بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 يونيو 2010

خـادمـة الحـليـب للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر

يقال أحيانا انه ما من شيء يمكن أن يفسد العمل الفني أكثر من التفسيرات والشروحات غير الضرورية ومحاولات تحميله بأكثر ممّا يحتمل.
وهذه اللوحة، رغم بساطة موضوعها وأناقة ألوانها ورقّة خطوطها - وكلّ ذلك مما يروق للعين وتهواه النفس - كانت وما تزال موضع جدل بالنظر إلى ما تختزنه من رموز وإشارات خفيّة قيل إن فيرمير أودعها فيها.
في اللوحة يخرج فيرمير عن النمط الذي كان الرسّامون الهولنديون يتبعونه في رسم الخادمات. إذ غالبا ما كنّ يُرسمهن بوصفهن وضيعات وخاملات وكسولات.
فالخادمة في اللوحة تبدو على هيئة من النبل والجدّية والرصانة، بينما هي منهمكة في أداء جانب من وظائفها اليومية المعتادة.
وهي هنا تصبّ الحليب في وعاء بينما نظرها مركّز إلى أسفل، أي إلى حيث الطاولة التي استقرّت عليها آنيّة وسلّة خبز وإبريق ذو لون اسود.
أما المكان فعبارة عن غرفة شبه عارية إلا من بعض الأدوات والمستلزمات التي تتناسب مع بساطة الخادمة وطبيعة عملها.
التفاصيل هنا مهمّة، ومن الواضح أنها مرسومة بعناية فائقة.
فالجدار إلى الخلف مدهون بمزيج خفيف من الرمادي والأخضر. وعلى الجدار تبدو آثار مسامير تمّت إزالتها. وهناك أيضا الضوء الخفيف المتسرّب عبر الشبّاك في أقصى اليسار، وهو ملمح يكاد يكون ثابتا في معظم لوحات فيرمير.
ومن العناصر الأخرى التي تسترعي الانتباه أيضا الألوان الجميلة والمتناسقة لملابس المرأة ذات الألوان الأزرق والأصفر والأحمر. وهناك أيضا الأسلوب الرائع الذي رسم به فيرمير خيط الحليب المنسكب والنسيج المذهّب للخبز وطيّات أكمام الفستان التي رُسمت بألوان مذابة.
والى يمين النافذة، يمكن أن نلمح سلّة معدنية وإناءً بلون ذهبي لامع يعلوهما إطار لصورة.
وعلى الأرضية هناك سخّان من النوع الذي كان ُيستخدم لتدفئة القدمين.
هذه اللوحة ارتبطت دائما بمعنى رمزي؛ ديني على وجه الخصوص. وقد قيل في بعض الأوقات إن المرأة إنما تمثل السيّدة العذراء، بينما يرمز الحليب للنبيذ أو دم المسيح، فيما الخبز المهشّم كناية عن جسد المسيح الذي لحق به التلف بعد صلبه.
وممّا يعزّز هذه الفرضية في منطق القائلين بالرمزية المقدّسة للوحة أن المسيح كان يصف نفسه بخبز الحياة، وأن للحليب في الإنجيل دلالة مقدّسة، علاوة على أن المسامير في جدار اللوحة لم توضع بمحض الصدفة وإنما أراد الرسّام من ورائها أن تكون رمزا لعملية الصلب.
يُذكر أن فيرمير بعد أن أتمّ رسم هذه اللوحة باعها في نفس ذلك العام بمبلغ يقلّ عن مائتي غيلدر في مزاد بأمستردام، وهو سعر يعتبر عاليا نسبيا في ذلك الوقت.
اللوحة موجودة اليوم في متحف ريكس الهولندي. وقد تمّ إخضاعها في وقت سابق لفحص بالأشعة تحت الحمراء كشف عن وجود أثر لخارطة على الجدار لكنها طمست وأخفيت لاحقا. ويظهر أن فيرمير عدل عن الفكرة بعد أن رأى انه قد يكون من غير المناسب رسم خارطة في المطبخ.
عُرف عن فيرمير اهتمامه برسم الخرائط، وهي سمة متكرّرة في العديد من لوحاته.
كما اشتهر بمناظر غرفه المملوءة بالضوء وبشخوصه المتأمّلة وببراعته في تمثيل الكراسي والإطارات المعلقة على الجدران وقطع الأثاث.
وهناك من يشبّه لوحاته بالصور الفوتوغرافية لشدة واقعيّتها. وقد تجدّد الاهتمام بأعماله بشكل خاص بعد اختراع آلات التصوير الفوتوغرافي حوالي منتصف القرن التاسع عشر. وهناك دراسات نقدية وكتب كثيرة تتحدّث عن السّمات الفوتوغرافية في لوحاته.
أسلوب فيرمير المتفرّد وتقنياته الثورية تركت أثرها على أجيال كثيرة ومتعاقبة من الرسّامين. من هؤلاء مواطناه بيتر دي هوك Pieterde Hooch وغابرييل ميتسو Gabriel Metsu، بالإضافة إلى كلّ من جوناثان جانسون Jonathan Janson وتوم هنتر TomHunter ، وأخيرا وليس آخرا سلفادور دالي الذي رسم بأسلوبه السوريالي الشاطح والغريب لوحة أسماها The Ghost ofVermeer أو شبح فيرمير..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق