إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية هرب الكثر من الفنانين والأدباء الأوربّيين الى الولايات المتحدة الامريكية. وكان لـ سلفادور دالي سبب آخر في اختياره الهجرة يتمثل في الآثار المأساوية التي نتجت عن الحرب الأهلية الاسبانية.
وقد أقام دالي بصحبة زوجته غالا في نيويورك لمدّة ثمان سنوات. وأثناء مكوثه هناك تعرّف عليه الأمريكيون أكثر من خلال المعارض العديدة التي أقامها، وبالتالي أصبح اسمه أكثر شهرة وذيوعا.
وفي نيويورك رسم الفنان هذه اللوحة التي اختار لها اسما طويلا وغريبا: طفل الجيوبوليتيك يراقب ولادة الانسان الجديد". واستخدام مفردة "الجيوبوليتيك" في العنوان له دلالة خاصّة، فهي تشير ضمناً إلى النزعة الاستعمارية والهيمنة السياسية والعسكرية.
في اللوحة نرى بيضة ضخمة تأخذ شكل الأرض. وداخل البيضة هناك ما يفترض أنه طفل "هو في الواقع أقرب ما يكون للرجل" وهو يشقّ طريقه بعنف للخروج من البيضة تاركا وراءه خيطا سميكا من الدم.
وعلى يمين اللوحة تقف امرأة وهي تشير بيدها إلى الحدث المتجلي أمامها، فيما يتشبّث بساقيها طفل راح يراقب المشهد بهلع وذهول.
ومما يلفت الانتباه في اللوحة أن الرجل الخارج من البيضة يطبق بقبضته على ما يفترض أنه أوربّا، وإنجلترا على وجه الخصوص، في الخارطة.
ترى هل أراد دالي من خلال اللوحة التعبير عن وجهة نظر سياسية تجاه صعود نجم الولايات المتحدة بعد انتصارها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟
إن العنف الذي يرافق عملية الولادة في اللوحة والشراسة التي يبديها الطفل في سعيه للخروج وكأنه لا يأبه بتمزيق العالم في محاولته تلك، قد يكون تعبيرا عن توجّس دالي ونظرته غير المطمئنة إلى ظهور أمريكا كقوّة عظمى جديدة في العالم.
فالدم هو رمز لويلات الحرب التي عزّزت مكانة أمريكا ودفعت بها إلى الواجهة. والقبضة المطبقة على أوربّا تشي بهيمنة الوليد الجديد مستقبلا على حلفاء اليوم.
ويلاحظ أيضا أن دالي عمد إلى تضخيم قارة أفريقيا وكأنه يشير إلى الدور المتعاظم الذي ينتظر أن يلعبه العالم الثالث في السياسة الدولية.
من الواضح أن "طفل الجيوبوليتيك" مختلفة كثيرا عن غالبية لوحات دالي التي تتسم بسورياليتها وغموضها الشديد. فمضمون هذه اللوحة واضح إلى حدّ كبير، وهي تعود للمرحلة الكلاسيكية التي أنجز خلالها الفنان لوحات استمدّ موضوعاتها من التراث الاسباني ومن الرموز الدينية والأحداث والتطوّرات السياسية.
المرأة في اللوحة قد تكون رمزا للأمّ الطبيعية أي الأرض، لكنها لا تفعل شيئا حيال ما يجري سوى الانتظار. أما الطفل فربّما أراده دالي أن يكون رمزا للجماعات الإنسانية الأخرى والثقافات المتنوّعة التي تتمسّك بالأرض خوفا مما قد يحمله المستقبل من نذر ومخاطر نتيجة ولادة الطفل العنيف.
في وسط المشهد نرى ما يشبه المظلة، لكن من غير المتيسّر معرفة وظيفتها أو إلى ماذا ترمز. كما أن من المتعذّر معرفة السبب الذي دفع الرسّام إلى جعل ظل الطفل أطول من ظلّ المرأة في اللوحة.
بالنسبة لـ دالي، كان لحادثة إسقاط الامريكيين القنابل النووية على اليابان أثر مهم في دفعه لاستكشاف طرق وأساليب فنية جديدة. ويقال انه كان مفتونا بقوّة الذرة وقدرتها التدميرية الهائلة وبالتطوّر الذي حققته العلوم الحديثة وخاصّة الفيزياء.
وفي تلك الفترة بدأ في استخدام اسلوب جديد أطلق عليه "الغموض النووي" ومزج فيه بين عناصر علمية وأخرى غامضة ليعبّر من خلاله عن ما كان يسمّيه بـ "القوّة المقدّسة".
"طفل الجيوبوليتيك" لوحة مثيرة للتفكير والتأمّل. وهي تحتمل أكثر من معنى. وقد قيل في بعض الأحيان إن الرجل الخارج من البيضة يمثل روح العصر الجديد أو الإنسان الجديد.
بعض الأوربيين، مثلا، كانوا يرون أن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة تحوّل كبرى في المسيرة الإنسانية وفي طبيعة النظام الذي يحكم العالم. فقد فتحت الحرب الأعين على مساوئ النظام العالمي الذي كان سائدا آنذاك والذي انكسر وانهار بفعل الحرب. وكان ثمّة مفكرون وفلاسفة كثر يبشّرون بقرب ولادة الإنسان الحديث الذي سينهض من رماد الحرب ليتولى المسئولية السياسية والأخلاقية عن العالم فيصلح أوضاعه ويرمّم العلاقة بين أطرافه المتنافرة وصولا الى مرحلة يعمّ فيها السلام والاستقرار بدلا من التوتّرات والحروب.
وقد أقام دالي بصحبة زوجته غالا في نيويورك لمدّة ثمان سنوات. وأثناء مكوثه هناك تعرّف عليه الأمريكيون أكثر من خلال المعارض العديدة التي أقامها، وبالتالي أصبح اسمه أكثر شهرة وذيوعا.
وفي نيويورك رسم الفنان هذه اللوحة التي اختار لها اسما طويلا وغريبا: طفل الجيوبوليتيك يراقب ولادة الانسان الجديد". واستخدام مفردة "الجيوبوليتيك" في العنوان له دلالة خاصّة، فهي تشير ضمناً إلى النزعة الاستعمارية والهيمنة السياسية والعسكرية.
في اللوحة نرى بيضة ضخمة تأخذ شكل الأرض. وداخل البيضة هناك ما يفترض أنه طفل "هو في الواقع أقرب ما يكون للرجل" وهو يشقّ طريقه بعنف للخروج من البيضة تاركا وراءه خيطا سميكا من الدم.
وعلى يمين اللوحة تقف امرأة وهي تشير بيدها إلى الحدث المتجلي أمامها، فيما يتشبّث بساقيها طفل راح يراقب المشهد بهلع وذهول.
ومما يلفت الانتباه في اللوحة أن الرجل الخارج من البيضة يطبق بقبضته على ما يفترض أنه أوربّا، وإنجلترا على وجه الخصوص، في الخارطة.
ترى هل أراد دالي من خلال اللوحة التعبير عن وجهة نظر سياسية تجاه صعود نجم الولايات المتحدة بعد انتصارها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟
إن العنف الذي يرافق عملية الولادة في اللوحة والشراسة التي يبديها الطفل في سعيه للخروج وكأنه لا يأبه بتمزيق العالم في محاولته تلك، قد يكون تعبيرا عن توجّس دالي ونظرته غير المطمئنة إلى ظهور أمريكا كقوّة عظمى جديدة في العالم.
فالدم هو رمز لويلات الحرب التي عزّزت مكانة أمريكا ودفعت بها إلى الواجهة. والقبضة المطبقة على أوربّا تشي بهيمنة الوليد الجديد مستقبلا على حلفاء اليوم.
ويلاحظ أيضا أن دالي عمد إلى تضخيم قارة أفريقيا وكأنه يشير إلى الدور المتعاظم الذي ينتظر أن يلعبه العالم الثالث في السياسة الدولية.
من الواضح أن "طفل الجيوبوليتيك" مختلفة كثيرا عن غالبية لوحات دالي التي تتسم بسورياليتها وغموضها الشديد. فمضمون هذه اللوحة واضح إلى حدّ كبير، وهي تعود للمرحلة الكلاسيكية التي أنجز خلالها الفنان لوحات استمدّ موضوعاتها من التراث الاسباني ومن الرموز الدينية والأحداث والتطوّرات السياسية.
المرأة في اللوحة قد تكون رمزا للأمّ الطبيعية أي الأرض، لكنها لا تفعل شيئا حيال ما يجري سوى الانتظار. أما الطفل فربّما أراده دالي أن يكون رمزا للجماعات الإنسانية الأخرى والثقافات المتنوّعة التي تتمسّك بالأرض خوفا مما قد يحمله المستقبل من نذر ومخاطر نتيجة ولادة الطفل العنيف.
في وسط المشهد نرى ما يشبه المظلة، لكن من غير المتيسّر معرفة وظيفتها أو إلى ماذا ترمز. كما أن من المتعذّر معرفة السبب الذي دفع الرسّام إلى جعل ظل الطفل أطول من ظلّ المرأة في اللوحة.
بالنسبة لـ دالي، كان لحادثة إسقاط الامريكيين القنابل النووية على اليابان أثر مهم في دفعه لاستكشاف طرق وأساليب فنية جديدة. ويقال انه كان مفتونا بقوّة الذرة وقدرتها التدميرية الهائلة وبالتطوّر الذي حققته العلوم الحديثة وخاصّة الفيزياء.
وفي تلك الفترة بدأ في استخدام اسلوب جديد أطلق عليه "الغموض النووي" ومزج فيه بين عناصر علمية وأخرى غامضة ليعبّر من خلاله عن ما كان يسمّيه بـ "القوّة المقدّسة".
"طفل الجيوبوليتيك" لوحة مثيرة للتفكير والتأمّل. وهي تحتمل أكثر من معنى. وقد قيل في بعض الأحيان إن الرجل الخارج من البيضة يمثل روح العصر الجديد أو الإنسان الجديد.
بعض الأوربيين، مثلا، كانوا يرون أن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة تحوّل كبرى في المسيرة الإنسانية وفي طبيعة النظام الذي يحكم العالم. فقد فتحت الحرب الأعين على مساوئ النظام العالمي الذي كان سائدا آنذاك والذي انكسر وانهار بفعل الحرب. وكان ثمّة مفكرون وفلاسفة كثر يبشّرون بقرب ولادة الإنسان الحديث الذي سينهض من رماد الحرب ليتولى المسئولية السياسية والأخلاقية عن العالم فيصلح أوضاعه ويرمّم العلاقة بين أطرافه المتنافرة وصولا الى مرحلة يعمّ فيها السلام والاستقرار بدلا من التوتّرات والحروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق