يمكن اعتباره هذه اللوحة نموذجاً لعالم فريدريش المسكون بحبّ الطبيعة لدرجة التقديس وبالميل للروحانية والتأمّل. وفيها نرى رجلين يرتديان ملابس سكّان المدن ويقفان بمحاذاة الطريق ويحدّقان في ضوء القمر الذي يلقي بوهجه الأرجواني على المكان. بينما بدت إلى اليمين شجرة سنديان ضخمة بأفرع أشبه ما تكون بمخالب كائن خرافي متحفّز للانقضاض والإطباق على فريسة.
المشهد يصوّر رفقة غامضة بين شخصين "أحدهما هو الرسّام نفسه والآخر أحد تلاميذه" من جهة، وبين الطبيعة من جهة أخرى. لكنه أيضا ينطوي على دعوة ضمنية للناظر لكي يدخل في الحالة المزاجية والشعورية ويتأمّل الأفق اللامتناهي ويستمتع بمشاهدة الحضور المسيطر والطاغي للقمر. ويقال إن سامويل بيكيت، الروائي والمسرحي الايرلندي، وقف مبهوراً أمام هذه اللوحة وهو يشاهدها للمرّة الأولى وأنه استوحى من أجوائها فكرة مسرحيّته المشهورة "بانتظار غودو".
فرديدريش، الذي يمثل مع غوته وبيتهوفن أضلاع مثلّث الرومانسية الألمانية، معروف بمناظره ذات القوّة الانفعالية الكبيرة والمضامين الصوفية والشاعرية التي تصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة وقواها الروحية الغامضة.
وقد كان الفنان مفتوناً كثيراً بالقمر الذي ارتبط في عصر الرومانسية الأوربّي بالقصص الفولكلورية والأساطير وبالسحر والتوق والتأمّل الحزين وبحالات ما دون الوعي وبالخصوبة والأشباح، إلى غير ذلك من التصوّرات والانفعالات المختلفة والمتباينة.
وعندما حلّ عصر التنوير اكتسب القمر دلالات مغايرة فنُزع عنه الغموض نهائيا وفقدت صورته الرومانسية الكثير من سحرها وجاذبيتها مع ظهور الأفكار العقلانية والعلمية.
في ذلك العصر كان الرسّامون، ومنهم فريدريش، يركّزون على رسم الطبيعة باعتبارها عنصرا غامضاً ولا مبالياً ويتعذّر التنبؤ بما تفعل ناهيك عن استحالة السيطرة عليها أو ترويضها.
وسادت وقتها أفكار التصوّف وخواء الإنسان وعبثية الوجود وغير ذلك من التصوّرات النفسية المتشائمة والمظلمة. وكان الأدباء والرسّامون والشعراء يكثرون من الحديث عن القمر والليل والأحلام والعزلة والأرواح باعتبارها أكثر أهميّة من الشمس والنهار والنور وغيرها من الرموز التي تشير إلى الإدراك والتفكير الواعي والعقلاني.
ووجد الكثير من هؤلاء طريقهم إلى الغابات الواسعة وأحضان الجبال ومساقط الأنهار والشلالات يمارسون في رحابها التأمّل والعزلة والصلاة قرب أضرحة الرهبان والنسّاك والقدّيسين. وكانوا يرون أن ذلك يقرّبهم من الله أكثر من تعبّدهم في الكنائس والكاثدرائيات "التي لوّثها سخام المدن ونفاق رجال الدين"، على حدّ تعبير الفنان والفيلسوف وليام بليك الذي تجمعه بـ فريدريش نقاط شبه كثيرة.
لكن مع مجيء عصر التنوير تغيّرت الصورة وراجت الأفكار التي تتحدّث عن سيطرة الإنسان على الطبيعة وحتمية انتصار العقل على العاطفة والخرافة في النهاية.
ولـ فريدريش أكثر من لوحة يمكن اعتبارها تنويعاً على نفس فكرة هذه اللوحة. فالشخوص فيها لا يزيدون على اثنين في الغالب. وهما دائماً يعطيان ظهريهما للناظر ويبدوان كما لو أنهما يخطوان خارج الحيّز المكاني الذي يقفان فيه، أو كأنهما يبحثان عن شيء ناء لا يمكن بلوغه ويتبادلان حديثاً أشبه ما يكون بحديث الأرواح. هذا بالإضافة طبعاً إلى الحضور الدائم للقمر وأشجار السنديان وكذلك الأفق الذي يتعمّد الفنان جعله منخفضاً بشكل غير مألوف لإبراز قرب السماء وسيطرتها.
توفي فريدريش بعد عشر سنوات من رسمه هذه اللوحة، وقد مات فقيراً، وحيداً ومريضاً.
ولأنه لم يكن يملك مالا يسدّد به نفقات علاجه، فقد وهب هذه اللوحة لطبيبه الذي عالجه وقام على رعايته في الأيّام الأخيرة من حياته. وقد انتقلت اللوحة من مالك لآخر إلى أن استقرّت أخيرا في متحف المتروبوليتان بنيويورك.
المشهد يصوّر رفقة غامضة بين شخصين "أحدهما هو الرسّام نفسه والآخر أحد تلاميذه" من جهة، وبين الطبيعة من جهة أخرى. لكنه أيضا ينطوي على دعوة ضمنية للناظر لكي يدخل في الحالة المزاجية والشعورية ويتأمّل الأفق اللامتناهي ويستمتع بمشاهدة الحضور المسيطر والطاغي للقمر. ويقال إن سامويل بيكيت، الروائي والمسرحي الايرلندي، وقف مبهوراً أمام هذه اللوحة وهو يشاهدها للمرّة الأولى وأنه استوحى من أجوائها فكرة مسرحيّته المشهورة "بانتظار غودو".
فرديدريش، الذي يمثل مع غوته وبيتهوفن أضلاع مثلّث الرومانسية الألمانية، معروف بمناظره ذات القوّة الانفعالية الكبيرة والمضامين الصوفية والشاعرية التي تصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة وقواها الروحية الغامضة.
وقد كان الفنان مفتوناً كثيراً بالقمر الذي ارتبط في عصر الرومانسية الأوربّي بالقصص الفولكلورية والأساطير وبالسحر والتوق والتأمّل الحزين وبحالات ما دون الوعي وبالخصوبة والأشباح، إلى غير ذلك من التصوّرات والانفعالات المختلفة والمتباينة.
وعندما حلّ عصر التنوير اكتسب القمر دلالات مغايرة فنُزع عنه الغموض نهائيا وفقدت صورته الرومانسية الكثير من سحرها وجاذبيتها مع ظهور الأفكار العقلانية والعلمية.
في ذلك العصر كان الرسّامون، ومنهم فريدريش، يركّزون على رسم الطبيعة باعتبارها عنصرا غامضاً ولا مبالياً ويتعذّر التنبؤ بما تفعل ناهيك عن استحالة السيطرة عليها أو ترويضها.
وسادت وقتها أفكار التصوّف وخواء الإنسان وعبثية الوجود وغير ذلك من التصوّرات النفسية المتشائمة والمظلمة. وكان الأدباء والرسّامون والشعراء يكثرون من الحديث عن القمر والليل والأحلام والعزلة والأرواح باعتبارها أكثر أهميّة من الشمس والنهار والنور وغيرها من الرموز التي تشير إلى الإدراك والتفكير الواعي والعقلاني.
ووجد الكثير من هؤلاء طريقهم إلى الغابات الواسعة وأحضان الجبال ومساقط الأنهار والشلالات يمارسون في رحابها التأمّل والعزلة والصلاة قرب أضرحة الرهبان والنسّاك والقدّيسين. وكانوا يرون أن ذلك يقرّبهم من الله أكثر من تعبّدهم في الكنائس والكاثدرائيات "التي لوّثها سخام المدن ونفاق رجال الدين"، على حدّ تعبير الفنان والفيلسوف وليام بليك الذي تجمعه بـ فريدريش نقاط شبه كثيرة.
لكن مع مجيء عصر التنوير تغيّرت الصورة وراجت الأفكار التي تتحدّث عن سيطرة الإنسان على الطبيعة وحتمية انتصار العقل على العاطفة والخرافة في النهاية.
ولـ فريدريش أكثر من لوحة يمكن اعتبارها تنويعاً على نفس فكرة هذه اللوحة. فالشخوص فيها لا يزيدون على اثنين في الغالب. وهما دائماً يعطيان ظهريهما للناظر ويبدوان كما لو أنهما يخطوان خارج الحيّز المكاني الذي يقفان فيه، أو كأنهما يبحثان عن شيء ناء لا يمكن بلوغه ويتبادلان حديثاً أشبه ما يكون بحديث الأرواح. هذا بالإضافة طبعاً إلى الحضور الدائم للقمر وأشجار السنديان وكذلك الأفق الذي يتعمّد الفنان جعله منخفضاً بشكل غير مألوف لإبراز قرب السماء وسيطرتها.
توفي فريدريش بعد عشر سنوات من رسمه هذه اللوحة، وقد مات فقيراً، وحيداً ومريضاً.
ولأنه لم يكن يملك مالا يسدّد به نفقات علاجه، فقد وهب هذه اللوحة لطبيبه الذي عالجه وقام على رعايته في الأيّام الأخيرة من حياته. وقد انتقلت اللوحة من مالك لآخر إلى أن استقرّت أخيرا في متحف المتروبوليتان بنيويورك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق