنسان أن يتطلع بكليّته إلى الحياة الأخروية التي تمثّل السعادة والحقيقة والكمال. ولم يكن مصادفة أن الإنسان كان ُيصوّر في القرون الوسطى كوحش مشوّه يتطلع إلى تحرير روحه من اسر الخطيئة الأصلية من خلال الموت الطقوسي والعنيف.
وتمثال ديفيد، بما ينطوي عليه من رموز ودلالات وعبَر، هو نقيض للأفكار القدرية، وهو افضل تعبير عن رؤية عصر النهضة للإنسان. فالراعي الشاب "ديفيد" قرّر باختياره الواعي أن يقاتل عدوّا أقوى منه لكي ينقذ قومه من الهلاك وسلاحه في ذلك مقلاع وعصا وبضعة أحجار، واستطاع في النهاية قهر خصمه والحاق الهزيمة به من خلال سلطة العقل وقوة الإرادة والتصميم.