يحفل تاريخ انجلترا السياسي بالكثير من قصص العنف وسفك الدماء التي تقشعرّ لها الأبدان.
وقد شهدت القرون الوسطى، على وجه الخصوص، سلسلة من الأحداث العنيفة والدامية على خلفية ما كان يجري آنذاك من مؤامرات سياسية وصراعات مذهبية وتنافس محموم على السلطة. وكانت ظاهرة العنف التي اتّسم بها تاريخ انجلترا في تلك الفترة موضوعا للكثير من الكتب والدراسات.
هذه اللوحة تصوّر واحدة من أشهر عمليات الإعدام التي شهدتها انجلترا في العام 1554م. والمرأة التي تظهر في اللوحة هي الليدي جين غراي التي تولّت عرش بريطانيا لبضعة أيّام فقط قبل أن ُيزجّ بها في السجن وُيحكم عليها بالإعدام في ما بعد.
كانت الليدي غراي قد ترشّحت لمنصب الملكة بناءً على وصيّة ابن عمّها الملك ادوارد السادس، لتصبح الملكة البروتستانتية التالية لانجلترا.
وبعد موت ادوارد تمّ تنصيب الليدي غراي ملكة إنفاذا للوصيّة. لكنّ أخت ادوارد الكاثوليكية، ميري الأولى، لم تكن راضية عن قرار شقيقها، فأضمرت في نفسها خطّة لإزاحة جين والجلوس مكانها.
ولم تلبث أن أعلنت مطالبتها بالعرش على اعتبار أنها الأحقّ بذلك، بحكم أنها تتمتّع بدعم الشعب والكنيسة.
وقد تنازلت جين غراي عن العرش فعلا بعد أن حكمت انجلترا لمدة تسعة أيّام فقط.
غير أن ميري بادرت بعد ذلك إلى سجن زوج جين ووالده في برج لندن بعد اتهامهما بالخيانة العظمى. ثم سارعت بإصدار أمرها بإعدام الليدي غراي التي كان عمرها في ذلك الوقت سبعة عشر عاما، بالإضافة إلى إعدام زوجها وذلك بقطع رأسيهما.
ثم أعدم والد الزوج بعد ذلك بيومين وبنفس الطريقة.
الفنان بول دولاروش اشتهر برسوماته التي صوّر فيها أحداثا تاريخية مهمّة. وقد رسم حادثة إعدام الليدي غراي بعد مرور ثلاثمائة عام على وقوعها. واعتمد في رسم اللوحة على بعض المصادر التاريخية التي تحدّثت عن الحادثة.
واللوحة تصوّر اللحظات الأخيرة في حياة المرأة، أي وهي تساق إلى مكان الإعدام في إحدى غرف برج لندن. وهو نفس المكان الذي سبق وأن أعدمت فيه كل من آن بولين وكاثرين هاوارد زوجتي الملك هنري الثامن.
وتظهر الليدي في اللوحة وهي ترتدي فستانا من الساتان الأبيض بينما ُعصبت عيناها. وقد جرت العادة في ذلك الزمان أن تجري عمليات الإعدام بعيدا عن أعين العامّة وألا يشهدها سوى عدد قليل من الأشخاص.
في هذا المشهد لا نرى أكثر من أربعة أشخاص يراقبون ما يجري. الأوّل هو الجلاد الذي يقف إلى يمين اللوحة وقد أمسك بيده أداة الإعدام أي الفأس الضخم.
وهناك الرجل في الوسط، أي الذي يهمّ بمساعدة السيّدة على الجلوس، وهو المسئول عن البرج وقت الحادثة.
وإلى يسار اللوحة تظهر امرأتان: الأولى تعطي ظهرها للناظر بينما تسند رأسها ويديها إلى الجدار علامة اليأس والحزن الشديد. والثانية مرضعة الليدي غراي في طفولتها، وتبدو جالسة على الأرض وقد أمسكت بيدها مسبحة وبدا على وجهها الإعياء والكرب الشديد.
يقال إن الليدي غراي عندما أخبرت بأنها ستصبح ملكة سقطت مغشيا عليها من اثر المفاجأة وتردّدت كثيرا في قبول المنصب.
وأثناء فترة سجنها بعثت برسالة إلى ميري تطلب منها الصفح والغفران وتخبرها بأن رجال القصر خدعوها وغرّروا بها. وفعلا أمرت ميري بتجميد الحكم لبعض الوقت. غير أن والد زوج الليدي أفسد كلّ شيء عندما قاد تمرّدا ضد الملكة تحت تأثير تعطشّه للسلطة وطمعه في أن يكون لعائلته دور في حكم البلاد.
وما عقّد الأمور أكثر تدخّل ملك اسبانيا الكاثوليكي فيليب الثاني في القضيّة. إذ اشترط لإتمام زواجه من ميري أن تسارع إلى تصفية جميع البروتستانت الذين يثيرون المشاكل ويتحيّنون الفرص للانقضاض على حكمها.
إلى أسفل اللوحة، أي أمام الليدي، تظهر الخشبة التي يفترض أن يضع المحكوم رأسه عليها قبل التنفيذ، وحولها تناثرت قطع من القشّ الذي وضع هناك ليقوم بوظيفة امتصاص دم الضحيّة وتجفيف الأرضية.
وفي اللوحة بعض التفاصيل الفنية التي لا تخلو من دلالات إنسانية ودرامية: ملابس الليدي البيضاء التي يشعّ منها النور الساطع، ربّما للدلالة على طهرها وبراءتها. وغلبة اللون الأحمر على ملابس الجلاد الذي ينتظر بصبر إتمام المهمّة الدموية التي تنتظره. والمناطق المظلمة التي تتوزّع على مساحات اللوحة خاصة الأجزاء العلوية منها. والمرأتان اللتان لا تستطيعان النظر إلى ما يجري لكنهما غير قادرتين على مغادرة المكان. ثم هناك اليد العطوفة لممثّل السلطة، أي رئيس البرج، الذي يواسي الليدي بحنان أبوي ويطلب منها أن تغفر لهم قبل أن تأخذ الوضع المناسب للذبح.
في العصر الفيكتوري ُبعثت شخصية الليدي جين غراي باعتبارها شهيدة بروتستانتية. وكانت تصوّر دائما على أنها الفتاة الصغيرة البريئة التي قتلتها ملكة كاثوليكية متعصّبة.
وبعد مرور أكثر من 400 عام على إعدامها، ما تزال شخصية الليدي غراي حيّة في الضمير الانجليزي بما آلت إليه من نهاية مفجعة ومصير بائس. حيث يرى الكثيرون أنها قتلت غيلة وظلما بعد أن تنازلت عن السلطة عن طيب خاطر وبمحض إرادتها.
لقد كانت الليدي جين غراي – بحسب بعض المؤرّخين - شابّة ذكيّة وواعدة لكنها لم تكن تملك أمرها ومصيرها بيدها. ومن سوء حظها أنها كانت مجرّد حجر صغير في شطرنج السياسة ولعبة الصراعات والولاءات المتغيّرة في تلك الفترة المظلمة من تاريخ انجلترا.
وقد شهدت القرون الوسطى، على وجه الخصوص، سلسلة من الأحداث العنيفة والدامية على خلفية ما كان يجري آنذاك من مؤامرات سياسية وصراعات مذهبية وتنافس محموم على السلطة. وكانت ظاهرة العنف التي اتّسم بها تاريخ انجلترا في تلك الفترة موضوعا للكثير من الكتب والدراسات.
هذه اللوحة تصوّر واحدة من أشهر عمليات الإعدام التي شهدتها انجلترا في العام 1554م. والمرأة التي تظهر في اللوحة هي الليدي جين غراي التي تولّت عرش بريطانيا لبضعة أيّام فقط قبل أن ُيزجّ بها في السجن وُيحكم عليها بالإعدام في ما بعد.
كانت الليدي غراي قد ترشّحت لمنصب الملكة بناءً على وصيّة ابن عمّها الملك ادوارد السادس، لتصبح الملكة البروتستانتية التالية لانجلترا.
وبعد موت ادوارد تمّ تنصيب الليدي غراي ملكة إنفاذا للوصيّة. لكنّ أخت ادوارد الكاثوليكية، ميري الأولى، لم تكن راضية عن قرار شقيقها، فأضمرت في نفسها خطّة لإزاحة جين والجلوس مكانها.
ولم تلبث أن أعلنت مطالبتها بالعرش على اعتبار أنها الأحقّ بذلك، بحكم أنها تتمتّع بدعم الشعب والكنيسة.
وقد تنازلت جين غراي عن العرش فعلا بعد أن حكمت انجلترا لمدة تسعة أيّام فقط.
غير أن ميري بادرت بعد ذلك إلى سجن زوج جين ووالده في برج لندن بعد اتهامهما بالخيانة العظمى. ثم سارعت بإصدار أمرها بإعدام الليدي غراي التي كان عمرها في ذلك الوقت سبعة عشر عاما، بالإضافة إلى إعدام زوجها وذلك بقطع رأسيهما.
ثم أعدم والد الزوج بعد ذلك بيومين وبنفس الطريقة.
الفنان بول دولاروش اشتهر برسوماته التي صوّر فيها أحداثا تاريخية مهمّة. وقد رسم حادثة إعدام الليدي غراي بعد مرور ثلاثمائة عام على وقوعها. واعتمد في رسم اللوحة على بعض المصادر التاريخية التي تحدّثت عن الحادثة.
واللوحة تصوّر اللحظات الأخيرة في حياة المرأة، أي وهي تساق إلى مكان الإعدام في إحدى غرف برج لندن. وهو نفس المكان الذي سبق وأن أعدمت فيه كل من آن بولين وكاثرين هاوارد زوجتي الملك هنري الثامن.
وتظهر الليدي في اللوحة وهي ترتدي فستانا من الساتان الأبيض بينما ُعصبت عيناها. وقد جرت العادة في ذلك الزمان أن تجري عمليات الإعدام بعيدا عن أعين العامّة وألا يشهدها سوى عدد قليل من الأشخاص.
في هذا المشهد لا نرى أكثر من أربعة أشخاص يراقبون ما يجري. الأوّل هو الجلاد الذي يقف إلى يمين اللوحة وقد أمسك بيده أداة الإعدام أي الفأس الضخم.
وهناك الرجل في الوسط، أي الذي يهمّ بمساعدة السيّدة على الجلوس، وهو المسئول عن البرج وقت الحادثة.
وإلى يسار اللوحة تظهر امرأتان: الأولى تعطي ظهرها للناظر بينما تسند رأسها ويديها إلى الجدار علامة اليأس والحزن الشديد. والثانية مرضعة الليدي غراي في طفولتها، وتبدو جالسة على الأرض وقد أمسكت بيدها مسبحة وبدا على وجهها الإعياء والكرب الشديد.
يقال إن الليدي غراي عندما أخبرت بأنها ستصبح ملكة سقطت مغشيا عليها من اثر المفاجأة وتردّدت كثيرا في قبول المنصب.
وأثناء فترة سجنها بعثت برسالة إلى ميري تطلب منها الصفح والغفران وتخبرها بأن رجال القصر خدعوها وغرّروا بها. وفعلا أمرت ميري بتجميد الحكم لبعض الوقت. غير أن والد زوج الليدي أفسد كلّ شيء عندما قاد تمرّدا ضد الملكة تحت تأثير تعطشّه للسلطة وطمعه في أن يكون لعائلته دور في حكم البلاد.
وما عقّد الأمور أكثر تدخّل ملك اسبانيا الكاثوليكي فيليب الثاني في القضيّة. إذ اشترط لإتمام زواجه من ميري أن تسارع إلى تصفية جميع البروتستانت الذين يثيرون المشاكل ويتحيّنون الفرص للانقضاض على حكمها.
إلى أسفل اللوحة، أي أمام الليدي، تظهر الخشبة التي يفترض أن يضع المحكوم رأسه عليها قبل التنفيذ، وحولها تناثرت قطع من القشّ الذي وضع هناك ليقوم بوظيفة امتصاص دم الضحيّة وتجفيف الأرضية.
وفي اللوحة بعض التفاصيل الفنية التي لا تخلو من دلالات إنسانية ودرامية: ملابس الليدي البيضاء التي يشعّ منها النور الساطع، ربّما للدلالة على طهرها وبراءتها. وغلبة اللون الأحمر على ملابس الجلاد الذي ينتظر بصبر إتمام المهمّة الدموية التي تنتظره. والمناطق المظلمة التي تتوزّع على مساحات اللوحة خاصة الأجزاء العلوية منها. والمرأتان اللتان لا تستطيعان النظر إلى ما يجري لكنهما غير قادرتين على مغادرة المكان. ثم هناك اليد العطوفة لممثّل السلطة، أي رئيس البرج، الذي يواسي الليدي بحنان أبوي ويطلب منها أن تغفر لهم قبل أن تأخذ الوضع المناسب للذبح.
في العصر الفيكتوري ُبعثت شخصية الليدي جين غراي باعتبارها شهيدة بروتستانتية. وكانت تصوّر دائما على أنها الفتاة الصغيرة البريئة التي قتلتها ملكة كاثوليكية متعصّبة.
وبعد مرور أكثر من 400 عام على إعدامها، ما تزال شخصية الليدي غراي حيّة في الضمير الانجليزي بما آلت إليه من نهاية مفجعة ومصير بائس. حيث يرى الكثيرون أنها قتلت غيلة وظلما بعد أن تنازلت عن السلطة عن طيب خاطر وبمحض إرادتها.
لقد كانت الليدي جين غراي – بحسب بعض المؤرّخين - شابّة ذكيّة وواعدة لكنها لم تكن تملك أمرها ومصيرها بيدها. ومن سوء حظها أنها كانت مجرّد حجر صغير في شطرنج السياسة ولعبة الصراعات والولاءات المتغيّرة في تلك الفترة المظلمة من تاريخ انجلترا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق