الألوان الخفيفة والباردة كثيرا ما تروق للعين خاصّة إذا وضعت ضمن توليف لوني متناغم وأنيق تحسّ وأنت تنظر إليه وتتأمّله كما لو أنك تقرأ قصيدة شعر أو تستمع إلى قطعة موسيقية.
والحقيقة أن هذا الشكل التجريدي الجميل والشبيه برقعة الموزاييك يتضمّن كل هذه العناصر. ففيه موسيقى وشعر، كما أن فيه فكرا لأن من رسمه كان شاعرا وموسيقيا وفيلسوفا وناقدا موهوبا بالإضافة إلى كونه احد أشهر الرسّامين الذين ظهروا في القرن العشرين.
كان بول كْلِي عازف كمان موهوبا. لكنّ شغفه بالرسم غلب على حبّه للموسيقى. وقد وجد في الموسيقى، كما في الشعر، نوعا من الإلهام الذي كان يوظّفه في رسم لوحاته.
وأعماله هي مزيج من التكعيبية والسوريالية والفنّ البدائي. وكثيرا ما كان يملأ لوحاته بالرموز والأحرف والأرقام والإشارات التي كان يستحضرها من اللاوعي في محاولة - كما كان يقول - للتوفيق بين التجريد والواقع من خلال التعبير عن الذات الداخلية والكشف عمّا هو مخبّأ تحت أسطح الأشياء والمظاهر.
غير أن شاغله الأوّل كان اللون والضوء. وقد رسم هذه اللوحة أثناء زيارة له إلى شمال أفريقيا لتصبح في ما بعد إحدى أشهر وأجمل لوحاته.
في اللوحة رسَم كْلِي شبكة من المربّعات ذات الألوان الخفيفة على خلفية سوداء. والألوان، بالإضافة إلى تناغمها القويّ، تبدو ذات أسطح لامعة بفعل انبثاق الضوء الذي يشكّل تباينا مع الخلفية المظلمة.
وهناك احتمال أن يكون الرسّام أراد من اللوحة أن تكون دراسة عن العلاقة بين العتمة وبين تمظهرات اللون وتدرّجاته. غير أن هناك من اعتبرها رحلة إلى عالم الإحساس البدائي بما يتضمّنه من رؤى وإدراك وكشوفات عن الذات.
وقد كان كْلِي ذا نظرة عميقة في فهمه للون ومحاولة تطويعه كي يصبح وسيلة للمزاوجة ما بين الفكر والعاطفة. وكان دائم الحديث عن الروحانية في الفنّ. ومن آرائه أن كلّ شيء إلى زوال وأن ما يبقى من الحياة في النهاية هو جانبها الروحي الذي يجسّده الفن.
اسم هذه اللوحة معبّر وينطوي على شاعرية واضحة. وكْلِي كان معروفا بانجذابه الشديد للشعر. وقد انعكس هذا على أسلوبه في اختياره أسماء جذّابة للوحاته.
ولا بدّ وأنه، بحكم خبرته في الموسيقى، كان يعرف الأسس الرياضية للأنغام الموسيقية التي ابتكرها الإغريق. ويُحتمل انه أراد بالمربّعات في اللوحة أن تكون رمزا لتلك الأسس وأن يقرنها في نفس الوقت بموسيقى الألوان.
في بعض الأوقات، راجت نظريات كثيرة تشبّه الرسم التجريدي بالموسيقى. فالمغني يلجأ أحيانا إلى جعل صوته يبدو أجشّ غليظا كي يعبّر عن إحساس أو انفعال معيّن. والرسّام التجريدي يستخدم ضربات فرشاة قويّة وخشنة ويرسم أشكالا وألوانا في الفراغ لكي يعبّر عن مشاعر أو انفعالات دفينة.
وبينما يمكن أن تكون الموسيقى حزينة أو متوتّرة أو باعثة على الابتهاج والفرح، يمكن للتجريد أيضا أن يحدث نفس التأثير من خلال استخدام الخطوط والأشكال والتوليفات والألوان.
في إحدى مراحل حياته كان كْلِي زميلا لـ كاندينيسكي الأب الروحي للتجريد. وقد عملا معا بالتدريس في أكثر من جامعة في ألمانيا. ووضع الاثنان في تلك الفترة بعض أهمّ نظرياتهما ودراساتهما عن التجريد.
وقد شكّل مجيء النازيين إلى السلطة في ألمانيا نقطة تحوّل مهمّة في حياة الفنان. إذ تمّ فصله من وظيفته وصودر منزله وأمواله وأزيلت لوحاته من كافة الأماكن، بل وأحرق بعضها بعد أن اتهم، مع رسّامين آخرين، بأنهم يروّجون "للفنّ المنحلّ".
وقيل وقتها أن السبب الحقيقي في كراهية النازيين لـ كْلِي هو انه رفض منذ البداية إعلان ولائه لهم وفضّل أن يتمسّك بمواقفه وقناعاته حتى النهاية.
وعندما عاد إلى مسقط رأسه سويسرا، رفضت السلطات هناك منحه الجنسية السويسرية. ولم يحصل عليها إلا بعد وفاته.
وقد اتّسمت السنوات الأخيرة من حياة بول كْلِي بالكثير من الألم والمعاناة. فقد هاجمه مرض تيبّس الجلد فشوّه ملامحه وشلّ أطرافه تدريجيا. ولوحاته التي رسمها قبيل وفاته مليئة بالتأمّلات المظلمة والمتشائمة عن الموت والحرب وغباء الإنسان وعدمية الحياة. وتكثر في تلك اللوحات صور الجماجم والأقنعة والشياطين والهياكل العظمية والوجوه المشوّهة. ويبدو أن ذلك كان مؤشّرا على اشتداد مرض الفنان وإحساسه باليأس وخوفه من دنوّ الأجل.
على الجانب الشخصي، عُرف عن كْلِي شغفه الكبير بموسيقى موزارت الذي كان يعتبره مؤلّفه الموسيقي المفضل. كما عُرف بشخصيّته الهادئة إذ لم يكن يتكلّم كثيرا، ربّما لأنه كان يدرك أن لوحاته هي خير من يعبّر عن مزاجه وأفكاره. وقد بيع بعضها في ما بعد بملايين الدولارات.
وقبيل رحيله في العام 1940، أوصى كْلِي بأن تحرق جثّته ويُنثر رمادها فوق بيرن، المدينة التي ولد فيها وعاش سنواته الأخيرة.
والحقيقة أن هذا الشكل التجريدي الجميل والشبيه برقعة الموزاييك يتضمّن كل هذه العناصر. ففيه موسيقى وشعر، كما أن فيه فكرا لأن من رسمه كان شاعرا وموسيقيا وفيلسوفا وناقدا موهوبا بالإضافة إلى كونه احد أشهر الرسّامين الذين ظهروا في القرن العشرين.
كان بول كْلِي عازف كمان موهوبا. لكنّ شغفه بالرسم غلب على حبّه للموسيقى. وقد وجد في الموسيقى، كما في الشعر، نوعا من الإلهام الذي كان يوظّفه في رسم لوحاته.
وأعماله هي مزيج من التكعيبية والسوريالية والفنّ البدائي. وكثيرا ما كان يملأ لوحاته بالرموز والأحرف والأرقام والإشارات التي كان يستحضرها من اللاوعي في محاولة - كما كان يقول - للتوفيق بين التجريد والواقع من خلال التعبير عن الذات الداخلية والكشف عمّا هو مخبّأ تحت أسطح الأشياء والمظاهر.
غير أن شاغله الأوّل كان اللون والضوء. وقد رسم هذه اللوحة أثناء زيارة له إلى شمال أفريقيا لتصبح في ما بعد إحدى أشهر وأجمل لوحاته.
في اللوحة رسَم كْلِي شبكة من المربّعات ذات الألوان الخفيفة على خلفية سوداء. والألوان، بالإضافة إلى تناغمها القويّ، تبدو ذات أسطح لامعة بفعل انبثاق الضوء الذي يشكّل تباينا مع الخلفية المظلمة.
وهناك احتمال أن يكون الرسّام أراد من اللوحة أن تكون دراسة عن العلاقة بين العتمة وبين تمظهرات اللون وتدرّجاته. غير أن هناك من اعتبرها رحلة إلى عالم الإحساس البدائي بما يتضمّنه من رؤى وإدراك وكشوفات عن الذات.
وقد كان كْلِي ذا نظرة عميقة في فهمه للون ومحاولة تطويعه كي يصبح وسيلة للمزاوجة ما بين الفكر والعاطفة. وكان دائم الحديث عن الروحانية في الفنّ. ومن آرائه أن كلّ شيء إلى زوال وأن ما يبقى من الحياة في النهاية هو جانبها الروحي الذي يجسّده الفن.
اسم هذه اللوحة معبّر وينطوي على شاعرية واضحة. وكْلِي كان معروفا بانجذابه الشديد للشعر. وقد انعكس هذا على أسلوبه في اختياره أسماء جذّابة للوحاته.
ولا بدّ وأنه، بحكم خبرته في الموسيقى، كان يعرف الأسس الرياضية للأنغام الموسيقية التي ابتكرها الإغريق. ويُحتمل انه أراد بالمربّعات في اللوحة أن تكون رمزا لتلك الأسس وأن يقرنها في نفس الوقت بموسيقى الألوان.
في بعض الأوقات، راجت نظريات كثيرة تشبّه الرسم التجريدي بالموسيقى. فالمغني يلجأ أحيانا إلى جعل صوته يبدو أجشّ غليظا كي يعبّر عن إحساس أو انفعال معيّن. والرسّام التجريدي يستخدم ضربات فرشاة قويّة وخشنة ويرسم أشكالا وألوانا في الفراغ لكي يعبّر عن مشاعر أو انفعالات دفينة.
وبينما يمكن أن تكون الموسيقى حزينة أو متوتّرة أو باعثة على الابتهاج والفرح، يمكن للتجريد أيضا أن يحدث نفس التأثير من خلال استخدام الخطوط والأشكال والتوليفات والألوان.
في إحدى مراحل حياته كان كْلِي زميلا لـ كاندينيسكي الأب الروحي للتجريد. وقد عملا معا بالتدريس في أكثر من جامعة في ألمانيا. ووضع الاثنان في تلك الفترة بعض أهمّ نظرياتهما ودراساتهما عن التجريد.
وقد شكّل مجيء النازيين إلى السلطة في ألمانيا نقطة تحوّل مهمّة في حياة الفنان. إذ تمّ فصله من وظيفته وصودر منزله وأمواله وأزيلت لوحاته من كافة الأماكن، بل وأحرق بعضها بعد أن اتهم، مع رسّامين آخرين، بأنهم يروّجون "للفنّ المنحلّ".
وقيل وقتها أن السبب الحقيقي في كراهية النازيين لـ كْلِي هو انه رفض منذ البداية إعلان ولائه لهم وفضّل أن يتمسّك بمواقفه وقناعاته حتى النهاية.
وعندما عاد إلى مسقط رأسه سويسرا، رفضت السلطات هناك منحه الجنسية السويسرية. ولم يحصل عليها إلا بعد وفاته.
وقد اتّسمت السنوات الأخيرة من حياة بول كْلِي بالكثير من الألم والمعاناة. فقد هاجمه مرض تيبّس الجلد فشوّه ملامحه وشلّ أطرافه تدريجيا. ولوحاته التي رسمها قبيل وفاته مليئة بالتأمّلات المظلمة والمتشائمة عن الموت والحرب وغباء الإنسان وعدمية الحياة. وتكثر في تلك اللوحات صور الجماجم والأقنعة والشياطين والهياكل العظمية والوجوه المشوّهة. ويبدو أن ذلك كان مؤشّرا على اشتداد مرض الفنان وإحساسه باليأس وخوفه من دنوّ الأجل.
على الجانب الشخصي، عُرف عن كْلِي شغفه الكبير بموسيقى موزارت الذي كان يعتبره مؤلّفه الموسيقي المفضل. كما عُرف بشخصيّته الهادئة إذ لم يكن يتكلّم كثيرا، ربّما لأنه كان يدرك أن لوحاته هي خير من يعبّر عن مزاجه وأفكاره. وقد بيع بعضها في ما بعد بملايين الدولارات.
وقبيل رحيله في العام 1940، أوصى كْلِي بأن تحرق جثّته ويُنثر رمادها فوق بيرن، المدينة التي ولد فيها وعاش سنواته الأخيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق